الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

«رفيق الحريري رجال في رجل» كما يراه رفيقه محسن دلول

«رفيق الحريري رجال في رجل» كما يراه رفيقه محسن دلول
28 مايو 2009 01:18
يقول المؤلف في الفصل الثاني: أن الرئيس الشهيد رفيق الحريري، ترك في وجدانه أثراً بالغاً، وإن جزءاً من تكوينه الإنساني، يعود الفضل فيه إلى هذا الرجل العظيم، الذي تفاعل مع خصاله. وإن الذي جذبه إليه، هي مناقبيته، وشمولية القيم الإنسانية التي تمتع بها دائماً، حيث تلازم عنده دوماً القول والفعل في مواقفه وممارسته. دأب دلول على اللقاء مع الحريري منذ العام 1992 أي منذ بداية توليه رئاسة الحكومة اللبنانية، بشكل منتظم، مرتين في الأسبوع. لم تكن لقاءاته الدورية تلك مكرسة فقط لبحث القضايا السياسية، وشؤون البلاد، بل القضايا العائلية (حيث تجمعه به صلة رحم)، فإبنه نزار متزوج من جومانا ابنة السيدة نازك (زوجة الحريري). في ربيع العام 1984 جاء رفيق الحريري إلى لبنان، وطلب من دلول أن يرافقه، إلى منطقة عطيب في البقاع الأوسط، في سفوح السلسلة الشرقية من جبال لبنان. عندما وصلوا إلى هناك بدأ الانشراح على الحريري، سأله أبو نزار: هل تريد أن تشتري أراضي في هذه المنطقة؟ كان جوابه لا. لقد تذكر كم مرة مشى على هذه الطريق، حيث كان يقطع هذه المنطقة، سيراً على الأقدام، وراء الحمير والبغال، المحملة بالبضائع التي كانوا ينقلونها بين سوريا ولبنان، كما أنه سلك هذه الدروب مرات عديدة، لتهريب مجلة «الحرية»، إلى سوريا. هذا مثال يرويه المؤلف من حكاية حياة، عاشها رفيق الحريري الشاب، الفقير، المناضل، ويعكس مدى تباهيه بها، ومدى اعتزازه بماضيه. عن سيرة لعلاقة مميزة جمعتهما على مدى عقدين من الزمن، وعن علاقة انقطعت بالمعنى المادي قسراً في 14 فبراير 2005، صدر كتاب للسياسي اللبناني محسن دلول بعنوان «رفيق الحريري رجال في رجل». يقول دلول عن هذه العلاقة «إنها لم ولن تنقطع يوماً ما حييت»، وفي الكتاب يروي بعض ما دار بينهما من أحاديث حول العديد من القضايا الفكرية، السياسية والاجتماعية، وعن شؤون الدولة والبلاد. يكشف الكثير عما واجهه رئيس الوزراء اللبناني الراحل من طعن في الظهر، ومن تآمر على دوره في الشأن العام اللبناني، وعن حيثيات مقدمات اغتياله. يتضمن هذا الكتاب أيضاً رؤية وتقويم المؤلف لدور رفيق الحريري بكل أبعاده. بداية الحلم يشرح المؤلف في الفصل الأول كيفية سماعه للمرة الأولى بإسم رفيق الحريري صيف العام 1978، عندما وصلته معلومات تفيد، بأن رجل الأعمال اللبناني رفيق الحريري، الذي يعمل في المملكة العربية السعودية، قد بادر إلى تطوير مرفأ مدينة صيدا على نفقته الخاصة. الأمر الذي أثار اهتمامه، وإعجابه بهذا الشخص، ودفعه إلى متابعة أخباره. وشاءت الصدف أن التقاه للمرة الأولى وجهاً لوجه، في أحد فنادق مدينة جدة، حيث كان يرافق وليد جنبلاط في زيارة خاصة إلى المملكة. وفي صيف 1983 لبى دلول دعوة لزيارة فرنسا من قبل صديقين شقيقين له البير وغبريال متى اللذين يملكان فندقاً في منطقة (جان لوبان) في جنوبي فرنسا. وفي أثناء وجوده في جان لوبان اتصل به الحريري، بعد أن علم بوجوده في فرنسا من وليد جنبلاط الذي طلب منه دعوته للانضمام مع مروان حمادة وخالد جنبلاط في مونتي كارلو، من أجل المشاركة في لجنة لإعداد وثيقة الإصلاح السياسي في لبنان. رفيق الحريري آنذاك، في 1983، كان لولب الحوار بين الأفرقاء اللبنانيين، فانضم المؤلف إلى تلك اللجنة كضيف يواكب عملها. أمضوا عدة أيام في اجتماعات متواصلة على متن قارب الرئيس الراحل. كانت تبدأ في الصباح وتتوقف ظهراً لتناول الغداء، ثم تستأنف عصراً، ولا تنتهي إلا بعد منتصف الليل. في النهاية خلصت اللجنة إلى صياغة مسودة مشروع يغطي عملياً كل الأمور الخلافية المطروحة. وفي ذات اليوم الذي غادر فيه المؤلف مونت كارلو إلى باريس، اتصل به الحريري ودعاه للاجتماع به في الفندق الذي كان يقيم فيه. عندما وصل إلى مكان إقامته، وجد معه في الفندق، طلال سلمان، صاحب جريدة «السفير» اللبنانية. فعرض عليهما وبإسهاب أفكاره عن المشاريع العمرانية، التي ينوي من خلالها تطوير الضاحية الجنوبية لمدينة بيروت. قالوا له متعجبين، ما دهاك لتفكر بهذا الأمر، قال: «يا إخوان أنا مجنون استفيدوا من جنوني». الطعن في الظهر يعرض المؤلف في الفصل الثالث من كتابه، كيف أن الرئيس رفيق الحريري، هو من حمل لواء التمديد، لرئيس الجمهورية الياس الهراوي، في العام 1995. وكيف كان الحريري مستعداً لتحمل كل ما أثير من انتقادات ضده وحملات عليه نتيجة لموقفه هذا، ونجح في النهاية، في تسويق فكرة التمديد للهراوي لدى القيادة السورية، ولدى العديد من القيادات العربية. فبعد أيام قليلة على إقرار التمديد للرئيس الهراوي في المجلس النيابي، التقى دلول الرئيس الحريري، فبدت على محياه علامات الكآبة والإحباط، سأله: هل هناك ما يدعو للقلق والحزن؟ نظر إليه متحسراً وقال: إن الرئيس الهراوي قد أوفد قبل أيام ابن شقيقه، النائب خليل الهراوي، إلى اللواء غازي كنعان، طالباً إليه دعم ترشيح عدنان عضوم لرئاسة الحكومة؟ ولكن القرار هذا كان كبيراً ولا يستطيع كنعان البحث فيه، فحدد للنائب خليل الهراوي موعداً مع نائب الرئيس عبد الحليم خدام، لنقل رغبة الرئيس الهراوي. وأبلغ خدام الحريري وعمل على تطييب خاطره، وأخبره أنه قال للنائب الهراوي: روح بلغ عمك، يا عيب الشوم، لم يجف حبر التمديد بعد، هل هكذا يكافأ رفيق الحريري؟ لقد ترك هذا الأمر جرحاً بليغاً في نفس الرئيس الشهيد وسبب له جنوحاً نحو الخيبة والقرف. فقد زرع الرئيس الهراوي الشكوك مع من يلتقيهم في كل مرة يزور فيها سوريا. كان يحذر كل من كنعان واللواء إبراهيم صافي، من تأثير وامتدادات رفيق الحريري داخل سوريا، عبر علاقته المميزة بخدام والشهابي، ويقول لهما: هناك تيار سني في لبنان، يتعاظم ويتقاطع ويتعاون مع التيار السني في سوريا. في مهب العواصف والذي لا يقبل الجدل أن الحريري تمكن بكده وممارساته أن يكون عظيماً بجهده… وهكذا اقتربت مكانته من أعلى الدرجات… كان على الدوام كريماً رحيماً عندما يكون منتصراً… وكان قاضياً عادلاً عندما يتسنى له أن يكون في سدة المسؤولية. كان يتملكه الغيظ عندما كان يلاحظ أن القيادات السياسية تتبادل الود فيما بينها، ولكنها في الوقت ذاته تدعو لا بل تشجع قواعدها على التقاتل الشرس… وكم كان يحلو له أن يردد باستمرار: أن الحر هو الذي لا يبيع عقله ولا فكره ولا موقعه ولا وطنه للآخرين. كم كان يرتاح دلول لسماعه وهو يردد تكراراً: الشك ليس نقيض الإيمان بل هو عنصر من عناصره. وكان يعتبر السياسة مدخلاً لتبني مثلاً قابلة للتنفيذ، ولتأمين الظروف الملائمة لأبناء المجتمع، عبر نظام الحكم الذي تنتهجه كي يحققوا ذواتهم مع تحقيق هذه المثل. وكذلك فإن نزعته الدينية حملته على النظرة إلى الأديان كموجات روحية تلبي الحاجة الإنسانية دون أن تتقيد بزمن معين. إن هذه المحطات التي سلط عليها الضوء، المؤلف في كتابه هذا، فجرت الدهشة في نفس المتلقي، متسائلاً في أعماقه: كيف أمكنهم فعل ذلك؟؟ كيف غيبوه. مع العلم، انه ينخدع من ظن أن رفيق الحريري ينتهي بتغييبه. نراه باختصار، الغائب الحاضر، نراه وبغض النظر عن أقوال أنصاره وخصومه، أنه ليس رجلاً عادياً، بل رجلاً بمساحة بلاد، بمساحة وطن، بأوزان القضايا الكبرى، ولذلك قتلوه. وعلى قول المؤلف محسن دلول على ظهر الغلاف: «إن الرئيس الشهيد رفيق الحريري هو حالة خالدة».
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©