الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

«وإنك لعلى خلق عظيم»

«وإنك لعلى خلق عظيم»
24 فبراير 2011 19:58
«وإنك لعلى خلق عظيــم» إن حياة رسولنا- صلى الله عليه وسلم- تُعد نبراساً ومنهاجاً لبناء الشخصية المسلمة التي تتسم بالحق والخير والسمو والاعتدال، فعظمته- صلى الله عليه وسلم- تُشرق في جميع جوانب حياته، كما قال الإمام علي- كرم الله وجهه-: «كان أجود الناس كفاً، وأوسع الناس صدراً، وأصدق الناس لهجة، وأوفاهم ذمة، وألينهم عريكة، وأكرمهم عشرة، ويقول ناعته: لم أر قبله ولا بعده مثله، وما سئل عن شيء إلا أعطاه». لقد صنعه ربه على عينه، وأحاطه برعايته وشمله بلطفه ورحمته، وخصه بكرامته وأدبه، فجمع له كل المحامد والمكارم ونهاية عظمة الأخلاق، حتى وصفه بقوله:{وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ} (سورة القلم الآية 4). إن الأخلاق الفاضلة هي أهم الركائز التي تسير بالأمة نحو واقع أفضل، ومن المعلوم أن الرأفة والرحمة هي جوهر رسالته- صلى الله عليه وسلم- وفيها تركزت دعوته- عليه الصلاة والسلام. رفقه بالأعرابي عن أبي هريرة -رضي الله تعالى عنه- أنّه قال: (بال أعرابي في المسجد، فقام النّاس إليه ليقعوا فيه، فقال النبي- صلى الله عليه وسلم-:» دعوه وأريقوا على بوله سجْلاً من ماء أو ذنوباً من ماء، فإنما بعثتم ميسرين ولم تبعثوا معسرين») (أخرجه البخاري). (هذا أعرابي يدخل مسجد الرسول- صلى الله عليه وسلم- فيتنحى طائفة منه ويتبول، فهو لا يدري حرمة المساجد التي أمر الله أن تعظّم وتطهّر، عندئذ قام الصحابة- رضوان الله عليهم- يسرعون نحوه يريدون ضربه وتأديبه، فيقول- صلى الله عليه وسلم- «دعوه، لا تزرموه، اتركوه») (أخرجه مسلم)، أي لا تقطعوا عليه بوله، ثم أمر- صلى الله عليه وسلم - بذنوب من ماء، فطهر به مكان البول، ثم قام- صلى الله عليه وسلم- باستدعاء الرجل، وقال له: «إن هذه المساجد لا يصلح شيء منها للأذى والقذر، إنما هي للصلاة وذكر الله والتسبيح والتكبير والتهليل». ثم قام الرجل وتوضأ وأتى ليصلي، وفي التحيات قال في التشهد الأخير: اللهم ارحمني ومحمّداً ولا ترحم معنا أحداً، وذلك لما رأى منه- صلى الله عليه وسلم- من لطف في المعاملة. فالتفت إليه- صلى الله عليه وسلم-، وقال: «من الذي دعا آنفاً؟» وهو يعرف- صلى الله عليه وسلم- أنه الأعرابي، فقال الأعرابي: أنا، وما أردت إلا الخير، فقال- صلى الله عليه وسلم-: «لقد حجرت واسعاً»(أخرجه البخاري)، يعني: ضيقت رحمة الله، التي وسعت كل شيء، {وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ}(سورة الأعراف، الآية 156)، فعاد إلى قومه فأخبرهم بأخلاق الرّسول- صلى الله عليه وسلم- فدخلوا في دين الله أفواجاً. هذا هو اللين والرحمة في دعوته- صلى الله عليه وسلم- وكذا دعوة كل نبي، فقد أرسل الله موسى وهارون- عليهما الصلاة والسلام- إلى فرعون، فقال لهما: {فَقُولا لَهُ قَوْلا لَّيِّنًا لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى} (سورة طه، الآية 44)، ولو أنَّ المسلمين تمسَّكوا بهذا الخلق الرفيع- من الرفق في الدعوة، وحسن النّصح والإرشاد- لعاشوا سعداء. رفقه بالشباب لقد كان- صلى الله عليه وسلم- رحيماً بالبشرية كلها، يأخذ بأيدي الناس إلى الخير? والهدى بالحكمة والموعظة الحسنة، كيف لا؟! وربنا سبحانه وتعالى مدحه قائلاً {وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ} (سورة القلم الآية 4) . وعند دراسة سيرته- صلى الله عليه وسلم-نجد أنه- صلى الله عليه وسلم- قد عالج بعض الحالات الشاذة هنا وهناك بحكمته المعهودة، كما جاء في الحديث عن أبي أمامة- رضي الله عنه -أن شاباً أتي النبي- صلى الله عليه وسلم- يريد أن يدخل في الدين الإسلامي، لكنه لا يستطيع ترك الزنا، فقال: (يا نبي الله أتأذن لي في الزنا، فصاح الناس به، فقال النبي- صلى الله عليه وسلم-: «قربوه، أدن» فدنا حتى جلس بين يديه - صلى الله عليه وسلم-، فقال-عليه الصلاة والسلام-: أتحبه لأمك ؟، قال: لا، فداك أبي وأمي، قال: أتحبه لابنتك؟، قال: لا، فداك أبي وأمي، قال: أتحبه لأختك؟ قال: لا، فداك أبي وأمي)(أخرجه أحمد). وجاء في بعض الروايات أنه- صلى الله عليه وسلم- ذكر العمة والخالة، والشاب يقول في كل واحدة: لا، فقال الرسول: «كذلك الناس- يا أخا العرب- لا يحبونه لأمهاتهم، ولا لزوجاتهم، ولا لأخواتهم، ولا لبناتهم...!!»، ولما كان جواب الحبيب- صلى الله عليه وسلم- مقنعاً ومؤثراً قال الشاب: ادع الله لي يا رسول الله، فوضع رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يده الشريفة على صدره ودعا له بثلاث دعوات قائلاً: «اللهم طهر قلبه، واغفر ذنبه، وحصن فرجه»، يقول الشاب: «والله ما إن قال الرسول ما قال، حتى انصرفت عنه ولا شيء أبغض إلى نفسي من الزنا ... !!». إن الإسلام لا يحارب الشهوة أو الغرائز لكنه يعمل على تهذيبها ضمن الأطر الشرعية، فقد حرم الإسلام الزنا وأوجد البديل وهو الزواج، لذلك يجب علينا أن نيسر أمر الزواج للشباب حتى نحميهم من الانحراف. رفقه بالأطفال لقد ضرب- صلى الله عليه وسلم - أروع الأمثلة في رحمته وشفقته على الأطفال كيف لا وهم ثمرة ?الفؤاد، ومهج القلوب حيث جاء في الحديث (بينما كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يصلي بالناس إذ جاءه الحسين فركب عنقه وهو ساجد، فأطال السجود بالناس حتى ظنوا أنه حدث أمر، فلما قضي صلاته قالوا: قد أطلت السجود يا رسول الله حتى ظننا أنه قد حدث أمر، فقال- صلى الله عليه وسلم -: «إن ابني قد ارتحلني- أي جعلني كالراحلة فركب على ظهري- فكرهت أن أعجله حتى يقضي حاجته» (أخرجه النسائي والحاكم). هذا هو ديننا الإسلامي الحنيف يعطف على الأطفال، ويوصي بهم خيراً، فهم عماد الأمة، وثروتها الحقيقية، بينما نرى ما يفعله المحتلون بالأطفال في فلسطين والعراق وغيرهما من قتل وتشريد وتنكيل، وتيتيم لهم، وتدمير لبيوتهم، وتجريف لمزارعهم، ومنعهم من الحصول على العلاج والدواء وغير ذلك، فمتى يشعر أطفال فلسطين بالحرية كبقية أطفال العالم ؟!! رفقه باليتامى لقد ملأ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وصاياه وأحاديثه باحترام حق اليتيم في العطف وفي الحياة، حيث كان- عليه الصلاة والسلام - يقف بين أصحابه ويشير بأصبعيه السبابة والوسطى-ثم يقول: «أنا وكافل اليتيم في الجنة هكذا، وأشار بالسبابة والوسطى، وفرج بينهما» (أخرجه البخاري)، أي أن كافل اليتيم لا يفصل مكانه في الجنة عن مكان رسول الله-صلى الله عليه وسلم-إلا مثل ما يفصل بين الأصبعين من مسافة..!! وفي ذلك تكريم لكافل اليتيم لا يساويه تكريم. كما ورد عنه- صلى الله عليه وسلم- أنه قال: «من عال ثلاثة من الأيتام كان كمن قام ليله وصام نهاره، وغدا وراح شاهراً سيفه في سبيل الله، وكنت أنا وهو في الجنة أخوين.. كما أن هاتين أختان، وألصق أصبعيه السبابة والوسطى»(أخرجه ابن ماجه)، ويقول: «من مسح على رأس يتيم لم يمسحه إلا لله، كان له في كل شعرة مرت عليها يده حسنات، ومن أحسن إلى يتيمة أو يتيم عنده كنت أنا وهو في الجنة كهاتين، وفرق بين أصبعيه: السبابة والوسطى» (أخرجه أحمد)، ويقول أيضاً: «خير بيت في المسلمين بيت فيه يتيم يحسن إليه، وشر بيت في المسلمين بيت فيه يتيم يساء إليه» (أخرجه ابن ماجة). فأين نحن من رسول الله - صلى الله عليه وسلم- إذا لم نكفل اليتيم ؟! وإلى من ندع ذلك الطفل الذي فقد أباه أو أمه أو والديه كليهما؟! هذا هو منهج رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وهذا هو منهج محبيه وتابعيه والمحتفلين بذكرى مولده العطرة، والمحتفين بمبادئه وسننه الشريفة العادلة، التي تحب الخير للبشرية جمعاء. فما أحوج العالم اليوم إلى رسالة الإسلام وعقيدته، عقيدة الحب والخير والسلام للبشرية جمعاء. الشيخ الدكتور يوسف جمعة سلامة خطيـب المسـجد الأقصـى المبـارك www.yo sefsalama.com
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©