الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

أزمة القوات الأممية

23 فبراير 2011 21:29
عبدالله عبيد حسن لاشك أن الأحداث الدرامية التي جرت وما تزال قائمة في بعض الدول العربية أصبحت الشغل الشاغل للرأي العام العربي من المحيط إلى الخليج خاصة وللرأي العالمي عامة. والسودانيون أيضاً مشغولون بها، إلا أن للسودان الآن وفي مقبل الأيام مشاغله الخاصة، والتي بدأت تظهر على سطح الحياة السياسة بشكل يكاد يغطي على ما سواها من أخبار الثورات. فالحديث المعاد والمكرر عن القضايا المعلقة بين الشمال والجنوب (أبيي- ترسيم الحدود - الجنسية المزدوجة والنفط)، المأمول أن يتم حلها قبل يوليو القادم، تبدو عصية على الحل ليس فقط لضيق الزمن المقرر، لكن كما هو واضح ومتفق عليه في الرأي بين معظم الخبراء وأعضاء اللجان المشتركة التي شكلها حزب "المؤتمر الوطني" و"الحركة الشعبية" لمعالجة تلك القضايا التي تتحرك ببطء شديد يراه البعض مقصوداً لأسباب يعلمها الشريكان المتشاكسان، بل أكثر من ذلك صدرت تصريحات صحفية عن بعض رؤساء تلك اللجان اتهمت الأعضاء الجنوبيين بتعمد الغياب عن بعض اجتماعات اللجان (مثل اللجنة المشتركة لترسيم الحدود) لتعطيل وتعويق عمل اللجان. والآن لاحت بوادر أزمة جديدة، فمنذ أسابيع رشحت تسريبات صحفية عن مصير القوات الأممية بعد إعلان قيام دولة جنوب السودان في يوليو المقبل، وبدأت الأحاديث والتصريحات "لمصادر عليمة" بأن حكومة الشمال، ستطلب من الأمم المتحدة مغادرة قواتها الموجودة بنص اتفاقية نيفاشا لمساعدة السودان ومراقبة تنفيذ اتفاقية السلام الشامل، وأن مهمة تلك القوات قد انتهـت بإجراء الاستفتاء، وقرار الجنوبيين إقامـة دولة مستقلة. إلا أن حكومة الجنوب، كانت تصدر تصريحات مفادها أن الجنوب سيطلب من مجلس الأمن تمديد سريان بقاء تلك القوات، لأنه يعتبر أن مهمتها الأصلية هي المحافظة على السلام، الذي تحقق وأن وجودها لا ينتهي بقيام دولة الجنوب، لأن تنفيذ بنود اتفاقية السلام، لم يكتمل بعد، وأن القضايا المعلقة بين الدولتين لن تحل بسهولة ويسر بل إن تلك القضايا -في نظر الجنوب- إذا لم يتوصل الطرفان لحلول مرضية، ستكون أكبر مهدد للسلام ومؤشرات خطيرة لعودة الحرب الأهلية. المناقشات حول قانونية وجود قوات الأمم المتحدة بعد يوليو الذي تراه الخرطوم تهديدا ونقصان لسيادة السودان، وليس من حق الأمم المتحدة أن تتواجد قواتها في الأراضي السودانية من دون طلب وموافقة الحكومة ارتفعت وتيرتها عندما صرح قيادي في "الحركة الشعبية"، بأن حكومة الجنوب قد استقر قرارها أن تطلب "منفردة" من مجلس الأمن تمديد سريان وجود القوات التابعة له على خط الحدود الفاصل بين الدولتين (داخل الأراضي الجنوبية)، بل قد تطلب زيادة أعدادها، الأمر الذي قوبل باستنكار واستهجان من قبل "المؤتمر الوطني" واعتبره البعض جزءاً من مؤامرة جنوبية تخفي أهدافاً خطيرة. وبعيداً عن النقاش القانوني حول هذه القضية الشائكة، فواقع الطلب الجنوبي يعكس بشكل واضح انعدام الثقة التاريخي من جانب الجنوبيين نحو حكومات الشمال حتى بعد أن تحقق لهم ما أرادوه واعترف الشمال حكومة ومعارضة بنتائج الاستفتاء. هذه القضية الحساسة مؤشر سيئ لعلاقات المستقبل المرجوة بين الدولتين، وهي على أرض الواقع تعني أن كل الأحاديث والعبارات الطيبة عن حسن الجوار والتعاون والروابط الاجتماعية التاريخية بين الشمال والجنوب هو نوع من الكلام الاستهلاكي الذي يبطن ما يخفيه المستقبل. لقد اقترحت المعارضة السودانية مجتمعة على الطرفين ميثاقاً وطنياً يشارك في وضعه كل السودانيين ممثلين بأحزابهم ومنظماتهم المدنية وشخصياتهم الوطنية المستقلة، ويتعاهدون عليه كعهد هدفه الأسمى حسن الجوار والتعاون بين الشمال والجنوب ... وبعيداً عن كل المبادرات والاختلافات الحادة بين الحزب الحاكم ومعارضيه، فإن هدف المعارضة، هو وضع ضمانات تطمئن الجميع، وتنهي حالة فقدان الثقة التاريخية بين الشعبين، ولأنها تعلم أن التدخل الأجنبي، الذي تشير إليه أصابع الاتهام بلعب دور كبير في فصل الجنوب مستفيداً من الشروخ الكبيرة في نسيج العلاقات الاجتماعية السودانية. ولا يمكن وقفه إلا بتوافق السودانيين شمالًا وجنوباً، وقناعتهم بأن المستقبل يكون لحسن الجوار والتعاون وتغليب المصالح المشتركة على أجواء وروح العداء.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©