الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

رحلة في زمن التبشير

رحلة في زمن التبشير
3 يونيو 2009 23:56
تنوعت الدراسات العربية وحتى الاستشراقية في تناولاتها التحليلية لمواقع الجزيرة العربية وتحديداً المدينة المنورة «يثرب ما قبل الإسلام» لكونها مركزاً مهماً أسهم في قيام الدين الإسلامي وانتشاره، وبالتالي حاولت تلك الدراسات قراءة الحاضنة التي ترعرع فيها الدين الإسلامي وما واجهه من تصادمات مع النصرانية واليهودية في آن واحد. في ذات الموضوع درجت الدراسات العربية على قراءة واقع المدينة المنورة ما قبل الإسلام وخلاله بالتركيز على وجود القبائل اليهودية: بنو قينقاع وبنو النظير وبنو قريضة وبنو عكرمة وبنو ثعلبة وبنو زغورا وبنو زيد وبنو عوف، وما حاك قادتهم من مؤامرات لإحباط الدعوة الإسلامية ومحاربتها، ولم تتطرق إلا القليل من الدراسات لواقع الوجود النصراني في المدينة المنورة، لذا يجيء كتاب الباحث الإماراتي الدكتور حمد محمد بن صراي المعنون «الوجود النصراني في المدينة قبل الإسلام وفي العهد النبوي» باصدار هيئة أبوظبي للثقافة والتراث ليقدم لنا بانوراما عامة عن هذا الوجود وكيفية تعامل الإسلام معه. هجرة النصرانية لم يقسم الباحث دراسته تلك وفقاً لمنهج الفصول أو الأبواب وإنما اعتبره بحثاً واحداً تتدرج فيه المفاصل بعد «التمهيد» لتقود البحث درجة بعد أخرى في مظان الكشف التاريخي، وفي هذا الاطار ابتدأ بحث ابن صراي في موضوعه «دخول النصرانية في بلاد العرب واقليم الحجاز» من أجل تأكيد هذه النتيجة حيث أشار إلى أن الحيرة وسوريا وبيزنطة كانت مصدر هجرة النصرانية إلى بلاد العرب، عن طريق التجار العرب وبخاصة تواصل العرب مع المناطق الشمالية في العراق وسوريا ومع الحبشة جعلهم على معرفة بالمذاهب النصرانية المختلفة، حيث لا يستبعد الدارسون وجود صوامع في وادي القرى وحضور الرهبان أسواق العرب. أما عن طريق دخول النصرانية إلى بلاد العرب والحجاز فقد حدد الدكتور ابن صراي ذلك عبر أولاً الهجرة والتبشير حيث وفد الحجاز فئة من المبشرين النصارى من اليهود المتنصرين الذين كانوا يحافظون على تعاليم يهودية ونصرانية مختلطة كيوم السبت والختان والتوجه إلى بيت المقدس في أثناء الصلاة، وثانياً عن طريق الرقيق المجلوب من الشام والحبشة وثالثاً التجارة التي أوصلت أهالي الحجاز إلى الشام والعراق واليمن والحبشة ومصر. الحياة الجاهلية يؤكد ابن صراي حقيقة أن النصرانية انتشرت في بلاد العرب قبل الإسلام، أما عن تأثير النصرانية في فكر العرب فيرى بعض الباحثين أن تأثير النصرانية لم يكن من الأهمية بحيث تصبح عنصراً من عناصر الحياة الجاهلية، وحتى القبائل العربية التي فشت فيها النصرانية كانت نصرانية سطحية غير عميقة الجذور ومما يدل على ذلك سرعة إسلام هذه القبائل وقيل إنها كانت نصرانية بدائية قريبة جداً من التوحيد. يشير الباحث إلى أن أثر الزراعة في يثرب كان سبباً أو عاملاً لاستيطان المهاجرين ومنهم النصارى وتوجههم إلى الجزء أو الشطر الغربي من شبه الجزيرة العربية حيث سلسلة المدن المهمة كيثرب وقلة ونجران ويرى الباحث أن ثمة صلة قوية بين قبيلتي الأوس والخزرج والغساسنة حيث استنجدت هاتان القبيلتان بالغساسنة ضد اليهود بعد أن تعرضت لضيم اليهود وقد نصرهما ملك ملوك غسان أبو حبيلة عبيد بن سالم بن مالك بن سالم من ولد جفنة بن عمرو بن عامر. يقرأ الباحث وصول النصرانية إلى يثرب في زمن مبكر بدليل ما رواه ابن زباله عن عمر بن سليم الزرفي وعثوره على قبر ارمي أو قبر آدمي يحتوي على حجرين طويلين مكتوبين لا تقرأ كتابتهما فحملهما وعرض أحد الحجرين على أهل التوراة من يهود فلم يعرفوه ثم عرض على أهل الانجيل من النصارى فلم يعرفوه. حتى عرض على رجلين قادمين إلى يثرب فقرأه أحدهما حيث يقول كاتبه: أنا عبدالله الاسود رسول رسول الله عيسى بن مريم إلى أهل قرى عربية» وقيل إن هذا الرجل الذي قرأ الحجر كان من اليمن. وبحسب الباحث ابن صراي وما رواه عن محقق كتاب الوفا للسمهودي أن الرجل اليمني استطاع قراءة النقش لأنه مكتوب بخط المسند الذي كتب به الثموديون والديدانيون. وهناك من أفاض أكثر بالقول إن هذا الحجر عثر عليه في عهد الصحابة وأنهم لم يتمكنوا من قراءته لأنه مكتوب بالخط الحميري وقيل إن هذين الحجرين بقيا في المدينة واختفيا بعد القرن الخامس الهجري. ويورد الباحث خبراً من أن تقويماً قديماً للكنيسة النسطورية يذكر أن النساطرة أقاموا مطراناً في يثرب وكان لهم ثلاث كنائس وهي: إبراهيم الخليل وموسى الكليم وأيوب الصديق ولا يستبعد أنه كان للنصارى أساقفة في مواضع عدة من بلاد العرب لتنظيم سياسة الكنائس والأديرة. وجود النصارى ويتحول الباحث إلى مسألة مهمة وهي معرفة النصارى بدار هجرة الرسول الكريم حيث روي عن البيهقي أنه كان الأحبار والرهبان من أهل الكتاب هم أعلم برسول الله صلى الله عليه وسلم قبل مبعثه كما قال النويري: «وبشّر به أحبار اليهود وعلماء النصارى عما انتهى إليهم من العلوم التي تلقوها عن الأنبياء صلوات الله عليهم، ونقلوها من صحفهم». وينتقل الدكتور ابن صراي لدراسة أفراد نصارى من يثرب واختار منهم 14 فرداً بأسمائهم وقبائلهم وحوادث مرتبطة بهم ليوثق وجود النصارى الأقدم في المدينة. ومن بين الأسماء التي اختارها ابن صراي هي أبو عامر الراهب الذي قال فيه الرسول الكريم: «لا تقولوا الراهب ولكن قولوا الفاسق» والجعد بن هانئ الحضرمي وأبا الحصين الأنصاري السالمي وغيرهم. ويدرس الباحث الغناء والرقيق والقيان والإماء والنصرانية حيث كان العرب عند إغارتهم على تخوم فارس والروم يسلبون ما يقع في أيديهم من أموال ونساء وأطفال، كما أن الوفود الزائرة للبلاط البيزنطي ترجع بتحف وبهدايا منها الجواري ولا يستبعد أن عدداً من الموالي والرقيق كانوا من النصارى، بحسب ابن صراي، ولاسيما أن بعضاً من هؤلاء الرقيق كان يقرأ ويكتب ويفسر التوراة والانجيل. ويقرأ الباحث آثارا نصرانية في يثرب وأهمها الأديرة ويناقش معنى لفظة دير الآرامية أو السريانية الأصل والتي تعني مكان العبادة الخاص بالرهبان. كما يتطرق الباحث إلى الوفود النصرانية والأفراد النصارى الذين وفدوا على الرسول بما يعني وجودهم وتجذره في الجزيرة العربية حيث يقول: ومن تتبع تاريخ الوفود القادمة إلى المدينة يلاحظ أن عدداً منها كانوا نصارى أو على الأقل قدموا من قبائل نصرانية أو من مناطق تنتشر فيها النصرانية. ويستطرد الباحث بالدرس والتحليل لوفد نصارى نجران التي تعد مركزاً مهماً من مراكز النصارى في بلاد العرب وكان أهلها من أغنى سكان شبه الجزيرة وكان يحكمها مجلس ثلاثي مكون من 3 أشخاص هم السيد والعاقب والاسقف. الأول للحروب والثاني لإدارة المدينة والثالث لشؤون الدين. كتاب يقرأ تاريخ النصارى ما قبل الإسلام وأثناءه حيث كانوا يعون الإسلام ويفهمون جيداً لغة القرآن الكريم ويتأثرون بها ويتجاوبون معها. الكتاب: الوجود النصراني في المدينة قبل الإسلام وفي العهد النبوي المؤلف: الدكتور حمد محمد بن صراي الناشر: هيئة أبوظبي للثقافة والتراث
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©