الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

عبودية

عبودية
31 مايو 2009 01:45
بين ما تناقلته وسائل الإعلام مؤخراً كلام يبدو من خارج إطار السائد، جريء في انتقاده لمفهوم الجمال الأنثوي المتداول راهناً.. بعض ما يميز القول إنه صادر عن أنِثى، وأنَّ مطلقته لم تتردد في وضع ما تمارسه نساء اليوم من حرص، يكاد يكون مرضياً، على اكتساب ملاحة الملامح، في الخانة المؤدية إلى «عبودية الجمال». لم تكتف المتكلمة بإبداء الاعتراض الأولي حيال ظاهرة تلقى رواجاً مثيراً للريبة وللتذمر معاً، بل توسعت في تحليل الموقف منتقدة المجتمع الاستهلاكي الذي «يحتم عليهن أن يكنَّ جميلات وشابات». وتابعت لا تلوي على شيء من رضى الحسان: «هذا شكل آخر للاستعباد»! قالت كل هذا قبل أن تختار لكلامها خاتمة تليق بلا معهوديته: «يقتصر تعامل الكثير من النساء مع أنفسهن على المظهر، وما إذا كنَّ سيعجبن الرجال»! قد تكتمل الصورة بالإشارة إلى أنَّ صاحبة القول ليست واحدة من تلك النساء المتواضعات في قدراتهن الجمالية، النساء اللواتي يرتدين نظارات عريضة لإخفاء فعل الزمن على الوجوه الهرمة، ليست إحدى الهاربات من لعنة القبح نحو رصانة مفتعلة، مفتوحة على تجهم محاذ للكآبة... هي تنتمي إلى صنف من الإناث أدرن أعناق الرجال طويلاً، والأرجح أنَّها ستدير المزيد منها في الفترة المتبقية من عمرها. تُرى ما الذي دفع ممثلة ومخرجة سينمائية من طراز الفرنسية جولي ديلبي لاطلاق هذا التصريح اللافت، غير عابئة بكونها تعبث في قيمة انسانية هي موضع اجماع لا يحتمل نقاشاً؟ وكيف أمكنها أن تتنكر لمفهوم الجمال الذي اتكأت عليه كثيراً وطويلاً في بناء معمار نجوميتها؟ وما الذي تهدف له من وراء هذا الادانة الصارخة للسعي النسوي التاريخي نحو حيازة الاعتراف الذكوري، ولو عبر انتزاعه بوسائل غير مألوفة. من الصعب على ممثلة، كان الجمال بعض عدتها للدخول إلى عالم الشهرة، أن تقيم رابطاً ما بينه وبين العبودية، والأرجح أنَّها كانت ستردد طويلاً في القيام بذلك، لولا قناعتها بأنَّ كثيراً من السلوك الذي يُسفح اليوم على مذبح الجمال ليس جميلاً. أغلب الظن أنَّ ديلبي، اعتماداً على تجاربها في المضمار الجمالي، قد استنتجت ما بات ينطوي عليه الجمال المعاصر من هجانة تخرجه عن سماته الأصيلة، لتحيله إلى منظومة من الضوابط المتعسفة المرسومة بدقة تثير الملل.. ولأنَّها جميلة حقاً، وليست مجرد متجملة، فقد أدركت أنَّ الجمال لا يسعه، عندما يكون أسير القوارير والمساحيق والضوابط الهندسية، إلاّ أن يصبح قيداً في معصم الأنثى، بعد أن كان معبرها نحو الحرية والحضور. أطلقت ديلبي صرختها بعدما أيقنت أنَّ الجمال قد تهجَّن عندما كفَّ عن أن يكون وردة برية تزهو في المناخ الصعب، وعندما اقتلع من أحضان الحقول النضرة ليزُج به في سجون الأحواض المخبرية، وأنَّه فقد حريته مع فقدانه ما كان يختزنه من مقومات براءة وعفوية وقدرة فائقة على المباغتة والادهاش، ما يمكن استخلاصه من كلام ديلبي أنَّ الجمال أضاع نفسه منذ أن غادرت المرأة كهوف الاساطير التي تليق ببواعث سحرها، وراحت تتسكع أمام دور الأزياء وقاعات التجميل. علي العزير
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©