الخميس 18 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

في ميدان (الكتابة)

في ميدان (الكتابة)
23 فبراير 2011 19:51
كان الشبان المصريون الغاضبون ساهرين في ميدان التحرير بالقاهرة ينقبضون وينفرطون حول الصحن الدائري كنبضات قلب صوّره أمل دنقل في مناسبة مشابهة عند تمثال الكعكة الحجرية. كنا في هذا الحفل العولمي في الحدث عبر المسافات والحدود فنهرع لكلماتنا لنقيم ميدانا آخر للكتابة. يوماً فآخر كانت شاشة الحاسب تحتشد بتعليقات تلخّص صدى لحظات الانغمار مع موج ضمائر ألهبها العسف، وفجَّر صبرها الحرمان، فكان من بين ما تدون: الشعب يريد.. تقول إحدى الرايات وتتحول صرخة موقَّعة كهتاف.. هي إذن لحظة تناص هائلة مع صرخة الشابي إذا الشعب يوما أراد الحياة.. للشعر الأعزل جدوى في يوم العصف العارم.. وتذكرت أنني كتبت منذ أشهر في “الاتحاد الثقافي” عن قصيدة الشابي التي صارت عنوانا لانقلابات الثوار العرب ولازمة لبياناتهم الأولى. لم يدر في خلدي أن القصيدة ستكون شعار ثورة من أكثر لحظات التاريخ صدقا ونقاء. لم يتح لي التوقيع على بيان المثقفين العرب انتصارا للشبان الثائرين. قرأته منشوراً فكتبت لصديقي أمجد ناصر طالباً أن يضيف اسمي ولو للنسخة الإلكترونية من البيان، محاولة لرد النسيان وتعبير عن إحساس يخرج عن المعتزل البعيد للجسد والدنو اللصيق للروح. الحديث عن الحرية في بلد كمصر لا يدركه إلا من عاش بعض تفاصيل الطابع البوليسي للسلطة المتدثرة عارية بأغطية الديمقراطية: يحصل أن أدعى ثلاث مرات في العامين الأخيرين لأنشطة ثقافية ولا تأتي تأشيرتي لدخول مصر بسبب جوازي العراقي. إشكالية طالت زملاء آخرين ولم تُجدِ معها تفسيرات الأصدقاء الذين ليست لهم سطوة التصريح لنا بعد أن قاموا بدعوتنا مخلصين. الفتاة التي يضيء جمال وجهها وتسرع كلماتها متزاحمة في فضاء طلعتها التلفزيونية يزيدها الغضب جمالاً. أتذكر “الحرية تقود الشعوب” لديلاكروا حيث الجميلة تتقدم صفوف الثوار وامرأة نصب الحرية لجواد سليم تتصدر الملحمة التحررية. الفن يتحرر بنهضة الشعوب: خبر عن فيلم ينتجه سينمائي تونسي عن بوعزيزي مشعل حرائق الحرية من كوة عربته. وأفكر بعمل سردي لا بد أن يُكتب، سيؤرخ ليوميات الغضب وأساطير أبطالها البسطاء.. هو أكثر أهمية من عشرة أيام هزت العالم احتكاما إلى الواقعة ومغزاها. الميدان كما في الهبّات الكبرى للشعوب وبهدي حنين الحرية يذيب الفوارق ويلغي الهويات والانتماءات، فتصطف ألوان وطبقات ومعتقدات وأديان. لم ينس المعتصمون أن يؤكدوا إخاءهم، كانت الأصوات ترفض التراتبات كلها، وتسمي الجميع رعاة لحقل الحرية. هي ثورة رفض للتطرف والتمييز إذن. لا تفارق الدعابة أرواح المصريين: تعجن المآسي أجسادهم وتهدهم المصائب والأزمات فيواجهونها بضحك متصل ينطوي على أبلغ الدلالات. تظهر اليافطات الهزلية: “ارحل، إيدي وجعتني” يحملها شاب جلس متعباً على الأرض بينما يطلب طفل من الحاكم أن يرحل كي يرى أفلام الكارتون لأن أهله حرموه من ذلك بمتابعة الأحداث.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©