الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الأمراض الوبائية.. التهديد الحقيقي لأمننا الوطني

30 مارس 2017 01:03
في هذا الوقت الذي تقترح فيه إدارة ترامب زيادة كبيرة في الإنفاق العسكري من أجل تعزيز وتحصين أمننا الوطني، يبدو أنها أغفلت أكبر خطر حقيقي يهدد أمننا ويتعلق بضرورة إعلان الحرب ضد الأمراض الوبائية القاتلة هذه المرة. ولقد أنفقنا على جيشنا بأكثر مما أنفقت أي دولة أخرى في العالم. ومن أجل المساعدة على تأمين الزيادة المقترحة في الميزانية الدفاعية، يريد ترامب الاقتطاع من الصناديق المخصصة لتنفيذ العديد من البرامج الفيدرالية، بما فيها تلك التي تتعلق بقدرتنا على مكافحة الميكروبات والفيروسات، والتي تمثل العدو الأكثر فتكاً الذي يقف لنا بالمرصاد. ونحن نرى أن هذا بالضبط هو الميدان الذي ينبغي أن نزيد «إنفاقنا الدفاعي» فيه بشكل كبير. وستقتطع ميزانية ترامب نسبة 18 في المئة من صندوق تمويل المعاهد الوطنية للصحة العمومية. كما ستقتطع من ميزانيتي وزارة الخارجية والوكالة الأميركية للتنمية الدولية بنسبة 28 في المئة، وهي صناديق مهمة لمنع انتشار الأوبئة قبل أن تصل إلى شواطئنا. كما أن إلغاء «قانون الرعاية الصحية الميسرة» أو ما يعرف باسم «أوباماكير»، سيؤدي أيضاً إلى إلغاء «صندوق الوقاية والصحة العمومية» الذي تبلغ مخصصاته ما يزيد على مليار دولار، وهو يهتم بتمويل المراكز المتخصصة بمكافحة تفشّي الأمراض الوبائية والوقاية منها. ولا شك أن هذه الاقتطاعات لن تساهم في حماية المواطنين الأميركيين، بل إنها ستعطل بحوث استنباط وتطوير اللقاحات، وتخفض من قدرتنا على مواجهة الأمراض الوبائية ذات القدرة المتزايدة على مقاومة تأثير المضادات الحيوية. وقد رأينا العام الماضي كيف سجلت هذه الوكالات المهمة قصوراً كبيراً في الأداء عندما ظهر مدى ضعفها في مقاومة الأخطار الكامنة في انتشار فيروس «زيكا». فما الذي يمكن لهذه الوكالات أن تفعله لو تحول الوباء إلى جائحة؟ وبعد أن بلغ عدد سكان كوكب الأرض 7,4 مليار نسمة، و20 مليار دجاجة، فضلاً عن بقية المخلوقات الأخرى القابلة أكثر من غيرها لنقل الفيروسات الخطيرة، وعلى رأسها أكثر من 400 مليون خنزير، وكلها تتشارك العيش على هذا الكوكب، فقد خلقنا بذلك «السيناريو الأمثل» لازدهار ونشر الميكروبات والفيروسات الخطيرة. وساهمت أيضاً النشاطات التجارية وتزايد الحاجة إلى السفر في ربط معظم التجمعات البشرية في العالم بعضها ببعض، ولم تعد تفصل بين سكان قارات متباعدة إلا بضع ساعات. كما أن أعداد السكان في الأحياء الفقيرة للمدن الكبرى، تتزايد أيضاً بشكل كبير في الدول النامية. وتشير إحصائيات إلى أن «الأنفلونزا الإسبانية» قتلت من البشر بين عامي 1918 و1919 أكثر مما قتل منهم في كل الحروب التي شهدها القرن العشرون. واليوم، يمكن لجائحة الأنفلونزا أن تكون أكثر قدرة على القتل من القنبلة الذرية. ونحن نشهد الآن بالفعل انتشار الأنفلونزا في صفوف الطيور، وأشهرها الفيروس المعروف باسم «أنفلونزا الطيور» الذي انتشر في الصين، ويمكنه أن يشكل مصدراً لجائحة خطيرة مقبلة قد تحلّ بالبشر. ومنذ بداية شهر أكتوبر الماضي وحتى الآن، تم تسجيل إصابة 500 إنسان به، مات منهم 34 في المئة. ومعظم المصابين كان لهم اتصال بمزارع الدواجن الموبوءة، واتضح بعد ذلك أن ثلاث سلالات من الفيروس كان يتم تناقلها من شخص إلى آخر. والسؤال المهم هنا: هل يمكن لفيروس «أنفلونزا الطيور» أن يتحوّل وراثياً بحث ينتقل بسهولة بين البشر؟ والجواب هو أننا لا ندري. إلا أن ما نعرفه هو أنه ما لم نعمل على توفير مخزون كافٍ من اللقاحات فلن نكون مستعدين لوقف انتشاره. وهناك أيضاً مشكلة تزايد انتشار الجراثيم المقاومة للمضادات الحيوية. وخلال العام الماضي، توقع تقرير نشرته دورية طبية أن تقتل الجراثيم المقاومة للمضادات من البشر عام 2050 بأكثر مما يقتل السرطان والسكري معاً. وقد أصبح وباء «الحمى الصفراء» الذي ينقله نوع من البعوض، يقتل 50 في المئة من المصابين به. وهو الآن على وشك الانتشار من جديد في بعض المدن البرازيلية الكبرى، فيما لا تزال «متلازمة الشرق الأوسط التنفسية» MERS تصيب بعض السكان في شبه الجزيرة العربية. وإذا لم يتم استنباط وتطوير اللقاح الفعّال المضاد لهذا الوباء، فسينتشر في العالم ليتحول إلى جائحة قاتلة كتلك التي شهدها «مركز سامسونج الطبي» في سيؤول الذي أغلق أبوابه بسببها أمام المرضى لأسابيع عدة. ويمكن أن تشهد مراكز أخرى انتشاراً فيروسياً مشابهاً في عيادة «مايو كلينيك» الشهيرة في الولايات المتحدة أو مستشفى «جون هوبكنز». والآن، وبعد ثلاث سنوات من أزمة انتشار وباء «إيبولا» عام 2014، نحن لا نمتلك لقاحاً مرخّصاً أو خطة واضحة لمواجهة حالة انتشار جديدة للوباء. ونشير أخيراً إلى خطر الأمراض التي قد ينشرها الإرهابيون. ولقد بادر بيل جيتس الذي سخّر معظم ثروته المالية وقدراته الفكرية الفذّة لقضية الصحة العمومية، إلى كتابة مقال في دورية «نيو إنجلاند الطبية» عام 2015 قال فيه: «من بين الأسباب التي يمكنها أن تقتل أكثر من 10 ملايين إنسان دفعة واحدة حول العالم، هناك الوباء الذي ينتشر بشكل طبيعي أو عن طريق الإرهاب البيولوجي». * طبيب أمراض جلدية ومدير «مركز بحوث ودراسات الأمراض الوبائية» في جامعة مينيسوتا ** منتج ومخرج أفلام وثائقية ينشر بترتيب خاص مع خدمة «نيويورك تايمز»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©