الثلاثاء 16 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

مصر ما بعد الثورة... دروس إندونيسية

22 فبراير 2011 21:39
الثورة المصرية، التي أدت إلى نهاية حكم مبارك، لا تخلو من أوجه شبه عديدة مع التجربة الإندونيسية قبل عقد من الزمن، فكلا البلدين لديه أغلبية مسلمة وأطيح فيهما بنظام حكم ظل جاثماً على صدور الناس لعقود طويلة من خلال انتفاضة شعبية عارمة. وضمن هذا الإطار، يمكن القول إن الخطوات التي اتخذتها إندونيسيا بعد إسقاط "سوهارتو" من السلطة عام 1998 قد تكون نموذجاً محتملاً تحتذي به مصر في المرحلة المقبلة بعد تنحي مبارك والخطوات اللازمة لبناء نظام جديد يخلف القديم. فقد أشاد العديد من المراقبين والدارسين للتجربة الإندونيسية بالسرعة التي تمكنت فيها البلاد من الانتقال من مرحلة الاضطرابات الداخلية إلى بلد يفخر اليوم بأنه أكبر اقتصاد في جنوب شرق آسيا، فضلاً عن وجود إعلام حي وفعال، ومجتمع مدني نشيط يتفاعل مع القضايا الأساسية للوطن ويشارك في الانتخابات، دون أن ننسى الإشادة الدولية بالجهود التي تبذلها إندونيسيا منذ سنوات للتصدي للإرهاب ومكافحته. لكن ما يعيب إندونيسيا رغم النجاحات المتحققة هو تدني مستوى المحاسبة لديها كما توضح ذلك سلسلة المحاكمات التي طالت أشخاصاً متورطين في الفساد وانتهت بأحكام سجنية مخففة، أو بتبرئة المتهمين تماماً وإطلاق سراحهم. ومع أن البلاد نجحت في تحقيق معدلات نمو عالية وصلت في السنة الماضية إلى 6 في المئة مازالت الفوارق الاجتماعية كبيرة بين المواطنين. كما أن الهجمات الأخيرة التي استهدفت الأقليات الدينية، والتي تجاهلتها الشرطة على نحو كبير تثير قلقاً متصاعداً من تراجع منسوب التسامح في المجتمع الإندونيسي، وتزايد نفوذ الجماعات الإسلامية المتشددة. ولعل المحاكمة المقبلة لأحد أبرز رجال الدين وأكثرهم تشدداً في إندونيسيا، أبوبكر باعشير، يدلل على الصعوبات التي ما زالت تقف في وجه البلاد والامتحان الصعب الذي يواجهه القضاء، بالإضافة إلى التحديات المطروحة لاستكمال بناء الأفق الديمقراطي في البلاد وتعزيز ثقة المواطنين في مؤسسات الدولة، فرجل الدين الماثل أمام المحكمة يواجه سلسلة من التهم التي تشمل جمع الأموال لصالح جماعة متطرفة في إقليم "آتشيه" والترخيص لعمليات السرقة والقتل لدعم الحرب المقدسة التي يدعو إليها. وبعد نجاته من السجن في المرة السابقة التي حوكم فيها يواجه اليوم مجموعة من التهم المستندة إلى أدلة قويـة تربطه مباشرة بالعنف المستشري في "آتشيه" وتجعله أحد المسؤولين الأساسيين على عدم الاستقرار والتطرف الذي يسود بعض مناطق البلاد. ويرى المراقبون أنه ليس أمام المحكمة سوى تثبيت جزء من التهم لكي يودع رجل الدين في السجن بعـد أن يصـدر قرار بإدانتـه، وهو ما يعتبره المراقبون خطوة أخرى على طريق تعزيز الديمقراطية في البلاد، ومن شأن إدانة المحكمـة باعشير أن تضع حداً لشكوك الكثير من الحساسيات الإسلامية في البلد من مدى تورط رجل الدين في الأعمال الإرهابية، وتُنهي نقاشاً طويلًا استغرق الكثير من الجهد والوقت. فوفقاً للباحثة "سيدني جونز" من مجموعة الأزمات الدولية، "تمثل المحاكمة سابقة في إندونيسيا يمكن أن تفتح الطريق أمام الدولة لمقاضاة باقي رجال الدين الذين يحرضون على العنف". لكن الباحثة تحذر من تعليق آمال عريضة على محاكمة واحدة تطال رجل دين متقدماً في السن، إذ رغم كونه الزعيم الروحي لـ"الجماعة الإسلامية"، التي لا تخفي رغبتها في إقامة حكم إسلامي في عموم جنوب شرق آسيا، فإن الرجل نفسه فقد في السنوات الأخيرة الكثير من نفوذه على الجماعات الإسلامية التي تحافظ على استقلاليتها في أخذ القرارات والتحرك لتنفيذها. والأكثر من ذلك ترى الباحثة، جونز"أن الإرهاب ليس سوى أحد أوجه التطرف في إندونيسيا الذي يمارس تضييقاً على الأقليات الدينية دون أن تتمكن الحكومة من معالجة الأسباب الحقيقية التي تساعد على تنامي الخطاب الديني المتشدد, وهو ما يعبر عنه "سيافي أنور"، رئيس المركز الدولي للإسلام والتعددية السياسية قائلاً: "لا يوجد هناك توجيه من الدولة أو ممارسة لدور الإرشاد لحماية مواطنيها من الأفكار الهدامة"، مؤكداً أن الدولة بدأت تفقد سيطرتها على مراقبة الجماعات المتطرفة، وهو ما يضر بسمعة البلاد التي اكتسبتها على مر السنوات بأنها معتدلة ومتسامحة تجاه الآخر. ورغم هذه المشاكل تُذكر الباحثة، "جونز"، أنه "بفضل التقدم الديمقراطي الذي أحرزته إندونيسيا، نستطيع اليوم الحديث عن هذه المشاكل ومناقشتها". وفيما يتعلق بنصيحتها إلى مصر من وحي ما يقع في إندونيسيا تخاطب "جونز" المصريين قائلة: "استغلوا الزخم الثوري والسياسي الحاصل حالياً للقيام بجميع الإصلاحات الممكنة، وأخرجوا الجيش من السلطة في أقرب وقت، مع إزالة القوانين المقيدة للحريات والعمل العام، ثم قوموا بأهم ما عجزت إندونيسيا عن القيام به وهو إشراك الجميع بما في ذلك الشرطة والأقليات في الحياة الديمقراطية". سارة شونهارت إندونيسيا ينشر بترتيب خاص مع خدمة «كريستيان ساينس مونيتور»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©