الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الإماراتية.. إنجازات نوعيّة ولها المستقبل كلّه

الإماراتية.. إنجازات نوعيّة ولها المستقبل كلّه
29 مارس 2017 21:38
أصبحت المرأة الإماراتية في ظل دولة الاتحاد شريكاً فاعلاً في التنمية وصانعة للقرار أو شريكاً في صناعته، وبعد أن تقلدت أرفع المناصب الفنية والعلمية والإدارية، فإن من الظلم لها وللمجتمع والتنمية أن يقتصر الحديث على حصولها على حق التعليم والمعرفة وحق العمل، فتلك الحقوق أصبحت حقوقاً أساسية تجاوزتها المرأة ولم تعد تميزها في هذه المرحلة، ويجب أن نتجاوز عند تناولنا دور المرأة أنها حصلت على تلك الحقوق الأساسية التي أصبحت أساسية كالطعام والشراب، ولا ينبغي أن يقف حديثنا عند تناولنا لدور المرأة عند مؤشرات رقمية كعدد الدارسات وعدد الخريجات وعدد الموظفات أو نسبتهن، وإنما يجب تناول دور المرأة الإبداعي والابتكاري والعلمي والعملي لنؤكد حقيقة ما وصلت إليه المرأة الإماراتية. في تناولنا لموضوع المرأة والتنمية أو دور المرأة في التنمية، ينبغي أن نؤكد المؤشرات النوعية والدور الاستثنائي للمرأة الإماراتية في تميزها وقدرتها على الإدارة والقيادة، ثم الابتكار والإبداع العلمي باعتبار ذلك يعني مؤشرات حقيقية للتنمية البشرية في دولة الإمارات، وتأكيد فعلي على تفوق المرأة الإماراتية التي أصبحت حاضرة في مختلف الساحات والميادين. فقد انخرطت في ميادين مختلفة وتفوقت، ثم انخرطت في ميدان الإبداع الأدبي والمسرحي، والشعري، والتشكيلي، وهي ميادين لم تكن حاضرة فيها، سابقاً، كما هو الحال الآن. وها هي تتقدم الصفوف لتصبح الوزيرة والوكيلة والسفيرة، المديرة والطبيبة والمهندسة، المدرسة والنائبة، أستاذة الجامعة والموجهة، والشرطية، تعمل دون كلل أو ملل... لكن وراء ذلك كله تراكم تاريخي من العمل والعطاء ينبغي الالتفات إليه، عمل ومشاركة بدأت منذ ما قبل عصر النفط. لم تكن المرأة قط عنصراً مهمشاً كما يحلو للبعض أن يرسمها، ومن هنا فإننا مطالبون اليوم ككتاب ومؤسسات أن نغّير من الصورة النمطية التي ينظر من خلالها العالم للمرأة الخليجية عامة والإماراتية خاصة، وأن نؤكد أهمية أن تعمل مؤسساتنا العلمية والإعلامية والاجتماعية والثقافية على تقديم المرأة بصورتها الحقيقية، وبدورها المحوري، وعبر مراحل مختلفة من عمر دولتنا، لنميط اللثام عن حقيقة هذا الدور، ونؤكد أن ما وصلت إليه المرأة الإماراتية اليوم إنما هو أمر طبيعي في ظل تراكم السنين وعطائها السخي الذي بدأ مع نساء الزمن القديم، نساء ما قبل النفط، نساء الجبل والساحل والريف والصحراء اللواتي غرسنَ فأينع غرسهنَّ. المرأة قبل النفط لعبت المرأة الإماراتية دوراً مهماً وحيوياً في المجتمع الاقتصادي في الفترة التي سبقت الطفرة النفطية وقيام الدولة في الثاني من ديسمبر عام 1971م، لا سيما في ظل غياب الزوج أو رب الأسرة لشهور طويلة في رحلات الغوص، ثم سفره الطويل بقصد التجارة أو العمل في عدد من مدن ومناطق الخليج؛ فبالإضافة إلى مسؤولياتها الأسرية من خلال تربية الأبناء ورعايتهم وتوفير الطعام لهم فإنها تقوم بصناعات وحرف تغطي جزءاً مهماً من احتياجات المجتمع، فهي تزرع وتحصد في المجتمع الريفي الزراعي، وترعى وتربي الدجاج والدواجن والماشية في المجتمع الصحراوي البدوي، وهي تصنع الألبان وترعى الأغنام وتزرع القمح وتحصده في المجتمع الجبلي، ثم تحيك الملابس وتحلب البقر وتربي الدواجن وتخبز وتطحن في المجتمع البحري الساحلي، إنها شريك حقيقي في العملية الإنتاجية وفي توفير احتياجات المجتمع وتغطية التزامات الأسرة، وخلاف ذلك فهي صانعة للأجيال من الطاقات المواطنة والقيادات السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي أصبحت قاطرة التنمية وعناصر التقدم والازدهار في دولة الاتحاد. لم تمنع عادات المجتمع وتقاليده المرأة، قديماً، من ممارسة دورها في المساهمة الاقتصادية بما في ذلك نزولها إلى السوق لتعرض منتجاتها وتبيعها، ومن الأسواق الشهيرة في ذلك الوقت سوق (الحريم) الذي عرف في خمسينيات القرن الماضي، وعندما تأتي ساعة الظهيرة كانت تشتري احتياجات أسرتها لتعود إلى منزلها وتقوم بدورها كزوجة وأم. وقد تميزت مشاركة المرأة قبل النفط بمردودها الاقتصادي الذي ساهم في زيادة مدخرات الأسرة، حيث كانت تقوم بعدد من الصناعات التقليدية واليدوية ومنها: الصناعات الغذائية والاستهلاكية، وصناعة بيوت الشعر والخيام، وصناعة البُسط والسجاد، وصناعة الغزل والنسيج والحياكة، والصناعات السعفية (تعتمد على سعف النخيل الخوص)، وصناعة الأدوية الشعبية، وصناعة العطور والبخور المحلية، وأخيراً الحناء. المرأة نتاج بيئتها يقال إن الإنسان وليد بيئته يتأثر بالمكونات والمؤثرات الطبيعية التي تحيط به. والمرأة كانت وليدة بيئتها، حيث رسمت مفردات كل بيئة مصير المرأة وثقافتها وعاداتها وأنماط سلوكها وأدوارها. لقد اختلفت أدوار المرأة باختلاف البيئة، لكن المتفق عليه أنها تحملت المسؤولية بجدارة في غياب الرجل، وأن رحلة الكفاح التي عاشتها قديماً، والتي وجدت كل تقدير واحترام من المجتمع، هي التي مكنت حفيداتها من المساهمة في بناء المجتمع الإماراتي الحديث. ويمكننا تحديد سمات المرأة من حيث طبيعتها وأدوارها وشخصياتها وفقاً للبيئة التي تنتمي لها في عصر ما قبل النفط على النحو التالي: أولاً: المرأة في البيئة الجبلية (المرأة الحبسية والشحية) وتتميز المرأة في مجتمع الجبل بقوة شخصيتها وشدة بأسها وخشونة طبعها، وهي تحظى دوماً بثقة زوجها ورجال عائلتها واحترام الرجال لها؛ فهي تقوم بذبح الشاة وسلخها وتقطيعها، وعجن الطحين وتحضير الخبز المسمى (السفاع) وهو خبز التنور، وجمع العسل من شجر السمر لتتناوله الأسرة أو لبيعه في السوق، وتقطيع شجر السمر والاحتطاب للغرض نفسه. وكانت تقوم برعي الأغنام ومن حليبها تصنع الجبن الجبلي للاستخدام أو للبيع، وبزراعة القمح (البر) في أعالي الجبال وسفوحها، وتكوين البرك في فصل الشتاء لتجميع المياه لاستخدامها المنزلي، ثم حصد القمح ليكون الغذاء صيفاً. وحينما يغيب الزوج فإنها تقوم باستقبال الضيوف، حتى لو كانوا رجالاً، وتقديم واجبات الضيافة لهم لحين عودة الرجل (الزوج أو الأب أو الأخ)، فضلاً عن المشاركة في المناسبات الاجتماعية. المرأة البدوية «أخت الرجال» هكذا كان يطلق على المرأة البدوية، وتعكس العبارة ثقة المجتمع البدوي في المرأة أخلاقاً وقدرة على تحمل مسؤوليتها الأسرية في مجتمع بدوي صحراوي، كان يفتقر إلى الكثير من الاحتياجات الضرورية، وكانت المرأة تشاطر الرجل مواجهة كل هذه التحديات وتحمل تلك الأعباء: توفير الشراب والطعام لأبنائها، جلب الماء من العيون والآبار، رعي الغنم والماعز والإبل، وكانت في الوقت ذاته تحمل السلاح لحماية منزلها وأسرتها وحلال زوجها من قطاع الطرق، وتمتطي الإبل وهي صغيرة أو كبيرة وتنتقل بها مع الأسرة. في المنزل كانت المرأة خلية إنتاج، حيث تقوم بتجهيز مختلف المنتجات من الألبان، والسمن البلدي والقشطة (الجامي) والتمر والحطب والفحم، وكانت تبيع الفائض عن الحاجة لتجار الأقمشة المتنقلين الذين يجوبون مناطق البدو. لم يكن مسموحاً للمرأة البدوية النزول إلى الأسواق لبيع المنتجات وكان الرجل يقوم بذلك. وتعرف المرأة البدوية بوفائها المطلق لزوجها والمحافظة على قيم المجتمع وسلوكياته، وكانت تغرس في أبنائها القيم والأخلاق وحسن التربية، وتعلم بناتها على تحمل المسؤولية، وتهيئهن لمرحلة الزواج في سن مبكرة تتراوح بين الثالثة عشرة والخامسة عشرة سنة، حتى إذا أصبحت الفتاة في سن الزواج تنتقل إلى منزل الزوجية وهي مدركة لواجباتها عارفة لمهامها. وكان للمرأة الحق في طلب الطلاق إذا وجدت في منزل زوجها ما يمس كرامتها أو ينتقص من حريتها، وإذا وجدت في الزوج غير الذي تنتظره. كانت المرأة البدوية في الفترة التي سبقت الطفرة النفطية، بسيطة في ملابسها، حتى حينما تتزوج فإن مهرها لا يتجاوز عدداً بسيطاً من رؤوس الإبل والغنم، وإذا كان المهر نقداً فإنه لا يتجاوز حفنة من الروبيات الهندية، ويتم تجهيز العروس بعدد من الأثواب لا يتجاوز الأربعة، وقليل من النساء كن يملكن حلياً من الذهب التي تجلب من البحرين أو الهند، وكانت تحيك ملابسها وملابس زوجها وأبنائها وحتى بعض أقاربها بيدها، وكانت ترتدي البرقع حشمة وحماية، ولم تكن زينتها سوى (الورس) والنيل والعطور «المخمرية» ودهن العود، وتستخدم لعينيها كحل «الأثمد»، والحناء لتخضيب يديها. المرأة الريفية لم يقتصر دور المرأة الريفية على القيام بواجباتها المنزلية وإنما تجاوز هذا الدور لتسهم مع الرجل ومساعدته لتحسين دخل الأسرة، فكانت تساعد زوجها في جني المحاصيل الزراعية بجانب قيامها بالصناعات اليدوية والحرفية، وكانت ماهرة في التجارة أيضاً، حيث تخرج إلى الأسواق القريبة لتعرض وتبيع بعضاً من المنتجات الزراعية، وكانت تأتي بالماء من الآبار الارتوازية (الطوي) البعيدة عن بيتها وتحمله فوق رأسها دون كلل أو ملل. المرأة الريفية كانت بارعة في مهنة خياطة وحياكة الملابس سواء النسائية منها أو الرجالية وغيرها من الأعمال المختلفة الخاصة بالنساء، وكل ذلك ليس بغريب على المرأة التي كانت سنداً لزوجها في كل جوانب الحياة. المرأة الساحلية (الحضرية) لم تكن مسؤوليات المرأة في هذه البيئة مختلفة عن مسؤوليات المرأة في بقية البيئات من حيث الواجبات الأسرية، لكن الاختلاف كان يخص طبيعة دورها، فعادات المجتمع الساحلي وتقاليده أكثر تقييداً في خروج المرأة لقضاء حاجة الأسرة في الخارج أو النزول إلى السوق، وبالتالي انحصرت مسؤولية المرأة في محيط المنزل. كانت المرأة تتحمل مسؤولية إدارة شؤون الأسرة كاملة ولا سيما في غياب الزوج، وتربية الأبناء وبناء منظومتهم الأخلاقية. لم يكن لديها خدم لذلك كانت تقوم بالأعباء المنزلية بمساعدة البنات؛ طبخ الطعام، حلب البقر، رعاية الدواجن والماشية، خياطة وحياكة الملابس وتنظيف المنزل، وساحته (الحوي) أو (الحوش) يومياً، غسل الملابس ونشرها، سقي النخلة أو السدرة أو شجرة اللوز التي تتوسط فناء المنزل، وبعض النساء يتخصصن بحياكة الملابس نظير أتعاب محددة، تصنيع (قرض) البراقع وبيعها، إنتاج بعض الأطعمة وبيعها كالمخللات (الآجار)، ولم يختلف دور المرأة في هذه البيئة عند توقف رحلات الغوص وتوجه الرجال للعمل في مناطق أخرى في الخليج العربي، حيث استمرت المرأة في القيام بمسؤولياتها صابرة، مؤمنة، راضية، قائمة بمسؤولياتها ودورها بنفس راضية. هكذا يتضح لنا أن المرأة في الإمارات لم تكن متخلفة قط عن دورها التنموي، فقد كانت شريكاً حقيقياً للرجل في مختلف محطات التنمية ومراحلها التي سبقت الطفرة النفطية أو في مرحلة البناء وإعادة تأهيل المجتمع.. هي صانعة الأجيال ماضياً وحاضراً، وهي مديرة المنزل وربة الأسرة، والعاملة، والمنتجة، والمربية، والمعلمة، إنها كتيبة متكاملة في إدارة بيتها وصناعتها للأجيال. المرأة والتنمية: شراكة كاملة لم تتخلّ المرأة عن دورها التنموي مع تأسيس الاتحاد، بل استمرت كشريكة أساسية للرجل في العلم والعمل، لا سيما أن دستور الدولة لم يُميز بينها وبين الرجل سواء في الحقوق الاجتماعية أو الاقتصادية، حيث انخرطت بالمدرسة والجامعة بحثاً عن ذاتها لتنهل من العلوم الحديثة لتصبح ركيزة أساسية في التنمية البشرية، ثم تنخرط في ميدان العمل لتصبح منافسة للرجل في مختلف ميادين العمل تساهم معه في بناء حاضر الدولة، وصياغة المستقبل، بل إنها تفوقت عليه في بعض الأحيان سواء في ميدان العلم، أو ميادين العمل، ولم يقف طموحها عند هذا الحد، بل دخلت سوق العمل الحر لتكون سيدة أعمال في ظل الدعم اللامحدود من قبل القيادة الرشيدة في الدولة، وفي ضوء الثقة الكبيرة من أسرتها والدعم اللامحدود من زوجها أو والدها أو أخيها، وفي ضوء ثقة المجتمع في قدراتها وإمكاناتها. وفي ضوء التراكم العلمي والثقافي لدى المرأة وفي ظل تنمية قدراتها الذاتية وثقة القيادة السياسية فيها، فإنه من الطبيعي أن تتبوأ مكانة أكبر بتقلدها مناصب قيادية في أجهزتنا التنفيذية المحلية والاتحادية كطبيبة ومهندسة ومعلمة ومناصب قيادية إدارية وفنية بالقطاع الخاص، ومنه القطاع المصرفي والمالي بالدولة، ومناصب علمية كأستاذه جامعية ومدرسة تربي الأجيال وتصنع المستقبل. وهذا التبدل في أدوارها فرضته طبيعة التحولات والمتغيرات التي شهدتها الإمارات ومن ثم الدولة في مراحلها المختلفة، لتؤكد المرأة أنها، بما تمتلكه من وعي وإدراك وحس وطني وطاقة إبداعية، قادرة على أن تكون شريكاً فاعلاً وحقيقياً في مسيرة البناء والتنمية وأهلاً للمسؤولية على مر الزمان. وتؤكد المؤشرات النوعية على الدور الاستثنائي للمرأة الإماراتية في تميزها وقدرتها على الإدارة والقيادة، ثم الابتكار والإبداع العلمي، ولعل تبوؤ معالي الشيخة لبنى القاسمي المركز الأول بين النساء العربيات والمرتبة (70) ضمن الـ100 امرأة الأكثر نفوذاً في العالم، وفقاً لما جاء في مجلة (فوربز) ما يؤكد بالفعل تفوق المرأة الإماراتية في مختلف الساحات والميادين التي تميزت فيها وتفوقت فيها على نساء عربيات وعلى الرجال في بعض الأحيان. إن المرأة الإماراتية وعبر تاريخها كانت رقماً مهماً وحاضرة دوماً في التنمية ولم تكن قط عنصراً مهمشاً كما يحلو للبعض أن يرسمها، كما أنها لم تكن بمنأى عن منظومة البذل والعطاء، بل كانت دوماً رمزاً للتضحية والعطاء، أما مستقبل المرأة في الإمارات، فيعد بالكثير من الإنجازات والمكتسبات في ظل الدعم السياسي والاقتصادي والإعلامي والثقافي الذي تحظى به المرأة، ثم في ظل الانفتاح الكبير على المنظمات الإقليمية والدولية المعنية بشؤون المرأة، وفي ظل وجود قوانين وتشريعات تعزز حضورها وتحقق أهدافها. المرأة والمجتمع المدني إذا كان المجتمع المدني يُعرَّف بأنه مجموعة من المنظمات الحرة، القائمة على العمل التطوعي، والتي تقوم على أساس تحقيق مصالح أفراد المجتمع، فإنه ومع قيام الدولة برز دور المرأة بشكل أكثر وضوحاً، وشكل حضورها أمراً واقعاً من خلال منظمات المجتمع المدني، التي تعرف بالجمعيات ذات النفع العام، وأثبتت أنها عنصر مهم في تقدم المجتمع، وتطور الوطن بعد أن شاركت في تأسيس، وتفعيل دور تلك المنظمات، سعياً منها لخدمة مجتمعها، والمشاركة في صياغة الوعي، وصناعة القرارات، خاصة بعد أن أصبحت القوانين، والتشريعات تخدم أهداف المرأة، وتسندها في شق طريقها نحو تعزيز حضورها في ساحة العمل الميداني، مهنياً وفكرياً، وفنياً وثقافياً، وإبداعياً. وقد أعطى دستور الدولة ولا سيما المادة (14) منه حقوقاً دستورية واسعة للمرأة، منها مساواتها مع الرجل في الحقوق والواجبات، وتحقيق العدالة الاجتماعية لهما دون تمييز أو تفريق، وهكذا انخرطت المرأة في بناء ذاتها، ثم وطنها من خلال مشاركتها في هذه المنظمات، كالجمعيات المهنية: جمعية المهندسين، الاقتصاديين، الحقوقيين، المعلمين، الاجتماعيين، والصحافيين، ثم الجمعيات الإبداعية: جمعية التشكيليين، المسرحيين، اتحاد كتاب وأدباء الإمارات، رابطة الأديبات والمؤسسات الثقافية والإبداعية الأخرى، ثم الجمعيات النسائية والاتحاد النسائي الذي تأسس عام 1975م، ومراكز التنمية الاجتماعية، وهذه الجمعيات النسائية شكلت انطلاقة حقيقية للمرأة نحو تحقيق مكاسب أكبر، والمشاركة الفاعلة في منظمات المجتمع المدني، من خلال حزمة من البرامج، والأنشطة التي أهلت المرأة الإماراتية للعب دورها.. هذا إضافة إلى الجمعيات التطوعية، والإنسانية والخيرية. ولم يقتصر هذا الدور على الجمعيات، وإنما انخرطت في الأندية الرياضية، كأندية الشطرنج، وأندية الفتيات والأندية الرياضية الأخرى التي تمارس من خلالها نشاطها الرياضي، لترفع اسم وطنها في مختلف المحافل الرياضية الإقليمية، والدولية، وبالتالي فإن منظمات المجتمع المدني، أصبحت تمثل ذراعاً حيوية للدولة، وتجد اهتماماً كبيراً من القيادات السياسية بالدولة، باعتبارها منظومة لا غنى للدولة عنها، ثم باعتبارها إحدى دعامات التنمية، وتحقيق الاستقرار الاجتماعي والأمني. إن التطور الاجتماعي والاقتصادي والسياسي، والرغبة الجامحة لدى المرأة في إثبات ذاتها جعلا من مشاركة المرأة الإماراتية، ضرورة يمليها واقع التطور، فضلاً عن الضرورات الوطنية، وحتمية التنمية وحاجة سوق العمل، لطاقات وطنية واعدة، وقادرة على إحداث النقلة النوعية التي ينشدها المجتمع في دولة الإمارات. المرأة والقيادة إن طموح المرأة في تبوؤ مكانتها، والمشاركة في صياغة مستقبل وطنها، ورغبتها في المشاركة في دفة شؤون البلاد، باعتبارها امرأة قيادية، يتطلب سمات أساسية، منها: معنوية، وأخرى مادية، ومن ذلك أن تملك المرأة رؤية واضحة المعالم، ذات أهداف واضحة، وسياسات علمية وواقعية، كما يجب أن يكون لدى المرأة قدرات ذاتية، منها: إمكانية الإقناع، والحضور المؤثر والمتميز (الكاريزما) ثم الحس الوطني، ثم القيم والمبادئ الأخلاقية التي تجعل المجتمع يحترم شخصها، ثم الوعي، والدراية والعلم والمعرفة والثقافة. من ناحية أخرى فإن حصول المرأة على تخصص علمي، يجعلها أكثر قدرة على تحسس طريق القيادة، أما الجدية والإخلاص، والمثابرة فهي عوامل مهمة في سياق سعيها نحو تحقيق أهدافها، كما أن الحضور الإعلامي في الصحف والمجلات والإذاعات والشاشات التلفزيونية يعزز حضورها، وبالتالي تأثيرها في المجتمع، ويجعلها أكثر تأهلاً للمشاركة، أو تولي القيادة في المؤسسات الحكومية، ومؤسسات القطاع الخاص، ثم المؤسسات الأهلية والمجتمعية. وبناء الشخصية القيادية قد يأتي مبكراً ويمر بمراحل متعددة، فهناك مَلَكات تتضح لدى المرأة القيادية عند طفولتها، ويتم صقلها من خلال المدرسة والجامعة والمجتمع، ففي المدرسة تستوجب القيادة على الطالبة المشاركة في أنشطة المدرسة كمرحلة أولية في بناء الشخصية القيادية، وفي الجامعة تبدأ مرحلة جديدة في بناء الشخصية من خلال الدخول في عضوية الجمعيات واللجان والمشاركة في الفعاليات التي تنظمها الجامعة، أما في المجتمع فإن الفرصة مواتية للمرأة في تأكيد حضورها من خلال منظمات المجتمع المدني، والمشاركة في الفعاليات التي تنظمها تلك المنظمات أو غيرها من مؤسسات ثقافية وإعلامية واجتماعية، وكذلك الوزارات والدوائر الحكومية. لقد ساهمت تلك المنظمات في تقديم عقول واعدة، وأفرزت أسماء شكلت حضوراً واضحاً في المجتمع، حيث تقلدت المرأة مناصب قيادية ومجتمعية مؤثرة. وقد تعددت صور القيادة لدى المرأة الإماراتية في ضوء تلك المناخات، والدعم اللامحدود من قبل القيادة السياسية، والتشريعات القانونية، كما تنوعت أدوارها منذ قيام الدولة، ومن صور تلك القيادات، وذلك التنوع في الأدوار بروز: • قيادات سياسية: وزيرة، وكيلة وزارة، سفيرة، عضو مجلس وطني وعضو مجالس استشارية. • قيادات اقتصادية واستثمارية: عضويتها في مجالس غرف التجارة بالدولة، تأسيسها ثم عضويتها في مجالس الأعمال للسيدات، دخولها إلى سوق الأسهم والعقارات، دخولها القطاع المصرفي كمديرة ومودعة وموظفة، مالكة لمشاريع عقارية وشركات تجارية معروفة. • قيادات إبداعية: الأديبة، والشاعرة، والقاضية، والباحثة، والروائية. • قيادات أكاديمية: مدرسة، أستاذة جامعة، مديرة مدرسة، مديرة جامعة، محاضرة. • قيادات ابتكارية وعلمية: كيميائية، جيولوجية، تقنية. • قيادات مهنية: طبية بتخصصات مختلفة، مهندسة بتخصصات متنوعة، قاضية ومحامية ومأذون شرعي، مبتكرة، ممرضة، إدارية حكومية ومصرفية وقطاع خاص. • قيادات إعلامية: إذاعية، صحفية، مقدمة، معدة برامج تلفزيونية. • قيادات فنية: ممثلة مسرحية وتلفزيونية وإذاعية، مؤلفة نصوص مسرحية، مخرجة تلفزيونية، رسامة تشكيلية، مطربة. • قيادات مجتمعية: عضويتها في مختلف الجمعيات المهنية. • قيادات تطوعية: العمل التطوعي في مختلف المؤسسات الخيرية والإنسانية. • قيادات أمنية وعسكرية: لم يقتصر القطاع الأمني والعسكري على حضور الرجال بعد أن أصبحت المرأة الإماراتية قادرة على حمل السلاح للذود عن وطنها والدفاع عن أرضه، لتصبح ضابطاً وعسكرياً وقائداً ميدانياً ثم العمل في السلك الأمني وحصولها على رتب عالية بعد أن أملت الضرورات الأمنية حضور المرأة الإماراتية في مختلف الميادين والمواقع الأمنية. المرأة الشرطية حظيت المرأة الإماراتية بكل التشجيع والتأييد من قبل الحكومة الرشيدة، وباحترام كبير من الجميع، وتعزز دورها مع التطور الذي تشهده الدولة في مختلف المجالات، وباتت محل اهتمام كبير في إشراكها في جميع التخصصات، ومنها المجال الشرطي، الذي لم يعد قاصراً على الرجل، لتؤكد بذلك على المساواة الاجتماعية بينها وبينه. لقد أدركت المرأة أن العمل هو مساهمة في البناء الأسري والاجتماعي، وقد ارتادت المرأة مجالات عديدة في العمل كالهندسة والطب، والمحاماة، والتعليم، وصولاً للمجال العسكري في مختلف وظائفه بعدما كان العمل الشرطي حكراً لقرون طويلة للرجل فقط. لقد تغيرت المفاهيم الاجتماعية بشكل عام في جميع الأمور وليس فقط في إقبال المرأة على العمل بالمجال الشرطي، ففي السابق، كان عملها في هذا المجال مستحيلاً بالنظر للعادات والتقاليد، وكان مفهوم الاختلاط ممنوعاً، ولكن بفضل توجيهات قيادتنا الرشيدة واهتمامهم الكبير بالمرأة لما لها من أهمية فعالة ومؤثرة في إنجاح العمل بكل مجالاته، تبوأت المرأة أعلى المناصب، وهو أكبر دليل على حجم التغير الذي حدث في المفاهيم الاجتماعية لدى أفراد المجتمع خاصة في النظرة العامة لعمل الشرطة النسائية، فأصبحت المرأة تحصل على تشجيع من الأب والأم والزوج والأخ والابن. وبفضل توجيهات الفريق سمو الشيخ سيف بن زايد آل نهيان، نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الداخلية، الذي قدم كل الدعم والاهتمام والمتابعة، وسخر كل الإمكانات لإبراز الشرطة النسائية وعلو مكانتها، شهد وضع المرأة في السلك الشرطي تقدماً كبيراً، حيث يتم العمل على تحفيز النساء المنخرطات في سلك الشرطة النسائية، ورفع كفاءتهن، وتشجيعهن بكل السبل، من خلال المتابعة المستمرة والزيارات الميدانية وتوجيههن باستمرار لضمان تحقيق تنفيذ الأهداف المنشودة على أكمل وجه، فالتحسين والتطوير هما أهم هدفين للوزارة، بما يحسن أداء القيادات والإدارات على مستوى الدولة بشكل مستدام ليحقق بذلك رضاهم بما يتواءم مع تحقيق الأهداف. من ناحية أخرى شكلت جمعية الشرطة النسائية الإماراتية، إضافة فعلية للعنصر النسائي منذ تأسيسها، حيث يعتبر إنشاؤها خطوة مهمة تدل على مدى حرص واهتمام القيادة العليا بالشرطة النسائية، فالجمعية تهدف إلى إبراز وتعزيز دور المرأة في مختلف المجالات الشرطية، وذلك من خلال المساهمة في إعداد جيل جديد من العناصر الشرطية النسائية من ذوات الكفاءة المهنية العالية التي تم تدريبها وتأهيلها، إضافة إلى رفع مستوى الوعي الاجتماعي حول دور المرأة في المجال الحيوي الذي يختص بتحقيق الأمن للمجتمع، وإبراز جهود الشرطة النسائية، فضلاً عن قيام الجمعية بالعديد من المشاركات المهمة والأحداث العالمية الكبيرة، وفي المؤتمرات العالمية خارجياً. وفي إطار من الشراكة المجتمعية القائمة على التواصل المستمر مع مختلف الفئات والفعاليات لإرساء دعائم الدولة في مجتمع آمن ومستقر من خلال ما تتمتع به من كفاءة مهنية، وكوادر بشرية مؤهلة ومدربة وقادرة على توظيف كل الإمكانات والتطورات التكنولوجية لتقديم خدمات مميزة ذات جودة عالية، تقوم القيادة العامة بتدريب الشرطيات على مدار العام، كما يتم إدخالهن في مختلف الدورات التدريبية لتأهيلهنَ ورفع كفاءاتهنّ لمحاكاة المستجدات وكيفية التعامل معها بشكل متقن وبحرفية عالية مستخدمات كل التكنولوجيات الحديثة في هذا المجال، كما أن هناك حوافز يتم تقديمها لمن تتميز في عملها وتتقنه وتخلص فيه ليكون لها حافز قوي لمواصلة ما بدأته من تميز. ناهيك عن جهود الجمعية التي سعت منذ تأسيسها عام 2011م للعمل على أن تكون المرأة الإماراتية من رواد التنمية المستدامة في العمل الشرطي، ونظمت لتحقيق هذه الغاية العديد من الفعاليات والمؤتمرات. وبعد،،، من الصعوبة بمكان الإلمام بكل ما اجترحته المرأة الإماراتية من إنجازات طوال مسيرتها الظافرة، وما تقدم ليس سوى غيض من فيض، وقليل من المحطات الكثيرة المضيئة، والمهمة، في مسيرة المرأة الإماراتية التي أثبتت قدرتها على المساهمة في تنمية المجتمع، وعلى تحمل مسؤوليات البناء والتنمية في دولة تنشد الحضور والتميز. مناخات مشجعة إن التنمية الفاعلة، والشاملة في مجتمع الإمارات، لا يمكن أن تتحقق، إلا بتضافر جهود مختلف الأطراف المعنية، خاصة الرجل والمرأة. وخلال مسيرة دولة الإمارات العربية المتحدة، أثبتت المرأة الإماراتية قدرتها على المساهمة في تنمية المجتمع، بعد أن أصبحت شريكاً فعلياً مع الرجل في تحقيق التطور المنشود، لا سيما بعد أن توافرت لها المناخات المحفزة، والظروف المشجعة، سواء من الأقارب أوالقيادات السياسية أو الاقتصادية، أو قيادات المجتمع المدني في الدولة، وذلك من منطلق قناعة القيادات، وأفراد الأسرة بالدور الذي يمكن أن تلعبه المرأة في خدمة وطنها. القيادة والدستور مع المرأة عزز قيام الاتحاد مكانة المرأة، ووضع لها أطراً قانونية وتشريعية تحقق لها مكانتها، وتؤكد دورها المحوري في المجتمع. هذه الأطر لازمة التنفيذ، فهي دستور دولة، وأقوال رئيس محب لشعبه، حريص على تحقيق الرفاه لرجاله ونسائه على حد سواء. ولأن دولة الإمارات العربية المتحدة، دولة إسلامية عربية خليجية، فدستورها نابع من دينها وعروبتها وانتمائها لمحيطها الخليجي... ولأن الإسلام أعزَّ المرأة وأعطاها حقوقها وساواها بالرجل في الكثير من المجالات، فكذلك جاء الدستور منصفاً للمرأة، معلياً من قدرها. ولقد تعزز دور المرأة الإماراتية في الربع الأخير من القرن الماضي، واكتسب أبعاداً جديدة مع تطور دولة الإمارات، إذ حظيت المرأة الإماراتية بكل التشجيع والتأييد من قبل صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة، حفظه الله، وإخوانه أصحاب السمو أعضاء المجلس الأعلى حكام الإمارات، ثم جاءت التشريعات والقوانين لتمكن المرأة الإماراتية في حقوقها دون تمييز أو تفريق، ربما في ذلك حقوقها السياسية والاقتصادية بعد أن حصلت على حقوقها الاجتماعية كاملة.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©