الثلاثاء 16 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

باكستان... الإصلاحات مقابل المساعدات

باكستان... الإصلاحات مقابل المساعدات
31 مايو 2009 02:12
تعهدت إدارة أوباما في الأسبوع الماضي بتخصيص أكثر من مئة مليون دولار من المساعدات للباكستانيين الذين اضطروا إلى ترك بيوتهم للهرب من المعارك الدائرة بين «طالبان» والجيش في وادي سوات، وهي مساعدات تعيد الأذهان إلى عام 2001 عندما أنفقت الولايات المتحدة ما يقارب 12 مليار دولار على المعونات المقدمة لحليفتها في جنوب آسيا، لكن ذلك لم يحل دون إعلان وزيرة الخارجية، هيلاري كلينتون، أن باكستان تمثل «خطراً وجودياً» على الأمن الدولي. لذا تحتاج أميركا اليوم إلى عقد صفقة أفضل تنظم بموجها عملية إنفاق مليارات الدولارات التي تنوي تقديمها لباكستان، ففي ظل الحرب التي تشنها «طالبان» حالياً على القوات الحكومية، وخطر وقوع الترسانة النووية الباكستانية في أيدي المتطرفين اقترحت واشنطن إنفاق 1.5 مليار دولار من المساعدات الإضافية كل سنة من الآن وحتى عام 2013 لتذهب بالأساس إلى البرامج المدنية وتمويل قوات الأمن الباكستانية. وفي الشهر الماضي تعهد المانحون الدوليون في طوكيو بتخصيص أربعة مليارات دولار أخرى من المساعدات لباكستان علها تنهض بأعباء التنمية وتخرج من أزمتها. لكن المسؤولين الأميركيين يريدون التأكد من أن تلك المبالغ المالية الكبيرة ستنفق على الوجه الصحيح، وهذا ما يريده الرأي العام أيضاً. وهو ما عبر عنه رئيس لجنة العلاقات الخارجية في الكونجرس «هوارد بيرمان» بقوله «لقد أعطيناهم أموالا في السابق إلا أنها لم تصرف على نحو جيد». فكيف تضمن الولايات المتحدة ألا تنتهي تلك الأموال في جيوب بعض أصحاب النفوذ والسلطة في باكستان بدل مساعدة المواطنين الأكثر احتياجاً؟ أولا يتعين أن نفهم كيف أُنفقت أموال طائلة في باكستان طيلة السنوات الماضية دون أن تثمر نتيجة واضحة، أو تنعكس على أحوال البلاد، فالراجح أن فكرة المساعدات نفسها قد تشجع على الفساد لأنها تزيل الحاجة إلى تأسيس عقد واضح بين الحكومة والشعب يقوم على جمع الضرائب من جهة وتوفير الخدمات من جهة أخرى، وهذا العقد الاجتماعي ضروري إذا كانت باكستان تريد الخروج من أزمتها كديمقراطية راسخة قادرة على تلبية احتياجات مواطنيها. لكن الواقع يشير إلى أنه من بين 180 مليون نسمة يشكلون عدد سكان باكستان هناك فقط مليون ونصف المليون منهم يدفعون الضرائب، وهو ما يحتم على البلاد إصلاح ومراجعة قانونها الضريبي والالتزام بجمع الأموال المستحقة على الشعب، دون تمييز، على أن تشمل رجال الدولة أنفسهم ومديري الشركات، وأصحاب الأراضي الذين عادة ما يتهربون عن دفعها ويتنصلون من واجباتهم تجاه الدولة، يضاف إلى ذلك أن المساعدات الكبيرة التي تتلقاها باكستان جعلت نخبه في منأى عن اتخاذ القرار الصعب بين الإنفاق على ضرورات التنمية، أو الاستمرار في الإنفاق الحربي المكلف، وهي الخيارات التي تبرز أكثر في بيئات ديمقراطية ينشط فيها النقاش ويشارك المواطن في صوغ السياسات العامة. والحال أن الحكومات الباكستانية المتعاقبة راهنت وبنجاح على عدم استقرار البلاد المزمن وخطر الإرهاب المحدق، فضلا عن احتمال الانتشار النووي لإخافة العالم ودفعه إلى تقديم المساعدات المالية تجنباً لما هو أسوأ. ولهذه الأسباب يتعين على العالم التفكير في طريقة جديدة لمساعدة باكستان تكون أكثر فاعلية وتخدم الأهداف المسطرة، لاسيما في وقت بدأت فيه إسلام آباد تعتبر المساعدات الدولية حقاً مكتسباً، وهنا لابد من حشد تأييد الشعب الباكستاني وعدم الاكتفاء بالرقابة المالية على الحكومة وفرض سلوك مسؤول. فقد سمعت خلال زيارتي التي قمت بها مؤخراً إلى باكستان العديد من المواطنين يشتكون من أن واشنطن تساعد عن قصد الأشخاص والمؤسسات الفاسدة لضمان تحول باكستان إلى دولة مرتبطة بالولايات المتحدة. والحقيقة أن هناك طريقة أفضل تخرجنا من دائرة الشك والاتهام تتمثل في إقامة صندوق للتمويل تديره هيئة تحظى بالثقة والمصداقية مثل البنك الدولي، وهو نموذج أثبت نجاحه في أفغانستان. وفي هذه الحالة ستكون الهيئات الباكستانية مطالبة بالإسهام في برامج المساعدات وصياغة خطط واضحة لتطبيقها على أن تلتزم بمعايير المحاسبة الدولية، وأن تعرض المعلومات المرتبطة بالإنفاق على الرأي العام للاطلاع عليها، ولتيسير التعرف على البرامج. وتنطوي فكرة تأسيس صندوق خاص للتمويل تستفيد منه باكستان على إيجابيات عديدة. أولا سيزيل الصندوق ذلك الاعتقاد السائد لدى الباكستانيين بأن بلادهم تحولت إلى دولة تابعة للولايات المتحدة. ثانياً سيحرج الدول التي تتعهد بتقديم المساعدات دون وفاء بالتزاماتها. ثالثاً سيضمن الصندوق تلبية المساعدات للاحتياجات الحقيقية للشعب الباكستاني بدلا من التركيز على المشاريع التي تعالج الانشغالات المحلية للدول المانحة. وبالإضافة إلى ذلك سيتعين على باكستان إنجاز إصلاح مالي يهم جمع الضرائب ومحاربة التنصل الضريبي، ولاشك أن إحداث صندوق للتمويل سيثير حفيظة بعض السياسيين والمواطنين الذين ربما سيرون في مطالب تطبيق معايير رقابة صارمة نوعاً من عدم ثقة المجتمع الدولي بنزاهة باكستان وانتقاصاً من سيادتها، وقد يقولون أيضاً، وإن كان هذا الطرح أقل إقناعاً، إنه بدون مساعدات مباشرة لباكستان ستتعرض الحكومة للانهيار، والحال أن الفشل الذي قد تمنى به الحكومة يرجع إلى غياب الحوكمة الجيدة أكثر من علاقته بغياب المساعدات. وفي الأخير يتعين على دافع الضرائب الأميركي أن يستشعر تحسناً ملموساً في الوضع الباكستاني إذا كان سيستمر في تقديم المساعدات وبأن مجهوده يساعد فعلا تلك البلاد في الخروج من مشاكلها بدل تحويلها إلى بلد أقل شفافية، والأهم من ذلك أنه يتعين على المواطنين الباكستانيين وهم يرون بلادهم تتعاون مع المجتمع الدولي، وتتلقى الأموال الطائلة، أن يستفيدوا بشكل مباشر من المساعدات، وأن تنعكس بوضوح على أحوالهم. كريستين فير كبيرة باحثين في العلوم السياسية بمعهد «راند» ينشر بترتيب خاص مع خدمة «لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©