الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

أحمد الغافري يرصد موضوعة الحب في التحولات الاجتماعية

أحمد الغافري يرصد موضوعة الحب في التحولات الاجتماعية
28 فبراير 2014 23:44
محمد وردي (دبي) ـ في مجموعته القصصية «زوبعة نسائية» الصادر حديثا، يتناول القاص أحمد سالم الغافري، موضوعة الحب من رؤى مختلفة تعبر عن حالة التنازع الاجتماعي ما بين القديم والجديد، في ظل تحولات اقتصادية متسارعة تشهدها الإمارات خلال العقود الثلاثة الأخيرة. المجوعة القصصية صادرة عن دار «هماليل للطباعة والنشر»، وتتألف من مئتين وأربع وخمسين صفحة من القطع الوسط، وتتضمن أربع قصص، الأولى بعنوان «سأكسبك بخسارتي»، والثانية حملت عنوان «أنا ومديري والاجتماع» والثالثة «غلطة لن تغتفر»، والرابعة «زوبعة نسائية» والتي حملت اسم المجموعة وامتدت على مائة وخمس وستين صفحة من الكتاب، ومؤلفة من أربعة وعشرين فصلا، وتكاد تكون رواية قصيرة. القصة الأولى في المجموعة تؤشر وكأن المشهد ينفتح على تغيير جارف، سيمسح العادات والتقاليد الموروثة من ذاكرة المجتمع، وبخاصة فيما يتعلق بالمرأة ودورها الفاعل، الذي باتت تُمسك به باقتدار ومهارة وندية، حيث تظهر «دانة» سيدة الأعمال الناجحة، الواثقة من نفسها وإمكانياتها وخبراتها، العارفة بلغة زمانها ومكانها، التي تقتحم عزلة الموظف الحكومي عبد العزيز في مقهى صار كمطحنة للوقت، فيظن أنه مقبل على مرحلة جديدة تبدد بعض الملل والكآبة التي تلف حياته، فـ «ابتسم لها وهو ينظر إلى عينيها، فردت على ابتسامته بمثلها» ما جعله يظن انه أمسك بجواز السفر إلى مرحلة أقرب إلى قلبها، فحاول وصل الجسور بإكليشهاته المعتادة، «يبدو لي أننا التقينا من قبل»، وفي المرة المقبلة، التي يداري إدمانه على المقهى بغرض رؤيتها، وعندما تهل على المقهى يتظاهر بجمال الصدفة، فـ «ردّتْ عليه بسرعة كعادتها، وكأنها تعرف كل أسئلته قبل أن يتفوه بها: لم تكن مصادفة فأنا صاحبة المقهى وانت زبون دائم» فيزداد تعلقاً ببداهتها وقوة شخصيتها، ويتمادى بالإنفاق على مظهره وسياراته المستأجرة لمجاراة ترفها ونعيمها، وينتهي اللقاء الأخير بحضورها مع خطيبها الذي تقوده مباشرة لتعرفهما على بعض «هذا عبد العزيز الذي كنت أحدثك عنه» وغادرت المقهى على عجل كعادتها، مخلفة وراءها جراحاً تنزف. في حين نرى أن العادات والتقاليد الاجتماعية بقصتي «غلطة لن تغتفر» و«زوبعة نسائية» وكأنها جبال جليدية راسخة، ترزح المرأة تحت برودتها وقسوتها باستسلام قدري لا فكاك منه، إذ حينما تتمرد «عليا» على تخطي سور الجامعة للقاء محبوبها بالسر، فينكشف أمرها للإدارة، ويكون الرد بالفصل الفوري، وترحيلها لأهلها، حيث يستقبلها الأب بكل فحولته وذكورته لمسح العار، يعاونه الأخ في تهشيمها لترقد بالمستشفى لأكثر من شهر، وعندما تغادره، فإلى أحضان شيخ أكبر من والدها، للزواج منه على «سنة الله ورسوله، للسترة». وكذلك الحال مع لطيفة، التي تترعرع مع عبد العزيز يوماً بيوم، وعاماً بعام، وعندما تورق براعم الحب، وتتضوع بشذاها ونداها البريء، الساعي للتلاقي والاكتمال في سيرة البهاء الإنساني، تحاصرهما «شيعّيتها» و«سُنّيته» ليحترقا بالحقد المذهبي الدفين، الذي لا يفتأ أن يتأجج أكثر سُعاراً وضراوة في كل تلاقي، حتى ولو كان على مستوى قلبين بريئين، لا يعرفان من الماضي «الفتنوي» البغيض شيئاً البتة. فتتوالى الأحدث، وبعد عودته من التطوع استجابة لنداء الوطن، يكتشف أن لطيفة استسلمت لقدرها «الشيعي» وتزوجت من ابن خالتها، وأيضاً هو يستسلم لرغبة الأهل، ويسافر للدراسة بالخارج ومن ثم العودة بالشهادة، وبدء العمل والنجاح، الذي يليه لا محالة، الرضوخ لسطوة العرف الاجتماعي، فيستسلم لاختيارات الأهل والقبول بالزواج من مريم، ويكتشف في شهر العسل، أن قلب الأخيرة مع رجل آخر، فيحصل الطلاق، وينغمس مجدداً في العمل لعله يحظى بنعمة النسيان، ولكن هيهات للقلب المدمى أن ينسى، فتسوء حالته الصحية والنفسية، وفي النفس الأخير يبرق نجم لطيفة مجدداً، وتكشف له أن زوجها هو عاشق مريم وأنه طلقها، وتزوج من مطلقته. فيتعاهدان على الزواج مهما حصل، ويأتي قبول الأهل بأسرع مما كانا يتوقعان، «لأن صلاحيتهما انتهت expir». ومع ذلك يحول القدر من دون اكتمال اللقاء، حينما تموت لطيفة بالذبحة الصدرية قبل العرس بساعات. أما القصة الثانية فهي تعالج علاقة المرؤوس بالرئيس بالمعنى الوظيفي، التي لم يعرف السرد العربي لها نمطاً، يصلح لحكاية جذابة بأبعادها الإنسانية، سوى التصادم والتنافر والغلظة والقسوة، فعلى الدوام كان المدير حاضراً بأضغاث أحلام موظفيه. وإذا ما شذت عن القاعدة علاقة جميلة ما بين الموظف والمسؤول، فلن تجد طريقها للسرد القصصي أو الروائي بذاتها. وربما يعود ذلك لغياب العلاقة السوية بين الموظف والمسؤول، التي يفترض أن تقوم على أساس الكفاءة أكثر من المحسوبيات. القَفلة الجذابة القصة لدى الغافري تتميز بما يمكن أن نسميه «القفلة القصصية» الجميلة، حتى في القصة العادية جداً، مثل قصة «أنا ومديري والاجتماع»، التي تقوم على ثيمة العلاقة السلبية بين الموظف والمسؤول، من خلال فكرة التأخير عن اجتماع يدعو إليه مدير المؤسسة، فيصل الموظف متأخراً أكثر من نصف ساعة، ويعد نفسه بحسم من راتبه وتأنيب مطرز بالزعيق والصراخ. وعندما يدخل قاعة الاجتماع لا يجد أحداً، فينتظر وينتظر، وبعد أن يمل الانتظار يستفسر من السكرتيرة، عن سبب غياب الجميع عن «موعد الاجتماع الساعة الثامنة من صباح الأربعاء»، فترد بسخرية، وهي تحدق بشاشة الكمبيوتر، «نعم هو كذلك.. ولكن اليوم هو الثلاثاء». كذلك تتميز قصص المجموعة بتداعيات السرد السلس، ما يجعل قراءتها تكتمل بحدود خمس أو ست ساعات على أبعد تقدير، رغم حجمها الكبير. ولكن يؤخذ على الكاتب والناشر على حد سواء، فداحة الأخطاء ليست القواعدية فقط، وإنما الأخطاء، التي تجعل القارئ يظن أن الكاتب مستشرق في أولى محاولاته مع الاستعراب، مثل أن يكتب حرف النون بدلاً من التنوين في «كل» فتصبح «كلن»، والخلط العشوائي بين العامي والفصيح، من شاكلة الأخطاء التي تؤكد أن الكاتب لا يعرف المفردة إن كانت عامية أو فصيحة، وسوى ذلك من الأخطاء الفادحة، التي لا مجال لسردها، لأنها تتكرر بشكل مبالغ فيه. ما يستدعي حرص الكاتب بالدرجة الأولى على القراءة ومن ثم القراءة، ومن ثم القراءة، قبل الإقدام على كتابة نص جديد. وكان يمكن تلافي الكثير من هذه الأخطاء لو أن الكاتب، أو على الأقل دار النشر استعانت بمصحح متمكن من اللغة.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©