الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

محمد اليماحي: حياتي البدائية منحتني الصحة وهدوء البال

محمد اليماحي: حياتي البدائية منحتني الصحة وهدوء البال
23 فبراير 2013 11:49
يعيش المواطن محمد اليماحي، البالغ من العمر 70 عاما، فوق رؤوس الجبال في منطقة «الميه»، التابعة لمنطقة الطويين بالفجيرة، من دون كهرباء ولا ماء، كما إنه لا يقتني جهاز تلفاز، ولا يستخدم الهاتف المتحرك إلا قليلا بسبب عدم وصول الإرسال إلى المنطقة الجبلية التي يسكن بها. ويصر على اعتزال مفردات العصرية، وقد اختار العودة إلى الحياة البرية بكل نقائها وتعبها حيث يكسب قوته من بيع الحطب والعسل. السيد حسن (الفجيرة) - تكاد تكون حياة المواطن محمد اليماحي حياة بدائية من الطراز الأول، حيث يعتمد على زراعة القمح والشعير وبعض الخضراوات ورعي الحيوانات، ويقوم بعملية التحطيب لكسب بعض المال للإنفاق على نفسه وزوجته وهما يعيشان وحيدان في جبال منطقة «الميه»، التي تقع على بعد 100 كيلومتر من مدينة الفجيرة، وعلى بعد 40 كيلومترا من مدينة دبا. البرنامج اليومي لا يمكن الوصول إلى الميه إلا عن طريق واحد فقط هو طريق الطويين، والذي يبلغ طوله 14 كيلومترا عبر طرق متعرجة غير معبدة تهبط بك وترتفع عشرات المرات حتى تصل إلى المنطقة الجبلية التي يتخللها وديان فسيحة ومزارع وبعض من برك المياه مثل بركة منطقة الميه، التي يعتمد عليها الساكن الوحيد اليماحي في الشرب هو وزوجته. كانت الساعة تشير إلى الثانية عشرة ظهرا عند وصولنا إلى المكان حيث كنا نظن أن اليماحي يرقد في مكانه وسوف نتحدث معه وهو جالس أو نائم بحكم سنه الكبير؛ فإذا بنا نجد رجلا نشطا يتحرك هنا وهناك، يقطع الحطب بآلته الحادة وبضربات قوية، وينقل المياه. وعن سر نشاطه وتلك الحركة الدؤوبة التي يتمتع بها قال «لأنني أعيش هنا حياة بدائية ولا أستخدم مفردات العصر، كما إنني لا آكل إلا من صنع يدي وإنتاج مزرعتي، وأنام في الثامنة عقب صلاة العشاء، وأصحو في الرابعة للصلاة، ومن ثم البحث عن الرزق من هنا جاءت الصحة وهدوء البال». وحول برنامجه اليومي، قال اليماحي «لي برنامج يومي أنفذه عن طيب خاطر وأنا مستريح ولا أفكر في أي شيء من منغصات العصر التي نسمع عنها، حيث أنام مبكرا في حدود الساعة الثامنة، ثم أصحو ما بين الثالثة والرابعة حيث أصلي الفجر وأحمل حبالي وأذهب إلى الوادي لأجمع الحطب يوميا ثم أحمله على ظهري إلى البيت المتواضع الذي أعيش فيه أنا وزوجتي، حيث تقوم هي الأخرى بأعمال البيت حيث ترعى الأغنام وتحلبها وتعد الطعام لحين عودتي». وعن مصدر رزقه، أوضح «أقوم ببيع الحطب بعد تجميع كمية كبيرة منه، إذ أرسلها مع أحد أبنائي إلى أسواق دبا أو رأس الخيمة حيث تباع». وجميع أبناء اليماحي يعيشون في بيت منحهم إياه المغفور له بإذن الله الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان طيب الله ثراه، وله زوجة ثانية تعيش فيه مع أولادها، في حين يعيش هو في الميه مع زوجة أخرى تعينه على الحياة وتؤنس وحدته. بركة «الميه» عن كيفية إقامته في الميه، أوضح اليماحي «كانت هنا في منطقة الميه الجبلية تعيش الكثير من القبائل وعندما جاءت المدنية، وازدهرت الحياة فنزحوا من الجبل إلى منطقة الطويين أسفل الجبل وعاشوا جميعا هناك وأسرتي من بين هؤلاء الذين فضلوا العيش في الطويين». وقال «أنا سعيد جدا بالحياة في الميه حيث أشرب المياه الصافية من بركة الميه، التي تتجمع فيها مياه الأمطار من جميع الجبال المحيطة وتكون معينا لي في فصل الصيف، كما أشرب حليب الأغنام الطازج، وآكل التمر واللحوم التي تنتجها مزرعتي وجميع ما آكله من صنع يد زوجتي». وتابع «لا أحب الحياة المدنية لذلك فأنا لا أتابع الأخبار، ولا أقتني تلفازا لأن الكهرباء لم تصل إلي بيتي بعد كما لا أحب الهواتف فقط كل ما أريده في تلك الحياة هو البقاء هنا على رأس هذا الجبل أعمل وأسبح الله وأحمده على ما أعطانا من فضل ونعمه وعلى ما رزقنا من حكام أعطونا فأحسنوا العطاء ومنحوا فكان المنح جزيلا وسخيا، وقد ظهر ذلك جليا على أبنائي وأحفادي حيث بدا الخير يتجلى في حياتهم وبيوتهم ونحمد الله على ذلك الفضل الكبير». وعن تمتعه بصحة جيدة، قال «حياتي بدائية لذا فأنا أتمتع بصحة جيدة جدا، ولا أقوم بقضاء أشيائي إلا هرولة أو جريا ونحمد الله على ذلك ويكفي أن أقول إنني لم أدخل المكيفات إلى بيتي ولذا فإنني بصحة جيدة واشعر أنني أفضل من أقراني الذين هبطوا إلى الوادي حيث توجد البيوت الفسيحة والفخمة وتوجد الكهرباء والمياه والحياة المتحضرة، كما يوجد التلفاز الذي يعد في حد ذاته كارثة لأنه يدعو للسهر ويبعدك عن النوم في ميعادك المحدد ومن ثم الاستيقاظ فجرا لأداء الصلاة والبحث عن الرزق». أقراص الخبز قال اليماحي «من الأشياء التي أقوم بصناعتها يوميا بعد أن أصحو من النوم صناعة أقراص الخبز حيث أصلي الفجر ثم أقوم بصناعة قرص من الخبز لي ولزوجتي، ثم أشرب القهوة وأنزل من الجبل صوب الوادي للبحث عن الحطب». وحول صناعة الخبز، أوضح «هي عملية بسيطة لكن تحتاج إلى تدريب ومهارة، وهو يصنع من القمح وسمن الأغنام وبعض من البهارات ليخرج القرص كما ولو كان قد صنع من أشياء أخرى عديدة ويبدو ذلك من حالة السماكة التي بدا عليها بعد أن نضج ولونه المتلألئ ولكن هذا كله يعود إلى فضل الله والى حالة البركة التي يطرحها في مأكلنا ومشربنا ومسكننا». وعن بيته القديم، قال «هو عريش أكثر منه بيتا ولا يعرف الحداثة أو لا يقارن بالبيوت الموجودة في الوادي أو الطويين وقد ورثت هذا البيت العتيق جدا من أجدادي وقد يعود إلى جدي الرابع أو الخامس وربما يكون مضى عليه أكثر من 250 عاما، وهو على هذا الحال لم يتأثر بعواصف أو رياح أو الطقس المتبدل والمتغير بل كما تراه يقف مشرقا وقد قمت بطلائه مؤخرا باللون الأبيض». ويتكون البيت من طين وحصى وسعف النخيل وهو معروش، ولا توجد به أي قطع من الإسمنت وجميع المواد الداخلة في تركيبه مأخوذة من البيئة المحلية. وأكد «لم أشعر خلال حياتي الطويلة في هذا البيت بحرارة جو أو رطوبة صيف، وإنما كان هذا البيت دائما هو الملجأ الوحيد لي خلال فصلي الصيف والشتاء حيث يكون باردا في الشتاء ومناسبا في الصيف، حيث تختفي الرطوبة في منطقة الميه الجبلية أثناء فصل الصيف بعكس الطويين التي يهرب منها الناس في الصيف إلى قمم الجبال هنا». متحف صغير يحتفظ السبعيني محمد اليماحي بعدد من الأواني القديمة التي كانت تستخدم في منطقة الميه من عهد الأجداد القدامى، كما يحتفظ بكميات قليلة من التمر المجفف داخل آنية من فخارية كبيرة قال إن تاريخها يعود إلى قبل 100 سنة، وقد ورثها عن أبيه في ذات الإناء الفخاري الذي لم يتغير منذ ذاك العهد. كما يحتفظ بقطع كبيرة من الملح التي كانت تستخدم قبل 100 عام تقريبا والكثير من الأدوات الأخرى، التي أقام لها اليماحي متحفا متواضعا لها في جانب من غرفة بدائية قديمة تنبض بالحياة والدف والرزق الوفير. رحلات البيع عن الحياة في الماضي، يقول محمد اليماحي «قبل 50 عاما كنا نركب الماشية وخصوصا الحمير لنتنقل إلى رأس الخيمة ودبا لبيع العسل والحطب وبعض من المواد الغذائية والسمن والهوش وغيرها حيث كانت تستغرق الرحلة إلى رأس الخيمة ثلاثة أيام تقريبا، وكنا نأخذ معنا كيسا من القماش نضع فيه كمية قليلة من التمر، وبعضا من ماء ونلفه حول رقابنا ليتدلى خلف الظهر، وكنا نأكل منه طيلة أيام الرحلة ولا يوجد غيره، وكنا نبيع العسل في فصل الصيف بينما يكثر بيع الحطب والمواد الغذائية في فصل الشتاء».
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©