الثلاثاء 16 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الأولمبياد وتسييس الرياضة

24 ابريل 2008 01:54
من حسن حظ حكومة السودان أن تفجرت انتفاضة إقليم التبت الصيني الأخيرة والمستمرة في هذا الوقت تحديداً، الذي تجرى فيه الاستعدادات للدورة الأولمبية التي تستضيفها الصين، وأن يصبح خط الهجوم الأول على الصين وانتهاكاتها لحقوق الإنسان مرتبطا بتحركات ونشاطات الجماعات والمواكب والتظاهرات ضد العملاق الآسيوي الكبير، مرتبطاً بالتبت و''الدالاي لاما''، حسن حظ الحكومة السودانية تمثل في أن الحملة والدعوة لمقاطعة أولمبياد بكين بدأت أولاً بدعوى دورها في ''دارفور'' المعادي لحقوق الإنسان واتهامها بأنها لم تبذل ما ينبغي من جهد للضغط على حلفائها السودانيين لإيقاف (حرب الإبادة) في ''دارفور'' وتنفيذ قرارات مجلس الأمن بشأنه، إلى جانب لائحة مصاحبة من الاتهامات مثل أن الصين تورد للحكومة السودانية ''السلاح'' الذي تبيد به سكان ''دارفور'' المضطهدين من العرب المسلمين، ثم تفجرت ''انتفاضة التبت'' -التي يقول الدالاي لاما إنها تفجرت ذاتياً وليس له يد في تفجيرها- وتحولت الموجة العالمية المناهضة للصين وأولمبياد بكين من ''دارفور'' إلى ''التبت''· وتراجعت قضية ''دارفور'' من الواجهة إلى الخلف وفي كل الحوادث والمحاولات التي صحبت انتقال الشعلة الأولمبية من بلد إلى آخر وبخاصة في باريس، فغابت دارفور عن الصورة والأحداث واحتلت مكانها صور التبت و''الدالاي لاما''، فقط عندما وصلت الشعلة الأولمبية إلى الولايات المتحدة عادت ''دارفور'' -على استحياء- لتظهر مرة أخرى في خلفية الصورة! هذه الملاحظة التي هي نتيجة متابعة للأحداث التي صحبت انتقال الشعلة الأولمبية من الصين البلد المضيف لهذه الدورة إلى عدد من البلدان في آسيا وأوروبا وأميركا··· إلخ، تثير سؤالاً بديهياً عن العلاقة بين الرياضة كنشاط إنساني والمصالح الاقتصادية المباشرة للدول والحكومات، سؤال لن يجدي في الرد عليه قول الصين وغيرها إنه يجب الفصل تماماً بين الرياضة والسياسات، وإن الميدان الرياضي ليس مجال محاسبة الدول على سياساتها إيجاباً أو سلباً، فالواقع يقول إنه لا يمكن الفصل تماماً بين النشاطين والموقفين مهما زعم الناس أن الرياضة شيء والسياسة شيء آخر، وأن الرياضة مهما حاولنا عزلها عن السياسة فإنها على نحو أو آخر تتداخل معها السياسة، وحتى بالنسبة للصين التي أنفقت بلايين الدولارات إعداداً واستعدادا لهذه الدورة الأولمبية العالمية التي تستضيفها الصين الشعبية لأول مرة في تاريخها، فإنها إلى جانب المنافسة الرياضية كانت تنظر بعيداً لما ستحققه دورة بكين لها من مكانة واعتراف بدورها كقوة كبرى في عالم القرن الحادي والعشرين، فالصين التي ظلت على مدى الخمسين عاماً الماضية تسعى بخطة وبرنامج مرسوم لتحتل مكانها في العالم كإحدى القوى الكبرى -ربما كثاني القوى الكبرى- التي ستلعب دوراً مؤثراً في مصير وتحديد السياسة العالمية والعلاقات الاقتصادية بين الدول والشعوب، وذلك هدف مشروع لا تخفيه الصين مهما حاولت التواضع والإصرار على أنها ما تزال إحدى دول العالم الثالث! وخصوم الصين ومنافسوها الذين يعرفون ذلك جيداً عندما حانت ساعة المفاصلة وتحديد المصالح الوطنية، وجاء أوان وزن المصالح الوطنية الاقتصادية، لم يندفعوا وراء شعارات المواكب والمظاهرات ولم ولن يقاطعوا الدورة الأولمبية من أجل ''التبت'' أو ''دارفور''، صحيح أنهم وجهوا نقداً وهجوماً لفظياً ضد الصين وانتهاكاتها لحقوق الإنسان، ولكنهم من الوجهة الأخرى ظلوا حريصين على تجنب أي حديث غير مسؤول عن مقاطعة الصين اقتصادياً عقاباً لها على مواقفها في التبت أو دارفور، فالصين في الميزان التجاري تمثل الشريك الثاني لدول الاتحاد الأفريقي الذي يزحف بقوة واقتدار ليصبح الشريك الأول محتلاً مكانة كندا· عبدالله عبيد حسن
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©