الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

محمود درويش وهنريك إبسن في فيلم شاعري واحد

محمود درويش وهنريك إبسن في فيلم شاعري واحد
28 مايو 2009 01:18
رحل محمود درويش، وترك خلفه أسئلة عديدة حول شعره وعلاقاته الشخصية، وانتماءاته السياسية، وأشياء أخرى تجمع ما بين الشخصي والعام، ومنها علاقته بالسلطة الفلسطينية، وهو المتمرد في شعره على كل سلطة. أما آخر الأسئلة التي أودعنا إياه الشاعر الكبير الراحل، فهي المتصلة بفيلم «هوية الروح» الذي قرأ فيه قصيدته المعروفة «جندي يحلم بالزنابق البيضاء» وقصيدة الكاتب المسرحي النرويجي هنريك ابسن، المسماة، «تيري فيجن». نستبق زبدة موضوعنا لهذا اليوم، بالقول إن القارئ العربي لم يتعرف على ابسن شاعرا، بل عرفه كاتبا مسرحيا مجيدا، فهو «أبو الدراما الحديثة» في رأي النقاد الغربيين. أما كونه شاعرا، فلم يسمع به كثير من القراء العرب. وربما فاجأ الشاعر العراقي فاضل العزاوي، كثيرا من الشعراء والأدباء العرب، حين ترجم قصيدة «تيري فيجن» التي نظمها ابسن، واعتبرت في القرن الأسبق، خطابا جديرا بالاحترام، لأنه يلخص «الثقافة المسيحية» في المسامحة والغفران. ولعل الميزة الأخيرة هي التي هيأت أمام مثقف نرويجي شاب، هو السيد توماس هوج، فرصة التمسك بقصيدة ابسن تلك، وهو يبحث عن مادة لأفكاره في التسامح لجعلها محور عمل سينمائي شغله كثيرا. يبدو توماس هوج، وهو رجل ثري كما تذكرنا بذلك سيرته الشخصية، من أولئك الرجال المهمومين بالنضال ضد الحروب، الداعين إلى النضال ضد العنصرية والفاشية، والمنادين بالتفاهم بين الثقافات والشعوب. وقد وجد هذا الرجل الذي تربطه بشخصيات فنية ذات سمعة نضالية عتيقة، مثل السينمائية فانيسيا رديغريف، في قصيدة ابسن، تيري فيجن، ضالته المنشودة في التسامح والغفران. إن القراءة المتأنية لقصيدة «تيري فيجن»، سوف تدلنا على عناصر القوة والمتانة والجمال في عمل شعري متكامل، يصلح أن يكون خطابا بصريا يعكس أفكار توماس هوج، التي أشرنا إلى بعضها. ولأنه قريب من مسألة «الشرق الأوسط»، وقع اختيار توماس هوج، على الشاعر الفلسطيني الراحل محمود درويش، ليضع إحدى قصائده بجانب قصيدة «تيري فيجن». وهذا ما حدث فعلا مع قصيدة «جندي يحلم بالزنابق البيضاء». إن «جندي يحلم بالزنابق البيضاء» هي حوار بين «جندي إسرائيلي» شارك في حرب سنة 1967 ضد العرب، وبين نفسه، ومن خلالها يحاكم المجموعة الإسرائيلية الحاكمة، وثقافتها العنصرية الفاشية، كما يترافع، أي الجندي الإسرائيلي، حول مفهوم الوطن والغربة والرحيل. هذه القصيدة «المحمودية» ليست أفضل أشعار درويش، لكنها ـ من الناحية التاريخية ـ تندرج تحت عنوان قصائد محمود درويش الأولى، عندما كان عضوا في حزب «راكاخ» الإسرائيلي، مثلما قصيدة «سجل أنا عربي». تلك المرحلة في حياة محمود درويش، كما في شعره أيضا، تجاوزها محمود درويش، كما أهملها النقد العربي بعض الشيء، لأن تحولات درويش بعد ذلك، ومنجزه الشعري اللاحق، كان من القوة بحيث جب ما قبله. غير أن توماس هوج، رأي فيها شيئا جديدا، يكمل فكرة ابسن في «تيري فيجن». وما أن علم محمود درويش بمشروع هوج، وأن الشاعر فاضل العزاوي، هو الذي ترجم «تيري فيجن» إلى العربية، حتى قبل ليس بضم قصيدته إلى قصيدة ابسن فقط، بل والقيام بتمثيل وقراءة القصيدتين في فيلم «هوية الروح». ترى .. لماذا قبل محمود درويش ما قبله في «هوية الروح»، في فترة عصيبة جدا، وحاسمة جدا، في تاريخ بلاده، عندما كانت «إسرائيل» تتهيأ لضرب قطاع غزة؟! هذا هو «أحد الأسئلة» عند الذين يقولون إن الشاعر الفلسطيني الراحل لم يكن موفقا في اختياره، لأنه سيرجع بشعره إلى أيام «الشبيبة الشيوعية» في حزب «راكاخ» كما يقول رفيقه سميح القاسم، بينما يقول آخرون: إذا كان مفهوم التسامح والغفران، قابلا للفهم في ثقافة ابسن الشخصية ضمن «الثقافة المسيحية»، فكيف يكون مفهوما في نطاقنا العربي، بعد المجازر الإسرائيلية بحق الفلسطينيين والعرب، منذ ما قبل «دير ياسين» حتى يومنا هذا؟! ويتساءل آخرون: إذا عرفنا ندم الجلاد البريطاني في «تيري فيجن»، فهل أعلن بيجن، أو شامير، أو جولدا مائير، أو تسيفني، أو شارون، ندمهم على المجازر بحق الفلسطينيين والعرب؟ في المقابل، يقول الذين يعتقدون بصوابية ما يطرحه فيلم «هوية الروح»، إن قيام الكيان الإسرائيلي بمنع عرض الفيلم في القدس وإسرائيل، خير دليل على أن «هوية الروح» يفضح إسرائيل، ويضرب في الصميم. ويقول أصحاب هذه الفكرة أيضا، أن ثقتنا بمحمود درويش كبيرة، ولا يراودنا شك في أن قراره المشاركة بالفيلم، جار لمصلحة فلسطين والعرب عموما. ولم لا فالشعر كان على مدار التاريخ وسيلة للتعبئة في بقاع شتى من الأرض التي صارت لقاطنيها اليوم وطنا واحدا ومصيرا لا يتجزأ. وتحضرني هنا أبيات لشاعر أهم ما يميز نصوصه هو ذلك الفراغ الذي يملأه بجملة واحدة... حسين علي يونس: «لم نكتب الشعر؟ لأننا نريد أن نقدح الحياة في الأشياء الميتة». هذه خلاصات. أما الحوار الشامل المتشعب، فسوف يكون بعدما يعرض الفيلم في أكثر من عاصمة عربية وأجنبية. وحينها سيكون لكل حادث حديث. * إشارة: جاء عرض فيلم «هوية الروح» يوم الخميس الموافق 14/5/2009 في العاصمة القطرية الدوحة في ساحة متحف الفن الإسلامي على خمس شاشات كبيرة ومتجاورة في إطار احتفال الدوحة بالقدس عاصمة للثقافة العربية 2009. * مدير عام دائرة الثقافة والإعلام بعجمان جندي يحلم بالزنابق البيضاء محمود درويش يحلم بالزنابق البيضاء بغصن زيتون.. بصدرها المورق في المساء يحلم ـ قال لي ـ بطائر بزهر ليمون ولم يفلسف حلمه، لم يفهم الأشياء إلا كما يحسّها.. يشمّها يفهم ـ قال لي ـ إنّ الوطن أن أحتسي قهوة أمي أن أعود في المساء.. سألته: والأرض؟ قال: لا أعرفها ولا أحس أنها جلدي ونبضي مثلما يقال في القصائد وفجأة، رأيتها كما أرى الحانوت..والشارع.. والجرائد سألته: تحبها أجاب: حبي نزهة قصيرة أو كأس خمر.. أو مغامرة ـ من أجلها تموت؟ ـ كلا! وكل ما يربطني بالأرض من أواصر مقالة نارية.. محاضرة! قد علّموني أن أحب حبّها ولم أحس أن قلبها قلبي، ولم أشم العشب، والجذور، والغصون.. ـ وكيف كان حبّها يلسع كالشموس ..كالحنين؟ أجابني مواجها: ـ وسيلتي للحب بندقية وعودة الأعياد من خرائب قديمة وصمت تمثال قديم ضائع الزمان والهوية! حدّثني عن لحظة الوداع وكيف أمّه تبكي بصمت عندما ساقوه إلى مكان ما من الجبهة.. وكان صوت أمه الملتاع يحفر تحت جلده أمنية جديدة: لو يكبر الحمام في وزارة الدفاع لو يكبر الحمام!.. ..دخّن، ثم قال لي كأنه يهرب من مستنقع الدماء: حلمت بالزنابق البيضاء بغصن زيتون.. بطائر يعانق الصباح فوق غصن ليمون.. ـ وما رأيت؟ ـ رأيت ما صنعت عوسجة حمراء فجرتها في الرمل.. في الصدور.. في البطون.. ـ وكم قتلت؟ ـ يصعب أن أعدهم.. لكنني نلت وساما واحدا سألته، معذبا نفسي، إذن صف لي قتيلا واحدا. أصلح من جلسته، وداعب الجريدة المطويّة وقال لي كأنه يسمعني أغنية: كخيمة هوى على الحصى وعانق الكوكب المحطمة كان على جبينه الواسع تاج من دم وصدره بدون أوسمة لأنه لم يحسن القتال يبدو أنه مزارع أو عامل أو بائع جوال كخيمة هوى على الحصى.. ومات.. كانت ذراعاه ممدودتين مثل جدولين يابسين وعندما فتّشت في جيوبه عن اسمه، وجدت صورتين واحد.. لزوجته واحد.. لطفله.. سألته: حزنت؟ أجابني مقاطعا يا صاحبي محمود: الحزن طيّر أبيض لا يقرب الميدان. والجنود يرتكبون الإثم حين يحزنون كنت هناك آلة تنفث نارا وردى وتجعل الفضاء طيرا أسودا حدثّني عن حبه الأول، فيما بعد عن شوارع بعيدة، وعن ردود الفعل بعد الحرب عن بطولة المذياع والجريدة و عندما خبأ في منديله سعلته سألته: أنلتقي أجاب: في مدينة بعيدة حين ملأت كأسه الرابع قلت مازحا.. ترحل و..الوطن؟ أجاب: دعني.. إنني أحلم بالزنابق البيضاء بشارع مغرّد ومنزل مضاء أريد قلبا طيبا، لا حشو بندقية أريد يوما مشمسا، لا لحظة انتصار مجنونة.. فاشيّة أريد طفلا باسما يضحك للنهار، لا قطعة في الآله الحربية جئت لأحيا مطلع الشموس لا مغربها ودعني، لأنه.. يبحث عن زنابق بيضاء عن طائر يستقبل الصباح فوق غصن زيتون لأنه لا يفهم الأشياء إلاّ كما يحسّها.. يشمّها يفهم ـ قال لي ـ إن الوطن أن أحتسي قهوة أمي.. أن أعود، آمنا مع، المساء
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©