الثلاثاء 23 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

بأمر ملك الجان

بأمر ملك الجان
24 فبراير 2011 19:57
(القاهرة) - انتشر الخبر في القرية انتشار النار في الهشيم، تناقله الجميع وعلم به السكان الذين يصل عددهم إلى عشرة آلاف أو يزيدون، خاصة انهم تربطهم علاقات المصاهرة وتجمعهم الجيرة في الحقول والأعمال كلها، فكانت لحظة واحدة كافية تماما كي يصل الخبر للجميع، فقد عثر على «أميرة» العروس التي تزوجت منذ عشرة أيام فقط قتيلة في مسكنها، والأغرب أنها تلقت اثنتين وخمسين طعنة، ما يشير إلى أن الجريمة بهدف الانتقام. وفي لحظات قليلة دوت صفارات سيارات الشرطة بعد أن تلقت بلاغا بالحادث من المواطنين وانهالت الجموع تستطلع الأمر الجلل الذي لم يحدث عندهم من قبل، فهذا لا يعني عندهم إلا أن العريس اكتشف شيئا غير طبيعي يمس الشرف في عروسه أو أن شابا آخر غيره كان يريدها وبعدما افتقدها قرر التخلص منها حتى يريح قلبه من أوجاعه العاطفية، والاحتمال الأخير أن تكون الجريمة نوعا من الانتقام لكن سببه ودافعه لم تصل إليه العقول بعد، الجميع يحاولون أن يصلوا إلى سبب الجريمة وقد أعيتهم الافكار. والحقيقة المؤكدة التي تعرقل كل شك وتضحده أن العروس على خلق عال ومعروف عنها الالتزام الشديد ولا علاقة لها بأي شاب، بل أنها تزوجت قبل كثير من قريناتها اللاتي يكبرنها في العمر لهذه الأسباب فقد اختارها محمود من بينهن رغم أن له قريبات كثيرات، معتمدا على رصيدها الكبير من الأخلاق. دخل رجال الشرطة المسكن مسرح الجريمة فوجدوا العروس ملقاة في بركة من الدماء جثة هامدة ممزقة ولا أحد معها في البيت، والباب مفتوح على مصراعيه والسكين ملقاة بجانبها ولا تكاد معالمها تبين من كثرة الطعنات، وهناك في أحد الجوانب ملابس رجالية ملقاة على الأرض لا يعرف ان كانت للزوج أو لغيره إنما المؤكد أنها لمرتكب الجريمة البشعة التي أثارت استياء واستغراب الجميع، وليس من سمع كمن رأى، فالمشهد أبشع من أن يوصف. بدأ البحث عن الزوج لمعرفة مكان تواجده أثناء وقوع الحادث وتبين انه توجه لمنزل والدته ويتناول معها الإفطار، فهو يقيم على مقربة منها وعندما سألته أمه عن زوجته قال إنها تعاني الإرهاق وتشعر بأعراض مرضية وراحت في نوم عميق، بينما عندما جاءه رجال الشرطة ليستدلوا منه على المعلومات الصحيحة قام معهم دون أن ينبس ببنت شفة وفي نفس الوقت لا تبدو عليه علامات للاستغراب أو التأثر، لم يكن له أي رد فعل سلبي ولا إيجابي، مما يثير الغرابة الشديدة وفي نفس الوقت لا يمكن التكهن بأي شيء ولا بأي نتيجة. هناك في المسكن مازالت العروس مسجاة في دمائها التي تجلطت تثير الخوف والفزع والرعب في نفس كل من ينظر إليها حتى لو كان من رجال الشرطة الذين اعتادوا رؤية هذه المشاهد لكن هذه المرة الامر مختلف والظروف مغايرة فالقتيلة شابة في الثامنة عشرة وعروس لم يمض على زواجها إلا عشرة أيام، والجثة ممزقة، اعتقدوا قطعا مع هذه المقدمات انهم أمام جريمة غامضة جدا وانهم في موقف صعب ولن يكون التوصل إلى القاتل سهلا بحال من الأحوال خاصة وان الزوج لم يكن موجودا في الشقة، والظروف المحيطة كلها لا تشير إلى أي معلومات أو إشارات إلى القاتل، والبداية دائما هي التي تحدد ما إذا كانت الجريمة سوف يتم كشفها بسهولة ويسر أم لا وهذا ما يجعل رجال البوليس يسرعون بوضع ايديهم على أول خيط يقود إلى المجرم، بما يسمى عندهم خطة البحث الجنائي، وتتضمن رفع البصمات والعثور على أداة الجريمة وفحصها والتوصل الى شهود وهذا قد يكون أهم الأدلة واقصر الطرق لكشف غموض أي حادث، وفي هذا الموقف لم يتم العثور الا على اداة الجريمة، إذن فهم أمام شوط طويل من التحريات وجمع الأدلة. كان السؤال الأول للزوج لمن هذه الملابس الملوثة بالدماء، وببساطة أجاب بانها تخصه، وعندما سئل اين كان في وقت ارتكاب الجريمة؟ أجاب انه كان في المنزل، وعندما سئل من اذن الذي قتل زوجته ؟ بهدوء شديد قال:أنا، وهكذا كلما وجهوا إليه سؤالا أجاب عنه ببرود وثبات كأنه يقوم بدور تمثيلي في عمل درامي وليس مرتكب الجريمة مع عظمها، لذلك كان لابد من التوقف للحظات لاستبيان الحقيقة. الوضع الآن يحتاج إلى معلومات اخرى على جانب مغاير ليس حول القاتل وإنما حول الزوج الذي يتحدث كأنه فاقد الوعي أو تم تنويمه مغناطيسيا ويتكلم تحت مؤثرات خفية، وتبين انه حاصل على مؤهل عال في التربية الرياضية منذ أربع سنوات ولم يلتحق بعد بعمل ثابت وان كان قد تنقل بين بعض الأعمال المختلفة التي لا علاقة لها بتخصصه واستطاع أن يدخر مبلغا يمكنه من الزواج، وانه انطوائي ويفضل العزلة. ما لم يعرفه احد عنه حتى عروسه التي خطبها لعدة اشهر ثم تزوجها، واستطاعت أسرته أن تخفيه عن جميع أهل القرية انهم ترددوا به عدة مرات على الأطباء النفسيين وكانت النتيجة انهم اكدوا أنه لا يعاني أي أمراض عقلية، والسبب وراء إخفاء هذا الأمر لم يكن من قبيل التدليس والغش للعروس أو لغيرها وإنما لان الناس هنا في القرى يعتبرون حتى الآن ان من يذهب إلى الطبيب النفسي مجنون وهذه تهمة لا يمكن أن يتخلص منها إلى الأبد حتى لو كان اعقل العقلاء أو حكيم الحكماء. سر آخر تم التوصل إليه وهو ان محمود قبل زواجه بعدة اشهر تشاجر مع امه بلا سبب وكاد يتعدى عليها بالضرب واضطر والده للجوء إلى الشرطة وتحرير محضر ضده وخشية على مستقبله تم التنازل عنه وتقرر حفظه. نحن أمام حالة مختلفة والآن لابد من العودة لسماع أقوال الزوج مع هذه المعطيات الجديدة، فاذا به يلقي بالمفاجأة المدوية التي لم تخطر لاحد على بال، وان الأمر في غاية البساطة ولو أن رجال الشرطة توقفوا للحظة معه لاكتشفوا الحقيقة بكل يسر كما قال واعترف أنه هو مرتكب الجريمة . جلس محمود وهو مازال على ثباته ويحافظ على هدوئه ولم يتغير، قال نعم قتلتها، ولم يكن هناك أي خلاف بيننا على الإطلاق بل كل الود والتفاهم وتزوجتها بعد أن شعرت نحوها بالارتياح واخترتها عن اقتناع شديد، واليوم استيقظت من النوم كعادتي وايقظتها ثم توجهت إلى المطبخ وأحضرت السكين وانهلت عليها طعنا وهي تتلوى وتتألم وأنا اشعر بالإنجاز الكبير وتنفيذ التكليف الذي طلبه مني «ملك الجان» فقد جاءني في المنام وامرني بضرورة التخلص من زوجتي العروس بالقتل وكان لابد من تنفيذ أمره لانه قال لي أن أوامره يجب أن تنفذ على الفور وبلا نقاش. وتنهد «محمود» وواصل اعترافه الذي لا يصدق قائلا : بعدما أنهيت المهمة التي كلفني بها ملك الجان خلعت ملابسي الملوثة بالدماء والقيتها بجوار الجثة واغتسلت واستبدلتها وتوجهت إلى والدتي لتناول الإفطار وسعدت لأنني أديت المهمة بنجاح وفي نفس الوقت حزين لأنني قتلت زوجتي. احيل «محمود» إلى النيابة ورغم اعترافه التفصيلي الذي لا يحتمل التأويل فإنها لم تقرر حبسه كالمعتاد في هذه القضايا، وانما قررت إحالته إلى مستشفى الأمراض النفسية للكشف على مدى سلامة قواه العقلية وإعداد تقرير حول مسؤوليته عن ارتكاب الجريمة.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©