الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

شعب الباراجواي··· وما وراء الدكتاتورية

شعب الباراجواي··· وما وراء الدكتاتورية
23 ابريل 2008 00:21
تواصل المرح الصاخب أمام دار العدالة في ''أسونسيون'' حتى ساعة متأخرة من الصباح، وتبادل الناس التهنئة، ورقصوا على أنغام الموسيقى، وتعلق بعض صغار السن منهم، بأعمدة المباني، وقد لفوا أجسادهم بعلم البلاد، كان الباراجوائيون يحتفلون بهزيمة حزب ''كولورادو'' الذين عاشوا ستين عاما ونيف تحت نير حكمه، على يدي حزب'' التحالف الوطني من أجل التغيير'' الذي يقوده الأسقف الروماني الكاثوليكي السابق'' فرناندو لوجو''، الذي تمكن من طي الصفحة الأخيرة في سجل الأنظمة السلطوية، ما جعل الشعب قادرا بعد طول انتظار على استنشاق ما يأمل أن يكون النسمات الأولى للديمقراطية الحقيقية· وحزب ''الاتحاد الوطني الجمهوري'' المعروف بحزب ''كولورادو'' لم يكن منظمة سياسية فحســـب، وإنمـــا كان إلى جانب ذلـــك أكبر جهة توظيف في البلاد، والجهـــاز البيروقراطي الذي ساعـــد على بقاء الجنرال ''سترويسنر'' في السلطة زهاء 35 عامـــا، وعلى الرغم من الإطاحة بالجنرال ''سترويسنر'' ذاته عام 1989 فإن حزب كولورادو الذي تأسس عام 1887 بقي بعده، واستمر قائما حتى الأحد الماضي، وكان الحزب قد نجح في البقاء طيلة تلك الفترة من خلال ربط نفسه بالمؤسسة العسكرية، وهو ما يعلق عليه ''جويدو رودريجيز الكالا'' المؤرخ الباراجوائي بقوله: ''كانت المؤسسة العسكرية دائما هــــي صانعــــــة الملــــــــوك فـــي باراجواي''· لقد بنى الحزب نظاما بيروقراطيا ورعائيا راسخا للدرجة التي أصبح يتماهى بها تقريبا مع الحكومــة (200 ألف من الموظفين الحكوميين كانوا أعضاءً في الحزب)، وخلال سنوات حكم ''ستروسنر'' كان أعضاء حزب ''كولـــورادو هـــم الذيــــن يشغلون الوظائف البيروقراطية يحصلون على 85 في المائة من الميزانية الاتحادية في صورة رواتب· ونظرا لأن الحزب المنتخب كان هو الذي يفترض أن يحكم المؤسسات، فإن الجنرال ''سترويسنر'' كان قادرا على أن يظهر للعالم الخارجي أنه رئيس يمتلك حكومة تبدو أقرب إلى أن تكون ديمقراطية منها إلى ديكتاتورية وحشية، ولكن في الحقيقة لم تكن هذه الحكومة تختلـــف في شيء عن غيرهـــا من الحكومــات في أميركا اللاتينية· وخلال فترة الخمسة والثلاثين عاما التي تمكن من قضائها في السلطة، سطر الجنرال واحدا من أسوأ سجلات حقوق الإنسان في نصف الكرة الغربي، حيث ألقت أجهزته القبض على آلاف الأشخاص، واعتبرت مسؤولة عن الآلاف من حالات الاعتقال السياسي، والعديد من حالات التعذيب، والاختفاء الموثقة، وكانت لإطاحة بالدكتاتور مع بقاء الحزب، تركت لدى قطاعات كبيرة من الشعب نوعا من الارتباط النفسي مع الحكم السلطوي، ولكن هزيمة الحزب في نهاية المطاف حققت نوعا من التطهر من الإرث السلطوي، الذي جعل المدينة تطلق لنفسها العنان في الغناء والرقص، يقول السيد ''مايكل شيفتر'' -نائب رئيس منظمة الحوار بين البلدان الأميركية بواشنطن-: ''هذا هو حقا تحول باراجواي الديمقراطي، لقد كانت بارجواي متأخرة كثيرا عن غيرها من الدول التي قطعت علاقتها مع السلطوية في أميركا اللاتينية''· لقد كانت باراجواي بحاجة إلى شخص من خارج المؤسسة السياسية مثل السيد ''لوجو'' كي يحدث هذا التغيير، خصوصا وأن اتصالاته بالناس، وعلاقاته الوطيدة بهم، خلال مدة خدمته كأسقف في الكنيسة، بعثت الأمل في نفوس كثيرين في هذه الدولة المعروفة بتدينها الكاثوليكي العميق، وقد هاجم السيد ''لوجو'' النظام القديم، وفساده، وركز بشكل خاص على الفقر المتفشي في باراجواي -33 في المائة من عدد السكان البالغ 6,7 مليون يعتبرون في عداد فقراء- كما خاطب الحس الوطني لدى الشعب عندما قال: إنه سيتفاوض مع البرازيل من أجل تحسين شروط الحصول على الكهرباء من سد ''إيتايبو'' الهيدرو كهربائي المقام على خط الحدود بين الدولتين، كانت الجاذبية التي يحظى بها هذا الرجل هي التي مكنته في النهاية، من اجتذاب العديد من أنصار الحزب الحاكم لصفوفه، فقبل الانتخابات كان 1,6 مليون نسمة من إجمالي عدد المسجلين في الانتخابات البالغ عددهم 2,86 مسجلين في عضوية حزب كولورادو، ومع ذلك تمكن ''لوجو'' في نهاية المطاف من الفوز بفارق 705 آلاف صوت، وهو ما يعني أن العديد من أعضاء الحزب، قد صوتوا ضد حزبهم· فمنذ عقد من الزمان تقريبا، تمكن ''هوجو شافيز'' من هزيمة حزبين ظلا يتبادلان السلطة في بلاده، لما يزيد عن نصف قرن، على الرغم من ذلك اضطر ''شافيز'' إلى إعادة كتابة الدستور من جديد كي يظل في السلطة، وإذا ما عرفنا أن التفويض الذي حصل عليه ''لوجو'' مقدرا بنسبة الأصوات التي حصل عليها في الانتخابات أقل من التفويض الذي كان لدى ''شافيز'' وأن حزب ''كولورادو'' -لا يزال إلى حد كبير حيا- على عكس حالة الحزبين الذي تمكن ''شافيز'' من قطع دابرهما، فإن المتوقع هو ألا يكون لدى السيد ''لوجو'' الفرصة التي ستمكنه من اتخاذ خطوات راديكالية مثل تلك التي اتخذها الرئيس الفنزويلي كما يقول المحللون، كما ذكر أحد كتاب الأعمدة ''بوكيا باز'' بقوله: ''يتعين على لوجو أن يحقق التقدم تدريجيا وأن تكون الخطوات التي يتخذها محسوبة جيدا''· اليكسي باريونيوفو- باراجواي ينشر بترتيب خاص مع خدمة نيويورك تايمز
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©