الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
ألوان

العفو والتسامح خُلُقٌ إسلامي عظيم

6 مايو 2016 03:23
الحمد لله الذي أنعم علينا بالإسلام وشرح صدورنا للإيمان، والصلاة والسلام على سيدنا محمد - صلى الله عليه وسلم - وعلى آله وأصحابه أجمعين... وبعد يقول الله تعالى في كتابه الكريم: (وَسَارِعُواْ إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّاء وَالضَّرَّاء وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ)، «سورة آل عمران: الآيتان 133 - 134». جاء في كتاب صفوة التفاسير للصابوني في تفسير الآيتين السابقتين: (وَسَارِعُواْ إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ)، أي بادروا إلى ما يوجب المغفرة بطاعة الله وامتثال أوامره، (وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ)، أي وإلى جنة واسعة عرضها كعرض السماء والأرض، كما قال في سورة «الحديد»: (عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاء وَالأَرْضِ)، والغرض بيان سعتها، فإذا كان هذا عرضها فما ظنك بطولها؟ (أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ)، أي هيئت للمتقين لله، (الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّاء وَالضَّرَّاء)، أي يبذلون أموالهم في اليسر والعسر، وفي الشدة والرخاء، (وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ)، أي يمسكون غيظهم مع قدرتهم على الانتقام، (وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ)، أي يعفون عمَّن أساء إليهم أو ظلمهم، (وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ)، أي يحب المتصفين بتلك الأوصاف الجليلة وغيرها»، (صفوة التفاسير للصابوني 1/‏230). وبذلك يأمرنا الله سبحانه وتعالى في الآيات السابقة بالصفح والعفو والإحسان عمَّن أساء إلينا، ابتغاء رضوانه سبحانه وتعالى، وطمعاً فيما أعده سبحانه وتعالى للعافين من حسن الجزاء، ومن المعلوم أن العفو من أبرز أخلاق الرسول - صلى الله عليه وسلم - ومن أشهر طباعه، ومن أَجَلِّ صفاته وسجاياه. إن العفو عن المسيء من أفضل الصفات التي يجب على المسلم أن يتحلى بها، ولو علمنا ما في العفو من حكمة وسلامة وأجر، لأسرعنا بالعفو والصفح عن زلات المسيئين. عفو الرسول عن فُضَالة ذكر الإمام ابن حجر في الإصابة أن فضالة بن عُمَيْر الليثي ذهب قاصداً قتل النبي - صلى الله عليه وسلم - أثناء طوافه بالبيت، فلما دنا منه، قال الرسول - صلى الله عليه وسلم-: «أفضالة؟!» قال: نعم فضالة يا رسول الله، قال: ماذا كنتَ تُحَدِّث به نفسك؟ قال: لا شيء، كنتُ أذكر الله!، فضحك النبي - صلى الله عليه وسلم - ثم قال: استغفر الله، ثم وضع يده على صدره فسكن قلبه، فما كان من فضالة إلا أنْ قال: والله ما رفع يده عن صدري حتى ما من خَلْقِ الله أحبّ إليَّ منه، وأسلم فضالة بهذا الصفح الكريم، وزالتْ من قلبه العداوة، وحلتْ محلَّها محبة رسول الله - صلى الله عليه وسلم-. هذا الموقف يبين مدى سماحة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وعفوه عن الآخرين، وأنه كان يقابل الإساءة بالإحسان. اذهبوا فأنتم الطلقاء ذكرت كتبُ السيرة أن رسولنا - صلى الله عليه وسلم - عاد إلى مكة المكرمة بعد ثماني سنوات فاتحاً بعد أن أُخرج منها، فقد عاد إليها - صلى الله عليه وسلم - على رأس جيش بلغ أكثر من عشرة آلاف من المسلمين، ودخل - صلى الله عليه وسلم - مكة دخول الشاكرين لله - عزَّ وجلَّ-، دخلها وهو راكبٌ على ناقته تواضعاً لله وشكراً، وكادت جبهته - صلى الله عليه وسلم - أن تمسَّ عنق ناقته، وكان يردد قوله تعالى: (وَقُلْ جَاء الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقاً)، «سورة الإسراء: الآية 81». وسيطر الرعب على أهل مكة خوفاً من أن ينتقم منهم - صلى الله عليه وسلم - نتيجة أفعالهم معه ومع أصحابه - رضي الله عنهم أجمعين-، فقد طردوهم وعذبوهم وصادروا أموالهم وممتلكاتهم، فقال لهم النبي - صلى الله عليه وسلم-: «يا معشر قريش، ما تظنون أني فاعل بكم؟ قالوا: خيراً، أخ كريم وابن أخ كريم»، فما كان منه - صلى الله عليه وسلم - إلا أن قال لهم قولته المشهورة: «اذهبوا فأنتم الطلقاء»، أقول لكم ما قاله أخي يوسف - عليه الصلاة والسلام - لإخوته (لاَ تَثْرَيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ)، «سورة يوسف: الآية 92»، فلم يقتل - صلى الله عليه وسلم - أحداً، ولم يصادر أرضاً، ولم يمنع ماء، ولم يقطع طريقاً، ولم ينفِ أحداً، ولم يعتقل، بل كان - صلى الله عليه وسلم - رحمة للعالمين كما وصفه ربه سبحانه وتعالى. لقد أثر هذا الموقف العظيم وهذا التسامح الكبير في نفوس أهل مكة، حيث أقبلوا معلنين إسلامهم وإيمانهم برسالة الإسلام، ودخلوا في هذا الدين الجديد أفواجاً. ثم أمر له بعطاء أخرج الإمام البخاري في صحيحه عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: «كُنْتُ أَمْشِي مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَلَيْهِ بُرْدٌ نَجْرَانِيٌّ غَلِيظُ الْحَاشِيَةِ، فَأَدْرَكَهُ أَعْرَابِيٌّ فَجَبَذَ بِرِدَائِهِ جَبْذَةً شَدِيدَةً، قَالَ أَنَسٌ: فَنَظَرْتُ إِلَى صَفْحَةِ عَاتِقِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَدْ أَثَّرَتْ بِهَا حَاشِيَةُ الرِّدَاءِ مِنْ شِدَّةِ جَبْذَتِهِ، ثُمَّ قَالَ: يَا مُحَمَّدُ، مُرْ لِي مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي عِنْدَكَ، فَالْتَفَتَ إِلَيْهِ فَضَحِكَ، ثُمَّ أَمَرَ لَهُ بِعَطَاءٍ»، (أخرجه البخاري). انظر أخي القارئ إلى حِلْمِ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وسعة صدره، وكيف قابل - عليه الصلاة والسلام - هذا السلوك المشين وهذا السفه من ذلك الأعرابي، لقد قابله - صلى الله عليه وسلم - بالحلم، فقد كظم غيظه - صلى الله عليه وسلم - وسامحه وعفا عنه، وهذا هو خلقه - عليه الصلاة والسلام - فقد جاء في الحديث عن ابن عمر - رضي الله عنهما-، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم-: «مَا من جَرْعَة أَعْظَم أَجْراً عِنْدَ اللَّهِ، مِنْ جَرْعَةِ غَيْظٍ كَظَمَهَا عبدٌ ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللَّهِ تَعالى»، (أخرجه البيهقي). إن الأخلاق الإسلامية المتمثلة في العفو والتسامح تجاه البشرية كلّها شكلت سبباً رئيساً بفضل الله لدخول الناس في دين الله أفواجاً، كما أنه لا يمكن لمنصفٍ من البشر مهما كان أن ينكر هذه الصفات الكريمة، فهي تحث على تآلف الأجناس، وإشاعة التراحم والمودة بين الناس، والتأدب بالآداب الإسلامية، ونبذ الحقد والحسد والتباغض، ليتحقق العفو والتسامح و العدل والإنصاف بين بني البشر. هذا هو المجتمع الفاضل الذي ينشده الإسلام، مجتمع حب وود، ومروءة وخير، مجتمع متماسك البنيان، متوحد الصفوف والأهداف، كما في قوله تعالى: (مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاء بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَاناً)، «سورة الفتح: الآية 29». ودعونا نتساءل: هل نخر مجتمعنا إلا البعد عن خلق العفو والتسامح؟ فلو شغلتنا تقوى الله، لكنا أهدى سبيلا وأقوم قيلا، فالواجب علينا جميعاً أن نبتعد عن الحقد والغل والحسد، وأن نتحلى بالأخلاق الفاضلة، وفي مقدمتها العفو والتسامح والمحبة، فعلى القريب أن يتسامح مع أقربائه، والجار أن يعفو عن جاره، والصديق أن يحلم على صديقه، وأن نردد جميعاً قول الله سبحانه تعالى في كل وقت: (وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلا تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ)، «سورة النور: الآية 22».
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©