الأربعاء 17 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

فيلم هوليودي بنكهة فنزويلية

فيلم هوليودي بنكهة فنزويلية
3 يونيو 2009 23:56
أصدرت الدار العربية للعلوم ناشرون كتابا جديدا بعنوان «هوغو ـ قصة هوغو تشافيز من الكوخ الطيني إلى الثورة المستمرة» ترجمة بسام شيحا وأمين الأيوبي تأليف بارت جونز، الذي عملً لمدة ثماني سنوات في فنزويلا كمراسل لدى «أسوشايتد برس» و»ذي اتلانتك سيتي برس» والحائز على جوائز عديدة من اتحاد الصحفيين في فيلادلفيا. لقد كان أحد شهود العيان الذين، تتبعوا تشافيز وهو يرتقي إلى السلطة. يحكي لنا في كتابه «هوغو» قصة طفولة تشافيز المحرومة، ومسيرته في الجيش، وعقداً من النشاط السياسي السرّي الذي انتهى بمحاولة فاشلة للاستيلاء على السلطة في عام 1992. وهو يصف حملته الانتخابية ضد ملكة جمال العالم السابقة والتي أفضت في النهاية إلى فوز تشافيز بالرئاسة والتحول الدراماتيكي في المصائر التي ميزها: الصراع من أجل إصلاح الاقتصاد الفنزويلي، والمحاولة الانقلابية التي جرت في عام 2002 حيث اختطف وواجه إعداماً عاجلاً، وإضراب صناعة النفط الذي تلا ذلك. هذا فضلاً عن القصص الكاملة للعديد من هذه الأحداث والتي لم ترو من قبل. الخروج من البراثن كانت الرئاسة تنزلق من بين يدي تشافيز، ففي 11 ابريل 2002، نزل مئات الآلاف من المتظاهرين إلى الشوارع مطالبين باستقالة تشافيز. فبعد ثلاث سنوات من بدء رئاسته، أصبح تشافيز رجلاً مكروهاً من قبل بعض الفنزويليين الذين كانوا يرونه كديماغوجي مدّع، فيدل كاسترو آخر يدمر البلد بتجربته نصف الناضجة في الشيوعية. كان بالنسبة لهم مجرد ديكتاتور غريب الأطوار يحث على الصراع الطبقي، ويدخل في فوضى اقتصادية. فعلى الرغم من أن فنزويلا تملك أكبر احتياطي نفطي في العالم خارج منطقة الشرق الأوسط، وإحدى أكبر الدول الأجنبية المزوّدة بالنقط للولايات المتحدة، إلا إن معظم سكانها كانوا يعيشون في فقر، والكثيرون منهم كانوا يحمّلون النخبة الحاكمة الفاسدة مسؤولية سرقة النفط وتكديس الثروات الخاصة. صرّح ضباط في الجيش عبر التلفزيون بأنهم لم يعودوا يعترفون بتشافيز كرئيس للدولة. وتبعهم القادة السياسيون ورجال الأعمال المعارضون الذين نعتوا تشافيز بالقاتل. بعدها أذعن تشافيز لتهديدات المتمردين العسكريين، وسلّم نفسه إليهم بينما أعلن أحد الجنرالات للعالم أنه استقال من منصبه. بعد ذلك، اختفى تشافيز لمدة يومين، ولم يكن أحد يعلم مكانه. ثم بعد سبع واربعين ساعة من اختفائه، عاد تشافيز إلى السلطة عندما قام ضباط موالون له بانقلاب مضاد بغية إنقاذه وإرجاعه إلى القصر، وكان هذا الانقلاب قد حوّله إلى شخص بارز ومؤثر في تاريخ أميركا اللاتينية. يرى المؤلف في حقيقة الأمر أن قصة حياة تشافيز تصلح لأن تكون مادة لفيلم هوليودي، مع نكهة فنزويلية. لقد ولد تشافيز في كوخ طيني فوق سهول فنزويلا الكبرى على يد قابلة قانونية، وفي مرحلة الطفولة، باع تشافيز الحلوى في الشوارع، وفي السابعة عشرة من عمره انتسب إلى الأكاديمية العسكرية، واضعاً نصب عينيه تغيير مصير بلده. ونظّم بعد ذلك مجموعة سرية من زملائه الجنود المستائين من الفساد والانحلال الخلقي في البلد. لقد كان يلتقي بعض الزعماء الثائرين السابقين، في بيت سري في كاراكاس أصبح بمثابة بيت للثوار. في عام 1992، انكشفت مؤامرة تشافيز للعلن عندما قاد انقلاباً فاشلاً ضد الرئيس كارلوس أندرياس بيريز. كان حلفاء تشافيز غاضبين من بيريز لأنه أمر القوات المسلحة بإخضاع عدة مئات من الأشخاص في نهاية اضطرابات الغذاء التي أشعلت فتيلها صفقة اقتصادية عاجلة صادق عليها الصندوق الدولي، فانتهى الأمر بواحدة من أكبر المذابح في تاريخ أميركا اللاتينية؛ تضاهي مذبحة «مين» بعدد من القتلى. في حين كان منتقدوه يصفونه بأنه مجرد ديماغوجي رخيص يثير الحقد الطبقي، ويروّج لسياسات اقتصادية ماركسية من حقبة الستينات أكل عليها الزمان وشرب. بين المواطنين بعد خروج تشافيز من السجن، أمضى عدة سنوات يجوب البلاد، معتمداً على أصدقائه ومناصريه للحصول على الغذاء والمبيت. في تلك الأثناء فقدت وسائل الإعلام اهتمامها به، ولم يعد لديه قيمة حيث اختفى من الصحافة المحلية والعالمية. لكنه في الواقع كان ما يزال يخطط لمحاولة انقلابية أخرى متيقناً من أن بلاده لن تسمح لشخص ثوري مثله بالوصول إلى السلطة عبر الانتخابات. لقد عاد تشافيز وغيّر رأيه في عام 1997، بعد فوز زميله في قيادة الانقلاب فرانشيسكو أرياس كارديناس بمنصب المحافظ في ولاية زوليا الغنية بالنفط، فشرع في الإعداد لحملة للفوز بالرئاسة. حيث كانت حظوظه بالفوز ضئيلة جداً؛ ومعظم اهتمام الأمة كان منصباً على منافسته، ملكة جمال العالم السابقة، آيرين ساييز، ولكونها رئيسة بلدية ناجحة في كاراكاس، والمنافسة بين الحسناء والوحش، كما لقبت تلك الحملة، تغيّرت عندما كشفت تصريحات آيرين الفارغة والمفرطة في عذوبتها عن خواء مثير للقلق، في الوقت الذي أسرت خطب تشافيز النارية عقول ملايين الفنزويليين القاطنين في مدن الأكواخ الفقيرة والغاضبين بسبب تلك الفجوة الواسعة بين الفقراء والأغنياء في البلد. وفي النهاية فاز تشافيز في انتخاب يناير 1998 بفارق واضح: 56 مقابل 40 بالمئة. بدأ تشافيز رئاسته بمحاولة السيطرة على شركة النفط الحكومية العملاقة، بيتروليوس دو فنزويلا، التي وصفها بأنها (دولة مستقلة ضمن دولة) تخدم مصالح النخبة الثرية بدلاً من الأغلبية الفقيرة في البلد. كما لعب دوراً ريادياً في إعادة إحياء منظمة الدول المصدرة للنفط (أوبك) شبه الميتة، وذلك من خلال استضافة أول قمة لقادة دول الأوبك خلال خمسة وعشرين عاماً. وبفضل مساعدته في رفع أسعار النفط العالمية من أدنى مستوياتها، إلى مستويات قياسية، فرفع أيضاً الدخل القومي الفنزويلي من 14 مليار دولار في 1998 إلى 40 مليار دولار في 2006. في سنته الرئاسية الأولى، دعا لعقد اجتماع دستوري وساعد بنفسه في إعادة كتابة الدستور ثم راقب المصوّتين وهم يوافقون عليه بنسبة 72 مقابل 28 بالمئة. وفي الوقت نفسه، أدت موجة هائلة من الأمطار الغزيرة إلى مسح مئات القرى المنتشرة في المنحدرات الجبلية الكاريبية لفنزويلا من الخريطة، دافنة معها آلاف الفنزويليين تحت الطين أو جارفة إياهم إلى البحر. كانت أكبر كارثة طبيعية تحدث في فنزويلا خلال مئة سنة على الأقل، موقعة الجزء الأعظم من ضحاياها بين صفوف الفقراء. لم يمض وقت طويل حتى بدأت سياسات تشافيز تثير موجة عاصفة من الغضب والخوف والاستياء بين النخب المتنفذة في فنزويلا وحلفائهم في الولايات المتحدة، الأمر الذي ولّد مسيرات في الشوارع ومقالات لاهبة في الصحف وأخيراً محاولة انقلابية في ابريل 2002. وبعد ثمانية أشهر، حدثت إضرابات عندما أغلق المعارضون شركة بيتروليوس دو فنزويلا طوال شهرين، فأوشك الاقتصاد على الانهيار، واصبحت المواد الغذائية والبنزين نادرة، وبات تشافيز على حافة إرغامه على الاستقالة، لكنه، بطريقة ما تمكّن من النجاة مرة أخرى. عندما ضعفت قوة المعارضة وتشوهت سمعتها، أصبح تشافيز قادراً على التركيز على الحكم، فأسس سلسلة مؤسسات اجتماعية على طريقة سياسات روزفلت الإصلاحية. لقد قامت هذه المؤسسات بتعليم مليون ونصف أمي فنزويلي القراءة والكتابة، وقدّمت المعونات المالية للأسواق الغذائية، وفتحت مطابخ مجانية لإطعام الفقراء، ودعت 12 الف طبيب كوبي للعيش والعمل في الأحياء الأشد فقراً في البلاد؛ كما سعى تشافيز لتحقيق حلم بوليفار بتوحيد أميركا اللاتينية، حيث أنشأ شبكة تلفزيونية للأخبار تغطي المنطقة بكاملها، وباع النفط بسعر رخيص لجيرانه، واقترح تأسيس اتحاد نفطي قاري، أوبك لاتينية. وتصوّر بناء خط أنابيب لنقل الغاز الطبيعي بطول 600 ميل كلفته 20 مليار دولار يمتد من شرق فنزويلا مروراً بغابات الأمازون في البرازيل وينتهي بالأرجنتين، مع خطوط لعبور الشاحنات إلى البيرو وبوليفيا وتشيلي. كما اقترح تأسيس نسخة أميركية لاتينية عن وكالة الفضاء الأميركية ناسا وإرسال اللاتينيين إلى الفضاء. وبالتأكيد بدا كل ذلك لمعارضيه جنوناً محضاً، في حين أن مناصريه كانوا يرون هوغو كحالم يعمل على تحويل أحلامه إلى حقائق واقعية. مع الفقراء يشرح في كتابه كيف أن تشافيز اليوم يلقى دعم القادة اليساريين الذين يرتقون السلطة في مختلف أنحاء أميركا اللاتينية، من لويز إناسيو لولا داسيلفا في البرازيل إلى نيستور كيرشنير في الأرجنتين إلى إيفو موراليس في بوليفيا، ورافائيل كوريا في الإكوادور. لقد قاوم ضغوطاً شديدة بذلتها قوى فاعلة لكي يذعن للنخب ويتخلى عن مشروعه الثوري القائم على تحويل فنزويلا باسم الفقراء. هذا الرجل الذي كان ينعت بمهووس السلطة، يرد على الادعاءات بأنه: (أي طاغية هذا الذي يتحمل آلام تعليم الناس كيفية القراءة والكتابة)، (وأي طاغية هذا الذي يوزّع السلاح على آلاف من المدنيين لتشكيل قوات احتياط عسكرية). لو كان حصر السلطات في شخصه، لما كان واصل مشروعاً يخدم الأغلبية الفقيرة في فنزويلا وكاد يتسبب في مقتله. لقد بدأ تشافيز بالتدريج، بعد أن أصبح الرئيس، بتبنّي فكرة الاشتراكية نتيجة للنضج السياسي والأيديولوجي وللتحليل العميق. يهدف مشروع تشافيز الاشتراكي كما يقول: إلى الدفاع عن المساواة، وعن الحرية، والأخوة، وإلى تلبية الحاجات الأساسية مثل الغذاء، والتعليم، والسكن،... الخ. والى عبارة بوليفار عندما قال: يهدف مشروع تشافيز إلى توفير أكبر قدر ممكن من السعادة لأكبر عدد من الناس. ويرغب بنقل السلطة إلى الناس عبر آليات مثل مجالس المناطق. وإنه لا يرى في الاشتراكية شيئاً سوى أنها نظام ديمقراطي أصيل، وإن لم يكن ديمقراطية النخب. وكان من الذين أملوا بأن يصل الرئيس أوباما. الساحر والديكتاتور يعتبر تشافيز اليوم من أكثر الشخصيات سحراً وإثارة للاهتمام والجدل على الساحة العالمية. وعلى الرغم من أن الكثير من وسائل الإعلام العالمية تصور تشافيز كوحش، وديكتاتور شيوعي آخذ بالتشكل يدمر الاقتصاد الفنزويلي ويثير صراعاً طبقياً ويدوس على حقوق الإنسان ويهاجم الصحافة الحرة ويقوض الديمقراطية، إلا أن حقيقته أشد تعقيداً من ذلك بكثير. فوسائل الإعلام تلك تغفل الحديث عن أسباب شعبية تشافيز الواسعة لدى الفنزويليين، كما تصوّر فنزويلا بشكل أساسي بحسب ما تراها اعين النخبة ذات البشرة البيضاء، وبذلك تنقل القصة منقوصة في كثير من جوانبها. ويعبّر عن هذا الأمر العالم السياسي الفنزويلي. لقد فاز تشافيز بفارق واضح في استفتاء اغسطس 2004، 59 إلى 41 بالمئة في تصويت حر ونزيه، امتلك المقترعون فرصة غير عادية لخلعه عن منصبه قبل انتهاء مدة ولايته الدستورية؛ واتبع ذلك بنصر كبير آخر في انتخاب يناير 2006 الذي منحه ست سنوات أخرى كرئيس لفنزويلا. كان هذا النصر الانتخابي العاشر لتشافيز خلال ثماني سنوات، وهكذا أصبحت فنزويلا اليوم بعد أن كانت منذ عقود دولة أميركية لاتينية راكدة ومنسية قبلة للسائحين الثوريين الذين يقصدونها من الولايات المتحدة وأوروبا وبلاد أخرى، ليروا بأم العين تطور الثورة البوليفارية وتبلورها. كان يحظى تشافيز بتقدير كبير عند أصدقائه الزعماء الأميركيين ذوي الأصول الأفريقية، مثل هاري بيلافونت وداني غلوفر وجيسي جاكسون، الذين يرون تشابهاً بين ثورته، المستلهمة من أفكار سيمون بوليفار، للدفاع عن الغالبية الفنزويلية الفقيرة ذات البشرة الداكنة، وبين نضال الأميركيين السود، المستلهم من أفكار مارتن لوثر كينغ الابن، من أجل تحقيق العدالة الاجتماعية والاقتصادية في الولايات المتحدة. يعرض لنا المؤلف كيف أن تشافيز زار نيويورك في سبتمبر 2006، وتوجّه إلى هارلم، وخطب في معهد كوبر يونيون، ليصبح أول رئيس أجنبي يخطب في القاعة التي خطب فيها ثمانية رؤساء أميركيين، من بينهم لينكولن، إذ إن أفعاله ولّدت الكثير من العداوة في الداخل والخارج على حد سواء، وأعداؤه يرونه تجسيداً لمعلمه فيدل كاسترو في كوبا، مع وجود فوارق كبيرة بينهما، وليس محبوباً من العالم كله. كان تشافيز مكروها من قبل معظم الطبقة الثرية في فنزويلا والنخب المتنفذة الأخرى التي اعتادت السيطرة على فنزويلا، وكانت أيضاً إدارة بوش المتحالفة مع النخبة الثرية في فنزويلا التي شجعت وبشكل علني على إسقاطه. الكتاب: هوغو ـ قصة هوغو تشافيز من الكوخ الطيني إلى الثورة المستمرة المؤلف: بارت جونز ترجمة: بسام شيحا وأمين الأيوبي الناشر: الدار العربية للعلوم ـ ناشرون، بيروت
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©