الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

آرطو ونبتة البايتول

آرطو ونبتة البايتول
24 ابريل 2008 02:33
''من أنا؟/ من أين جئت؟/ أنا أنطونان آرتو/ ها أنا ألهج باسمي/ كما يجب أن تلهجوا به/ وفي التوّ/ سترون جسدي/ يتطاير قدّامكم أشلاء/ متّخذا عشرات الآلاف من التجلّيات/ تجليات جسدي الجديد المتجدّد/ جسدي الذي لن يمكنكم جحوده أونسيانه''· هكذا تنبّأ آرطو بما سيؤول إليه أمره بعد موته: جسد متعدّد وتجليات لا تحصى· وعلى هذا التعدّد جريان صورته التي ثبّتها في كتبه· كانت حياته التجسيد الفعلي لمبدع حرص على محو المسافة الفاصلة بين الفن والحياة· لذلك دعا إلى ''مسرح القسوة'' الذي يلغي المؤلّف ويتخلّص من النص ويحرّر الفعل المسرحي من التكرار· ''التكرار، في نظره، هو أصل الداء لأنه يفصل القوّة عن نفسها''· كان يعتقد أن أي تعبير لا يحظى بالقيمة نفسها مرتين، ولا يحيا مرتين، وكل كلام يقال يلقى حتفه إثر التلفّظ به· وهو لا يفعل فعله إلا لحظة التلفّظ به ومسرح القسوة هو المكان الأوحد في العالم الذي لا تستعاد فيه مرة أخرى حركة تمّ إنجازها من قبل· هكذا يصبح المسرح مضارعا للحياة· بل إنه الفن الوحيد الذي يضعنا في حضرة الحياة محرّرة من سطوة التكرار· إنه بهذا المعنى طاقة بلا تاريخ ولا مستقبل، طاقة تجد تجسيدها في كونها تنجز لمرة واحدة· ولا رجعةَ، لا استعادةَ، ولا غدَ· كان آرطو على يقين من أن الحضارة الغربية أفقرت الحياة· فقصد المكسيك سنة 1936 باحثا عن بلسم للروح بين قبائل التاراهيوماراس لاعتقاده أن هذه القبائل مازالت تقيم على الأرض على نحو شعري· لكنه عاد إلى فرنسا بعد بضعة أشهر مثقلا بالهمّ· ثم كان أنْ كتب سنة 1943 نصا مطوّلا بعنوان ''طقوس البايتول'' أرسله إلى الطبيب فرديار الذي اعتنى به طيلة فترة إقامته في المصحّ النفسي بإيفري، كشف فيه عن تجربة فريدة خاضها مع نبتة البايتول؛ وهي نبتة يعرّفها الراهب برنادينو دي ساهاغان الذي وصل إلى مكسيكو سنة 1529 بعد سقوطها في يد الأسبان قائلا: ''نبتة البايتول نبتة بيضاء اشتهرت قبائل الشيشيماكس بتناولها· وهي تمدّهم بقوّة خارقة، وتشحذ هممهم في ساحات الوغى وتبعد عنهم العطش والجوع وشبح الخوف·· نبتة البايتول صالحة للتداوي من كل الأمراض· لكن الهنود يبالغون في تناولها كي يتنبّأوا بالمستقبل''· أما آرطو فكتب: ''تناولت نبتة البايتول في جبال المكسيك حيث بقيت في مضارب قبائل التاراهيوماراس ثلاثة أيام بلياليها· فأدركت أنني كنت أعيش أبهى أيام في حياتي· غادرني القلق الذي أرّقني زمنا· ما عدت أبحث عن معنى لحياتي· ما عاد جسمي عبئا ترزح روحي تحت نيره· فهمت أنني فنان يبدع الحياة·· لقد كنت أشعر بالهلع عندما أعجز عن الإبداع· طوبى لنبتة البايتول لقد وهبتني القدرة على التجدّد والإبداع· إن نبتة البايتول ترجع المرء إلى جذوره الأولى، وتكشف له عظمة الكائن فيبدع الفن الذي يضارع الحياة''·
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©