الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

إنقاذاً للسوريين.. دعوا الأسد يخرج منتصراً!

11 مارس 2018 02:12
الهجوم المتواصل الذي تشنه القوات العسكرية للرئيس السوري بشار الأسد، على ضاحية الغوطة الشرقية في العاصمة دمشق، يمثل جريمة حرب، إذ أدت إلى مصرع أكثر من 900 مدني حتى الآن. وفي حين أنه قد تسهل إدانة هذه «الحملة الوحشية»، كما فعل البيت الأبيض، إلا أنه يصعب معرفة ما يجب عمله حيالها، خصوصاً أن قرار وقف إطلاق النار بوساطة الأمم المتحدة، سيجري تجاهله كما هو متوقع، وأن قافلة الإغاثة الإنسانية الصغيرة التي تمكنت بالكاد من الوصول إلى هناك في نهاية المطاف، لن تكفي وحدها لوقف المذبحة أو لتلبية احتياجات السكان المنهكين جراء الحصار والحرب. في عام 2012، انضممت إلى كثيرين آخرين في الدعوة إلى قيام الولايات المتحدة بفرض منطقة حظر جوي، لوقف انهمار «البراميل المتفجرة» البربرية من جيش الأسد على المدن والأحياء المدنية السورية، وتقديم المساعدات لـ«الجيش السوري الحر» بغية تمكينه من الإطاحة بنظام الأسد. لقد كان من الممكن أن يكون الكثير من الناس الذين ماتوا آنذاك مازالوا على قيد الحياة حتى اليوم، لو كان باراك أوباما استمع لتلك الدعوة التي كان يمكن أن تمنع حدوث كارثة استراتيجية وإنسانية ما تزال متواصلة في سوريا إلى اليوم. ومع أنني كنت على حق قبل ست سنوات، إلا أنني لم أعد أعتقد أن هذه النصيحة يمكن أن تكون منطقية الآن. ويرجع ذلك لحقيقة أن روسيا تدخلت في سوريا عام 2015، وأن الولايات المتحدة، لا تستطيع مهاجمة طائراتها من دون المخاطرة بنشوب حرب بينهما. فبفضل المساعدات الروسية والإيرانية، لم يعد الأسد على حافة الهزيمة، بل بات موقفه أكثر استقراراً ورسـوخاً من أي وقــت مضى، ولن يمضي وقت طـويل قبـل أن يعيـد غـزو معظم أجـزاء سوريا. استخدام القوة الجوية الأميركية لمساعدة أهالي الغوطة المحاصرين قد يجعلنا نشعر بالرضا، لكنه لن ينقذ الأرواح. حتى لو تمكنا من إسقاط طائرة روسية -وهو احتمال مشكوك فيه- فإن القوات الموالية للنظام، ستلجأ ببساطة لاستخدام المدفعية، وأنظمة إطلاق الصواريخ المتعددة لإسقاط المدينة، ولن يؤدي التدخل الأميركي في مثل هذه الحالة إلا إلى إطالة أمد معاناة أهل الغوطة الشرقية. وبعد طول تفكير، خلصت - للأسف الشديد- إلى أن طريقة إنقاذ الأرواح هي ترك الأسد يكسب القتال، وأن يتم ذلك بأسرع ما يمكن. فمدينة حلب كانت عبارة عن مسلخ بشري في عام 2016، أما الآن، وبعد أن سقطت في أيدي قوات الأسد، فإننا رأينا صوراً لسكانها وهم يتجولون في الحديقة العامة التي أعيد بناؤها. إنه لشيء رهيب بالطبع أن يعيش سكان الغوطة تحت حكم الأسد، لكنهم على الأقل أحياء.. فالعيش تحت حـكم الطغيان أفضل بالنسـبة لهم من حـرب غير مجدية ولا نهـاية لها. ويوماً ما كنت أتعاطف مع الخطة التي طرحها «كينيث بولاك»، زميل «معهد أميركان إنتربرايز»، لمساعدة جماعات التمرد السورية على استنزاف الإيرانيين والروس. أما الآن فلا أرى أن مثل هذه الخطة يمكن أن تفيد في شيء. فمثل هذه المساعدات تكون منطقية عادة عندما يكون لدى المتمردين، كما كان الحال في أفغانستان في ثمانينيات القرن الماضي، فرصة واقعية للخروج منتصرين. أما الآن فلا يجوز بأي حال من الأحوال استخدام السوريين كوقود للمدافع، في صراع يدور بين قوتين عظمى، وعندما لا يكون لديهم أمل في النصر. ومع ذلك فإن هذا لا يعني أنه لا يوجد شيء يمكن للولايات المتحدة القيام به. فما زال بإمكانها أن تحاول المساومة مع موسكو، لكبح وحشية الأسد مقابل إنهاء معارضة الولايات المتحدة لنظامه، كما يمكنها المحافظة على مبدأ تحريم استخدام أسلحة الدمار الشامل. في أبريل الماضي، أطلق الرئيس دونالد ترامب صواريخ كروز ضد مطار سوري رداً على هجوم بغاز السارين من قبل قوات الأسد. هذا العام، كان هناك ما لا يقل عن سبعة تقارير حول قيام الأسد باستخدام غاز الكلور، ولم يحدث شيء حتى الآن. يجب على ترامب شن غارات جوية ضد الوحدات السورية المسؤولة عن ذلك، لكنه لن يفعل الشيء الكثير للتخفيف من الفظائع الكبرى التي ترتكب في الصراع. إن أهم شيء يمكن للولايات المتحدة عمله الآن، هو الوقوف إلى جانب شركائنا الأكراد والعرب، في «قوات سوريا الديمقراطية» التي حررت شمال شرق سوريا من تنظيم «داعش». من المعروف في هذا السياق أن الأكراد يسيطرون على حوالي 25? من الأراضي السورية، وأن هناك وجودا عسكريا أمريكيا يبلغ قوامه 2000 فرد، لتقديم المساعدة لهم، والحيلولة دون عودة «داعش». الحكومة التركية ليست راضية عن هذا الأمر، لذلك أرسل الرئيس رجب طيب أردوغان الجيش التركي، بالتعاون مع حلفاء سوريين، لمهاجمة بلدة عفرين التي يسيطر عليها الأكراد في شمال غرب سوريا. فأردوغان لا يرى فرقاً بين الأكراد السوريين المنضويين في «وحدات حماية الشعب»، والأكراد الأتراك الأعضاء في «حزب العمال الكردستاني» الذين طالما اعتبرهم مخربين محليين وأعداء لدودين. على ترامب أن يبرم صفقة مع أردوغان، تقوم بموجبها «وحدات حماية الشعب» بقطع الدعم عن «حزب العمال الكردستاني»، مقابل انسحاب الأتراك. وطالما التزمت «وحدات حماية الشعب» بهذه الصفقة، فإن الولايات المتحدة ستظل تواصل استخدام قوتها الجوية ومستشاريها للدفاع عن الجيب الكردي السوري الواقع إلى الشرق من نهر الفرات، تماماً كما فعلت بعد حرب الخليج عام 1991 للدفاع عن الأكراد العراقيين. لم تكن تركيا سعيدة بهذا القرار آنذاك، لكنها عرفت أنه بإمكانها التعايش مع حكومة إقليم كردستان، والتعامل معها بسلاسة تجارياً. إن ترك الأسد يسيطر على ثلاثة أرباع سوريا، سيكون حبة دواء كالعلقم يتعين ابتلاعها. فهو ليس مجرم حرب فحسب، وإنما يمثل تهديداً لإسرائيل أيضاً، وطالما ظل في السلطة فإن إيران ستحاول إقامة قواعد عسكرية لها في سوريا. إسرائيل تستطيع أن تدافع عن نفسها بالطبع، أما نحن فأهدرنا أفضل فرصنا للإطاحة بالأسد في عهد أوباما. والآن ليس أمامنا من خيار سوى القبول بالحقيقة القاسية، وهي أن الأسد سينتصر، وأن نحاول في الوقت ذاته، التخفيف من بعض أسوأ التجاوزات التي ارتكبت خلال حكمه الدموي. *زميل رفيع المستوى لدراسات الأمن القومي بمجلس العلاقات الخارجية الأميركي ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©