الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

عزف مُتقن على عود الشعر

عزف مُتقن على عود الشعر
28 مايو 2009 01:33
حياة الشعراء مُلْك للنّاس، هم نبضُهم الذي يحكي همومهم وأفراحهم، سرورهم وأحزانهم، أشعارهُم قصائد تضوع قوافيها بين الأجيال لترسم حكايات للمدى البعيد ولآفاق الغدّ القادم. وحكايات الشعراء وقصائدهم حكايات ماتِعَة مُؤْنِسَة، وهذا أحد أولئك الأعلام من شعراء الشعر النبطيّ في دولة الإمارات هو الشاعر المُبدع المُرهف الحسّ عتيج بن سيف القبيسي الذي ترك لنا قصائد عديدة في أغراضٍ شعريّة كثيرة. وقد اضطلعت لجنة الشعر الشعبيّ في نادي تراث الإمارات بجمع وإعداد أشعاره من قبل الباحثين محمّد إبراهيم الحديدي ود. غسّان الحسن، وأشرف على الديوان الشاعر الكندي مصبح الكندي، ويقع الديوان في 110 صفحات من القطع الاعتيادي. ولد الشاعر عتيج بن سيف بن بطي بن خلفون القبيسي في العام 1958م، في فريج القبيسات التي كانت ترتكز وادعة على رمال ساحل جزيرة أبوظبي قبل أن تطرق أبوابها رياح الحضارة وتبدِّل ملامحها الهادئة عواصف التغيير ومعطيات النهضة الشاملة فيها. ولم يكد الوليد عتيج يبصر النور ويبلغ من عمره شهرين حتى غاب والده عن الدنيا وترك له بصمة حزن لم تفارقه. وبعد أن شبّ وكبُر انعكست تلكم الصور الأولى المُختزنة من ألوان طفولته على نفسه فمنحته رقّةً ورفاهة حسٍّ، لذا انجذب شاعرنا صوب الشعر واستمع إلى قائليه وتأثر بعيون قصائد نبطيّة وعربيّة، فانطبعت نفسه بهِ وفاضّت قريحته بتجاربهِ الشعريّةِ الأولى التي جاءت على أوزانِ الألحانِ الشعريّة الإماراتية المحليّة كالرّدح والونّه. ثم راح الشاعر عتيج القبيسي يطور موهبته ويستزيد من بحرِّ الشعرِ إلى أن مَلَكَ ناصِية القَرِيض واللّغة، ووصل إلى ما وصل إليه من إتقانٍ وإبداعٍ أهلاّهُ لأن يُصبِحَ في الصّف الأول بين الشُعراء الشُبان في الإمارات في عصرنا هذا. وتلكم النفسّ الشّعريّة المُرهفةُ الحسِّ والنَفسِّ لم تنحصر موهبتها في الشعر، إنمّا جاوزته إلى التمكّن من العزفِ على الآلاتِ الموسيقيّة وعلى رأسها آلة العود، هذه الآلة التي تستخرج ما في الذّات، وتتسرب إلى غياهِبِ الذّات الإنسانيّة، لذا استنطق القبيسي العود وداعب أوتاره، فباحت له تلك الأنغام المُدوزنّة بأجمل الأنغام وأبدعت الألحان التي وجدت طريقها إلى حناجر المطربين المعروفين في الإمارات لينتج من تلاقح اللحنِّ والصوت المُعبِّر والكلمة ذات الإيقاع العذب أغانٍ مُطربةٍ شنفّت الآذان وترددت في ساحات الطرب، وصدحت بها وسائل الإعلام، وعلت بها الأصوات في المناسبات الوطنيّة والاجتماعيّة على حدٍّ معاً. الموسيقى و»شعر وفنّ» لقد أهلّت الشاعر مواهبه هذه لأن يكون في عام 1989م موظفاً بقسم الموسيقى في إذاعة أبوظبي، ثم لم يلبث أن أصبح في بداية التسعينات مساعداً لرئيس قسم الموسيقى. وعند إنشاء محطة الإمارات F.M عين شاعرنا مراقباً للمحطة، ثم نقل ليقوم بنفس المهمة في محطة صوت الموسيقى. أما أوّل وظيفة شغلها شاعرنا فكانت عملاً عسكرياً في مدرسة المدفعية في مدينة العين. إنّ تفوق عتيج القبيسي في ساحة الشعر جعلته ليُصبح واحداً من المُحررين المسؤولين في ملحق «شعر وفنّ» الذي كان يصدر سابقاً أسبوعياً عن صحيفة الاتحاد الظبيانية، حيث كان يُحرِّر فيه صفحتين نجدّ فيهما التوجيه العلميّ والفنيّ للشعراء الجُدد، علاوة على اللمسات واللقطات والملاحظات الصادقة الواقعيّة لما يدور في ساحة الشعر الشعبي في الإمارات. سبعون قصيدة أما ديوانه «سراب الأمانيّ» فتناول فيه الشاعر عدّة أغراض شعريّة مختلفة، حيث من الملاحظ على قصائد الديوان كونها قصائد غير مُطولّة بل هي قصائد لا يتعدى أبيات أغلب قصائد ديوانه العشرين بيتاً على الأغلب، في حين أنّ عددا كبيرا من قصائد ديوان عتيج تبلغ الستة أبيات، ممّا يمنحها النفس في تكثيف العبارات وقدرتها الغنائية من خلال إيقاعها الشعريّ الذي لونّه الشاعر في جُلّ قصائد ديوانه الجميل. ولذا جاءت عناوين قصائد الديوان كالآتي: «غربة وَهَم، الله يهنّيكم، عذبتيني، البدر، بكيفك روح، ياليالي، إلى ريم، آه، قصيدة، لو ترحلي، وفاء، الحب تالي، ظما، بحر حبك، مدلهمات الليالي، وين الوعد، ردّ الفؤاد، كذبة فرح، صحوه، حاول تنسّيني، رد الغشاه، بقايا شيء، غموض، أنا والليالي، دمعة.. وبدر، عادت الذكرى، أحاسيس وأماني، شمّا، أمسات.. واليوم، ليالي الياس، كلي لك، لفت نظر، سهم الهوى، سهران، الضحية، دمعة نغم، سراب الأماني، تغاريد الفرح، بسمة أماني، رحيل الآه، من يعزي من، نعم حبّيت، ياللي هجرت، قيد الأسر، رساله، ظروف الوقت، أنا لك، كل الهنا، مسموح، غرور، نهايه، قبضة الأقدار، شاعرك، غربة الآهات، حطام، قياس الحب، اسحريني، راحت، تناسى، غرايب رحلتي، غشّوك، نصيب، بعض السهر، يا حسرتي، ارحل، ضياع، الانتظار الطويل، فوز دنياي، أرباح وأخيراً نهاية حب». ولكنّ قصائد ديوان «سراب الأمانيّ» للشاعر عتيج القبيسي لم توزع على أغراضها الشعريّة، بل جاءت مُتسلسلة من دون أقسام وعنوانات للديوان. فنقرأ في أوّل قصائد الديوان» غربة وهم» قوله: أطْوي خُيوط العْمر وامشي بْسِكِّتي والآه تتبعني وانا أتبع وَهَمْ إذا وقَفْتْ أتعب وتمضي دنيتي واذا مشيت أدمتْ مِشاويري القَدَمْ غربةْ سحاب الصّيف كانت غربتي غُربة أماني ضاعت بليلٍ عَتَمْ غُربةْ حُروف اعيشَها في وحْدتي تتسابق وتشعِل وسَط صدري حِمَمْ حرفٍ رسَم عُقْب السعاده حسْرتي وحرفٍ أحِسّه بين آهاتي ارِتسَمْ واخر كتَب خلف الليالي قصّتي يشرح تفاصيل التأثّر بالألمْ قصّة غرام اتعبتْ فيها خُطوتي واللّي هواها القلْب في بُعد النجِمْ وفاء وصحوة القبيسي وهذه قصيدة «وفاء» التي يقول فيها عتيج القبيسي: أنا اللي مَلّ من جفْن السَهر عمري وصُبحي ينتظر يَغْسِلْ شِقا سَنيني وانا اللي يَشتِكي من صُحبتي صبري وهمّي يطلب فْراقي ويِرْجيني وشَمسي تَحْتَضِن فَرْحْ وضِيا فجري وبالبسْمه لِدنياها تِناديني وانا وْصبري وهَمّي وليلي وفِكري تِوادَدْنا فكيف اهجُر مُوِدّيني انا معْهم حَليف وخِلّ من صغري رَبيت فْ حُضْنُهم عاشق مِرَبّيني فكيف ارحلْ الى اللي ما سِكَن شعري وأنساهم ومن عَنْهمِ يسلّيني أما قصيدة الشاعر «صحوه» فيرسم للقارئ صورة مُعبرّة عن تثاؤب الليل في أحضان الفجر المُشعشع بالخيوط الذهبيّة، وقد أثقلته جفونه من السهر فلابدّ له من أخذ قسط من الرّاحة: عندما يتْثَاوب الليل في حِضْن الفَجِرْ تثْقَل جْفونَ ويَنْوي يسْتَريح مِنْ السَفَرْ عِنْدما يتْوسّد احلامَه وتِصْحى شمْسَنا اشعُرِ بْغربة غَريقٍ يلْتِجي بْغيّة بحَرْ عِنْدما يَدنو الفراق وترْحَل نْجوم المَسا وترْحل احلامٍ نسَجها الليل في صَحْوة قمَرْ عنْدها لا راحَتي راحه ولا شمْسي ضِيا ما اقْدَر أشُوفك مِغادِرْني إذا النور انْتشر عِنْدما تَغْفو عُيون الليل تصْحى حيرْتي ودّي إنّ الليل يَرْجَع قَبل مِيحان السّحَرْ
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©