الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

البيروقراطية الأميركية.. هل تستعيد ماضيها «المهاب»؟

11 مارس 2018 23:43
لا تزال قائمة تهم إساءة استخدام الثقة العامة والموارد من قبل وزراء حكومة ترامب آخذة في التوسع. وتضم هذه القائمة طقم العشاء الخاص بوزير الإسكان والتنمية العمرانية «بن كارسون»، الذي يقدر ثمنه بنحو 31 ألف دولار، وتذاكر السفر الخاصة بوزير شؤون المحاربين القدامى «ديفيد شولكين» وزوجته، وتذاكر السفر الخاصة بمدير وكالة حماية البيئة «سكوت برويت» في الدرجة الأولى، واستخدام وزير الداخلية «ريان زينكي» ووزير الخدمات الصحية والإنسانية السابق «توم برايس» للطائرات الخاصة والعسكرية، والتي يمولها دافعو الضرائب، فيما يزعم أنه رحلات خاصة وغير ضرورية. وفيما تتوسع هذه القائمة، هناك نقطة أهم ينبغي التركيز عليها: هل هذا ما تبدو عليه البيروقراطية الأميركية ككل؟ هذه بعض أنواع الإجراءات التي تنتج هذا النوع من البيروقراطية التي ننتقدها. يعد الهجوم على البيروقراطية نقطة معارضة مفضلة للحق السياسي المناهض للحكومة. ولكي نكون واضحين، أعتقد أن بيروقراطيتنا الفيدرالية هي أصل من الأصول الوطنية الضخمة، وشيء يجعل الولايات المتحدة استثنائية. ولاشك أن خبرتي في العمل داخل البيروقراطية، أولاً كنائب لوزير الخارجية وبعد ذلك كسفير للولايات المتحدة، جعلتني أكن احتراماً كبيراً للآلاف من الأميركيين الذين يعملون بجد نيابة عنا كل يوم، ليس بدافع الشهرة ولا الثروة، ولكن بالأحرى بدافع الالتزام الجاد لروح الخدمة العامة. وتسعى دول أخرى إلى محاكاة نجاحنا في هذا الصدد. لكن بالنسبة لهؤلاء الذين يحبون استخدام ديمقراطيتنا ككلمة منفرة، فإن هذه الكلمة لها معنيان: «ماذا» و«كيف». المعنى الأول «ماذا» يستخدم عند الإشارة إلى الأشخاص الذين يشكلون مؤسسات الحكومة. إذ يود الكثيرون في اليمين رؤية الحكومة صغيرة للغاية لدرجة أنها تكون غير فعالة (انظروا إلى هجوم إدارة ترامب على وزارة الخارجية، أو مشروع قانون الضرائب الذي تم الدفع به العام الماضي من خلال الحزب الجمهوري الذي يهدف إلى خلق أزمة في تمويل الوظائف المهمة في الحكومة الفيدرالية، وسيقود إليها حتماً). وكثيراً ما يفند اليمين، بشكل غير عقلاني، الروح الوطنية وأخلاقيات العمل لموظفي الخدمة المدنية الذين يقضون حياتهم المهنية في العمل على دفع رسالة المؤسسات الحكومية تحت قيادة الحزبين. إنه موضوع مناسب للجدل السياسي أن نناقش الوظائف والموارد التي تحتاج إليها الحكومة لأداء عملها، وتحقيق أهداف المصلحة العامة. ولا يعتقد أي شخص عاقل أن الحكومة يجب أن تكون أكبر مما هي عليه بالفعل. لكن في أحيان كثيرة، في هذه الأيام، نسمع مناقشات لا تتعلق بالأهداف والوسائل، ولكنها بالأحرى انتقادات للحكومة. ولا تؤدي هذه الانتقادات سوى إلى السخرية التي تصيب سياستنا. وبالطبع، عندما يكون لديك قادة للوكالات الفيدرالية يسيئون إلى الثقة العامة، فإن هذا يسهم في جعل مزيد من الناس يكرهون الحكومة بشكل عام. وسلوكهم غير الأخلاقي يخدم مصالحهم الشخصية وأهدافهم السياسية. أما المعنى الثاني للبيروقراطية، فهو «كيف»، أي الطريقة التي تعمل بها الحكومة التي يراها البعض غير كفؤة ويعوقها «الروتين». وأحياناً تكون هذه الهجمات مجرد غطاء لمحاولات تقويض الوظائف الحكومية التي تستحق الثناء، مثل حماية الأفراد من التمييز أو حماية الأراضي العامة من الجهات الفاعلة الخاصة. لكن أي شخص عمل في الحكومة يعرف أن هناك أوقاتاً تأتي فيها «الكيفية» التي تعمل بها البيروقراطية في طريق إنجاز المهمة. ويحب الكثيرون خارج الحكومة السخرية من كفاءة الوكالات الحكومية، فهم يمزحون من عدد النماذج أو التوقيعات المطلوبة، وعدد الأشخاص الذين يتعين عليهم الموافقة على شيء ما والالتزام الصارم باتباع العمليات القائمة، ولديهم وجهة نظر. فقد كانت هناك أوقات كثيرة أقول فيها بيني وبين نفسي: «يا إلهي، هذا أمر ممل وغير ضروري»، سواء كنت أملأ الملاحظات عن الموظفين أو القيام بحجوزات السفر. لكن هنا تكمن المشكلة: فكلما ظهرت عملية مزعجة أو قاعدة تبدو «غبية»، فإن السبب في ذلك ليس لأن البيروقراطيين يحبون القواعد، ولكن لأن بعض الحمقى اتخذوا قراراً خاطئاً وفعلوا شيئاً غير أخلاقي أو أحمق. فاتخاذ قرارات خاطئة من قبل العاملين لصالح الحكومة هو المصدر الرئيسي لكل أنواع القيود التي يسوقها هؤلاء الذين يهاجمون البيروقراطية كأمثلة على عدم الكفاءة البيروقراطية. وبالطبع، فقد ارتكب الديمقراطيون أخطاء أيضاً. (قرأت في مقال بصحيفة «واشنطن بوست» أن وكيل وزارة التجارة في إدارة أوباما كان يقيم في فنادق فاخرة فوق المعدل المسموح به ويشكو من عدم جودة الكوكتيل الذي يتناوله). بيد أن السلوك الأخلاقي المنتشر على نطاق واسع وتهم سوء الحكم لمسؤولين في إدارة ترامب يثير قلقاً مضاعفاً. أولاً، لأنه يلحق ضرراً هائلاً بثقة الناس في الحكومة. وثانياً، لأن القيادة تبدأ من القمة، وإذا كانت هذه هي الطريقة التي يتعامل بها الوزراء في الحكومة، يمكننا منطقياً افتراض أن المستويات الدنيا من المسؤولين السياسيين لديهم نفس الأخلاقيات. ومن المرجح أن تؤدي سلوكيات وزراء الحكومة، في نهاية الأمر، إلى انتشار قواعد ونظم جديدة تحكم الطريقة التي يعمل بها موظفو الحكومة. وهذه القواعد قد تبطئ عمل الأشخاص المحترمين الذي يمارسون حكماً رشيداً في عملهم من أجل الحكومة الفيدرالية. وعلاوة على ذلك، ربما يجعل هذا من الصعب بالنسبة لكبار المسؤولين في المستقبل القيام بعمل مهم للشعب الأميركي. هذا ما تبدو عليه البيروقراطية: فالانتهاكات الصارخة للقواعد ستؤدي حتماً إلى استنتاج مفاده أن السلوك يجب أن تحكمه القواعد واللوائح والقوانين. *دبلوماسي مقيم في كلية جوزيف كوربيل للدراسات الدولية في جامعة دينفر عن دورية «فورين بوليسي» ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©