الخميس 18 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

خصوصية الهوية والتغيير

22 فبراير 2011 21:40
لكل إنسان، ولكل مجتمع هويته تعبر عن خصائصه مع ما يحمل من طابع الخصوصية لهذا الفرد أو المجتمع أو ذاك، وهذا الأمر سبق أن أكده ابن خلدون. منذ حملة نابليون على مصر في أواخر القرن الثامن عشر، وإصلاحات محمد علي في القرن الذي تلاه، جاء الاحتكاك والصدمة بين الواقعين، العربي المتخلف، والغربي المتحضر، بين ثنائية التحضر بمنجزات علمية في المجتمع والاقتصاد والتقانة يضاف إليها الاستعمار الغربي، وبين التخلف والتبعية العربية.. حتى بعد أن تم التحرر وتحقق الاستقلال بقيت التبعية هي السارية للفروق الكبيرة بين العالمين الغربي والعربي. وبصراحة، لا يمكننا المشاركة في معركة الحضارة إلا إذا تغلبنا على ترددنا وتقاعسنا وفكرنا الراهن، لابد أولاً من وعي واقعنا ثم السعي الحثيث لتغييره وتطويره وتجاوزه نحو واقع أفضل.. بعد أن تم الجلاء وتحقق الاستقلال، جاءت الصدمة ثانية وهذه المرة من أنظمة وطنية استبدادية، حيث جاء التحرر لجماً للتنمية المجتمعية، وهيمنة للفكر السلفي، وزعيقاً للفكر القومي المفعم بالمشاعر الطفولية الجياشة، ومن خلفه اليسار بالطوق السوفييتي، لتنتهي هذه الهبّة السلفية والقومية بهزيمة يونيو. لهذا جاء من يقول إن الفكر العربي المعاصر هو امتداد لأصول الفكر الفقهي، فقد تعددت أنماط الحكم، فأخذ الطابع الديني السطحي هنا، والقومي من حيث الشكل هناك، مع تلوينات "يسارية"، وأيضاً الحكم مع نزوع طائفي. وأفلحت بعض النظم في استمالة نخب ثقافية لتكون أبواقاً تسوغ لها كل ارتكاباتها، وتشرعن للنظم ما هي عليها من أشكال الحكم، أي تضفي على الحكم طابع الشرعية، فظل النظام هنا يجتر ليعيد إنتاج الوعي السائد ويستمر الماضي في الحاضر. وفي هذا الإطار راحت النظم العربية المختلفة تعمد لفرض شكل من الفكر على الواقع العربي عبر الدولة، فهي كعادتها حكمت بالعسكر، وأخذت تسن قوانين وتشريعات تصب كلها في اتجاه حصر السلطة بأيدي حفنة صغيرة، ويقسر الناس على التعود وقبول هذا الشكل من الحكم أو التحكم، وأيضاً استخدمت وسائط وأبواقاً مختلفة من الإعلام ومناهج التعليم وسواها من وسائل المعرفة. تمّ عقد ندوات عديدة من قبل أهل الفكر للإجابة على السؤال عن أسباب التخلف، وهل ثمة أزمة، والدعوة لتجديد الفكر في الوقت ذاته، فمنهم من رأى أنها أزمة حضارة، فرد من يقول بأنها أزمة البرجوازية الحاكمة، ومن أن الحاضر هو استمرار للماضي، وأزمة البنية الأيديولوجية للفكر القومي، مع وضعف التواصل العربي العربي والعلاقات البينية، فحجم التبادل التجاري والاقتصادي فيما بينها لا يتجاوز ثمانية بالمائة، ناهيك عن مسائل أخرى كغياب الديمقراطية وفقدان الحريات والتعدي على حقوق الإنسان، انعكس علاوة على ما ذكرناه على النمو الفكري سلباً، ودفعه نحو تبعية دائمة. فالتنمية عادة تتم في نظم تبنى وتؤسس عادة بمشاركة ديمقراطية واسعة، وتتمثل بتيارات سياسية متعددة تتمثل في السلطة.. دون أن ننسى أن التنمية تتأثر أيضاً بواقع العالم وانعكاساته على الواقع العربي، جاء هذا التأثير واضحاً لاسيما بعد انهيار المنظومة السوفييتية، وما حصل من خلل في التوازن العالمي وهيمنة القطب الواحد الأميركي بالتوازي مع ثورة التقانة لاسيما في مجال المعلومات والاتصالات، والسعي لتهميش العالم الثالث، وترسيخ تبعيته واعتباره عالماً هامشياً ليس سوى امتداد للعالم الرأسمالي.. ما المطلوب منا إذن عمله في الحالة الراهنة على صعيد مختلف التيارات السياسية؟ أرى لزاماً على كافة هذه التيارات تقوية النقد والعقلانية، والدعوة إلى الديمقراطية وتنمية المجتمع المدني والنضال ما أمكن لتحقيق وتوسيع دائرة الحريات العامة ويكون هذا بمواجهة الدولة كما قلنا بثقافة نقدية تبين أن تردي أوضاع المحكومين هو مسؤولية الحكومات، وتترتب بالتالي على النخب الثقافية مسؤولية إيجاد مخرج للخروج من الواقع الراهن المزري والمأزوم، لا بد من بناء كتلة ثقافية مخلصة واعية، فالشعوب العربية من حقها مجاوزة التخلف، فالتخلف ليس قدر هذه الشعوب، لا بد من مواصلة السير على طريق التقدم والحرية والديمقراطية، والتمتع بكنوز خيرات أوطانها، والمساهمة في مسيرة التقدم نحو عالم أرحب وحياة، أفضل، وإنسان أوفر علماً ومعرفة وتقدماً. دهام حسن كاتب سوري ينشر بترتيب مع مشروع «منبر الحرية»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©