الثلاثاء 23 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

إشكاليّة النّصّ المفتوح

إشكاليّة النّصّ المفتوح
28 مايو 2009 01:32
لقد بدأ الحديث يدور في العقود الأخيرة بين كبار النّقّاد عن مفهومين جديدين لم يكونا يدوران من قبل في اللّغة النقديّة المتداوَلَة، وهما: «النّصّ المفتوح» (Le texte ou­vert)، و»النّصّ الْمُغْلَق» (Le texte clos). وإذا كان النّقّاد الجدُد حين يتحدّثون عن هذين المفهومين، أو قل: عن هذا المفهوم الواحدِ المزدوجِ الوظيفةِ يزعمون أنّ «النّصّ المفتوح» و»النّصّ الْمُغْلَق»، قد يكونان شعراً كما قد يكونان سرداً؛ فإنّهما، في الحقيقة، يتمحّضان للنصّ السرديّ أكثر مما يتمحّضان للنصّ الشعريّ؛ إذْ كان الأمر، أساساً، ينصرف إلى كيفيّة بناء الشريط السرديّ: أي إلى كيفيّة بدء الحكاية، وكيفيّة إنهائها... أي إلى اصطناع ما يعرف بالدَّائريّة (Circula­rité) في التعامل مع النّصّ السرديّ إلى درجة أنّ بعض الكتّاب الفرنسيّين يبدأون نصوصهم الروائيّة بالحرف الصغير (Minus­cule)، عوضاً عن حرف البداية الكبير (Majus­cule)؛ كما جاء ذلك الروائيُّ الفرنسيّ جاك هِنْريك في روايته المنشورة تحت عنوان: «مبدأ الحياة». ويمكن أن نحدّد النّصّ المفتوح على أنّه هو القابلُ لأنْ يقعَ الاِبتداءُ به بمثل ما يقع الانتهاءُ عليه، فيه؛ فيكون دائريّاً بهذا التصوّر. غير أنّ هذا التحديد مجرّد تقديم فكرة عن المفهوم، وابتذال لها ما أمكن، وإلاّ فإنّ الأمر ليس بهذه البساطة من التمثّل؛ ذلك بأنّ النّصّ المفتوح قد لا يقع الانتهاءُ به بمثل ما كان وقع به الابتداء؛ فيُلْتَجَأَ إلى الاستعاضة عن ذلك، في اللغات الأوروبيّة، باصطناع حرف البداية الصغير، عوضاً عن حرف البداية الكبير. في حين أنّ آخر النّصّ يُترك مختوماً بفاصلة(،)، أو ثلاثِ نقاطٍ(...)، دون الفَزَعِ إلى علامات الانتهاء المعروفة وهي النقطة(.)، أي يترك مفتوحاً على كلّ تأويلات القراءة الأدبيّة، ليُسْهم القارئ في إنهائه على النحو الذي يبدو له. من أجل كلّ ذلك لم نذكر قضيّة حرف البداية الصغير، ولا حرف البداية الكبير الدالّ في لغاتهم، فعْلاً، إمّا على العلَميّة، وإمّا على ابتداء الكلام. ذلك بأنّ اللّغة العربيّة، وكلّ اللغات الشرقيّة التي تستعمل الأبجديّة العربيّة، لا يُلتجأُ فيها، بالضرورة، إلى مثل هذه التقنية التي تستعمل الأبجديّة اللاّتينيّة. ولذلك قد تكون علامةُ النّصّ الأدبيّ المفتوح في اللّغة العربيّة هي «الدّائريّةَ» (Circula­rité) فيه، قبل أيّ شيء آخر. ومع ذلك، يظلّ هذا الشكل من النّسْج الأسلوبيِّ غيرَ واضحٍ بطبيعة الأمر، بل يحتاج إلى قراءة نقديّة متأنّية للكشف عن خفاياه التي كثيراً ما يدسّها الكاتب الروائيّ خصوصاً تحت أيّ تقنيّة يرتئيها. وكلّ كاتب، أو شاعر، يعمِد إلى البدء ـ من الوجهة التقليديّة ـ بغير ما كان يجب أن يبتدئَ به نصّه المكتوب ـ السرديّ خصوصاً ـ و/أو إلى إنهائه بغير ما كان يجب عليه أن يُنْهِيَه به، ـ فلا يأتِيَ في الحقيقة بنهاية ـ فهو يكتب نصّاً مفتوحاً. ولذلك يقال في مصطلحات السينما: «نهاية مفتوحة» إذا انتهت أحداث الشريط دون توضيح الحلّ للعقدة التي قام من أجل معالجتها في صلبه بحيث يُتْرك ذلك لتخيّل المشاهد يتمثّل الأمر كيف يشاء...
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©