عدد اليوم
يجلس علي وسط المسافرين في المحطة الثانية مع عربة مليئة بالحقائب، إلا أنه لن يستقل الطائرة فهو مقيم هنا في مطار رواسي الباريسي شأنه في ذلك شان مائة تقريبا من المشردين الآخرين.
في أروقة هذا المطار وهو الثاني في أوروبا مع أكثر من 63 مليون مسافر سنويا، يتجنب هؤلاء النظرات ويختلطون بجموع المسافرين، فيكاد المرء لا يتنبه لوجودهم.
علي الذي يقول إن عمره 52 عاما لا يذكر كيف انتهى به المطاف في المحطة الثانية من المطار التي يقيم فيها منذ اكثر من سنتين. وهو يروي مبتسما كيف يمضي أيامه بين القراءة والصلاة.
ويوضح الرجل الذي يقول أنه فرنسي مولود في الهند «لا أنام كثيرا فالمقاعد ليست مريحة إلا إن بالي مرتاح هنا». في العربة التي تلازمه كظله، كدسة من الحقائب والاكياس القديمة فيها مزيج من جياته الماضية وأشياء عثر عليها في المطار.
فمطار رواسي شارل ديغول يقع في نهاية خط قطارات في الضاحية على بعد حوالى 30 كيلومترا من باريس وهو ملتقى للكثير من المشردين شأنه في ذلك شأن أماكن عامة أخرى. إلا أنه تتوافر فيه التدفئة في كل الطوابق فضلا عن مراحيض وحمامات إضافة إلى سخاء بعض المسافرين والمتاجر الصغيرة.
انطوني بورت منسق فرق الصليب الأحمر النقالة في رواسي يعرف كل زوايا المطار الذي يجوب في أرجائه صبحا ومساء لرصد المشردين ومساعدتهم وتوجيههم تدريجا ليندمجوا مجددا في المجتمع.
ويقول «نلتقي شهريا بين 110 و120 شخصا ونحاول أن نقيم علاقة ثقة معهم. كل واحد منهم لديه قصته المختلفة. فثمة رجال بمفردهم مسنون نسبيا ونساء معزولات يشعرن بأمان أكبر هنا مقارنة بالشارع وأجانب يحطون هنا ولا يغادرون بعد ذلك».
في قاعة صغيرة فيها رطوبة عالية في الطابق السفلي، اعاد باتريس (44 عاما) تشكيل ما يشبه المنزل مع مجموعة من المواد الغذائية وقناني المياه وقوارير الشامبو ومايكرويف فضلا عن جهاز تدفئة صغير.
ويقول الرجل منتعلا خفين «كميات هائلة من الأشياء ترمى في المطارات»، مشيرا إلى كدسة من المجلات فضلا عن كبد إلاوز المسمن وغيرها من المأكولات التي عثر عليها في سلال المهملات.
وتدرك شركة «مطارات باريس» (آ دي بي) هذه «المشكلة الإنسانية» التي يمكن أن تسيء إلى سمعة هذا المطار الدولي الكبير لذا تتعاون منذ سنوات مع جمعيات تساعد هؤلاء المشردين. في العام 2011 قررت إغلاق المطار بين منتصف الليل والساعة الرابعة صباحا في اجراء امني.
