الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

«البغلة».. تحفة فنيّة عبرت موانئ الخليج

«البغلة».. تحفة فنيّة عبرت موانئ الخليج
19 فبراير 2015 23:29
نوف الموسى (أبوظبي) لا أدري.. لماذا خُيّل لي، أني استمع إلى «نهمة» الفنان سلمان العماري، عندما تغنى بالغوص وفراق الأحبة، في أول فيلم سينمائي خليجي، «بس يا بحر» للمخرج الكويتي خالد الصديق والكاتب الإماراتي عبدالرحمن الصالح، وأنا أقرأ ورقة عمل للباحثة الإماراتية فاطمة المهيري بعنوان: «نظرة جديدة إلى تاريخ أبوظبي.. بني ياس في البحر والبر»، والتي نشرت ضمن كتاب، أشرفت الباحثة فاطمة على إعداده وتحريره، مع نخبة من الباحثين، حاملاً عنوان «أبوظبي واللؤلؤ.. قصة لها تاريخ»، ضمن إصدارات الحصن للدراسات والبحوث. وفعلياً ما يستوقف القارئ نحو تراث الإيقاع البحري، هو ما جاءت الباحثة على ذكره حول أهم وأكثر السفن المستخدمة في موانئ بني ياس، وهي سفينة «البغلة» ذات الجمالية الإنسانية والعلاقة السرمدية بينها وبين صُناعها الذين اتقنوا تشكيلها دونما أوراق هندسية، بل بخبرة مجسدة في الذاكرة، ومنهم أهل صُور في عُمان، وصُناع السفن في الكويت، واللافت في هذه السفينة من حيث الشكل، أنها ذات مؤخرة مربعة مستوحاة من الفنون الأوروبية، مشكلةً تحفة فنية بنقوشها ودقة زخارفها، حيث عُرف أحد موانئ أبوظبي باسم «خور البغال» بحسب الباحثة فاطمة المهيري لكثرة حضورها في تلك المنطقة وقتها، والمستخدمة للأسفار البعيدة عبر المحيطات، وتم الاحتفاء بـ«البغلة» في إمارة الشارقة أخيراً، كأهم السفن التي مرت عبر «سيّف» الخليج العربي، بالمنطقة المحلية، عبر بناء نموذج من السفينة، وإضافتها إلى مقتنيات متحف الشارقة البحري الواقع بمنطقة الخان، بالقرب من مربى الشارقة للأحياء المائية. التراث.. «المُلهم» ألهمني مهرجان قصر الحصن، لكونه منصة تاريخية لعرض أهم أبعاد التراث البحري والبري في دولة الإمارات، ومنها ما شهدته إمارة أبوظبي تحديداً من حراك اقتصادي واجتماعي، للاسترسال في البحث حول سفينة (البغلة)، والنظر في ما رصده الباحثون، من استثمار المنطقة لتلك السفينة الشهيرة بفنها العريق، وهي بالتالي تتجاوز مفهوم الاستخدام العملي، في وظيفتها البحرية عموماً، إلى منحى الاهتمام الفني الذي كانت تشهده. تعتبر سفينة (البغلة) أيقونة ثقافية بحرية، ساهمت في تحريك دفة التنامي في العلاقات الاقتصادية بوتيرة نوعية، فبالعودة إلى كتاب «فجان قهوة.. الإمارات في ذاكرة أبنائها-الحياة الاقتصادية»، يذكر الباحث والمؤرخ عبدالله عبدالرحمن مرويات من حياة المرحوم خلف بن عبدالله العتيبة، والذي يصفه الباحث بأنه أحد ملوك اللؤلؤ في المنطقة، حيث إنه كان يمتلك نحو 20 سفينة، ويمول أكثر من 100 سفينة أخرى، وحول ذكر سفينة (البغلة) في هذا الصدد يشير الباحث عبدالله في كتابه أن (عمارة) التخزين، وهي المخزن الفسيح الذي كان يواجه الميناء الرئيسي لأبوظبي قديماً، أحد المعالم البارزة في علاقة العتيبة بالسفن، متضمناً مواد غذائية متنوعة ومؤناً، ورصد الباحث عبدالله إحدى طرق توفير تلك الحاجيات في العمارة قائلاً: «ولتوفير تلك الاحتياجات كانت تصله من البصرة سفن ضخمة من نوع البغال، تحمل تموراً بصراوية، حمولة كل منها ما بين ألفين إلى ثلاثة آلاف قوصرة، أي كيس من التمر». رشيقة.. وبلا صوت يرجح الباحثون أن تاريخ ظهور «البغلة» يعود للقرن السادس عشر، وصولاً إلى القرن التاسع عشر، وبحسب الباحثة فاطمة المهيري، فإنه في بداية القرن العشرين لم تعد الفئة الكبيرة من البغلة موجودة، مضيفةً وصفاً للباحث والرحالة البريطاني جيمس ريموند ولستد لإحدى سفن «البغلة» التي أطلق عليها صاحبها اسم «شط الفرات»: كانت ضخمة الحجم، وكما في سالف الأزمان تستخدم لنقل التوابل والأقمشة والثياب المنسوجة من الذهب. وكان اسم البغلة «شط الفرات». وحمولتها مئة طن، ويبلغ طولها ثمانين قدماً وعرضها الأقصى ثلاثة وعشرين قدماً ولها مؤخرة مرتفعة. أما الصارية فكانت مصنوعة من خشبة واحدة بارتفاع أكثر من ثمانين قدماً. وعارضة الشراع كانت تفوق المئة قدم. تناغم إنساني.. بالمرور إلى البيئة البحرية، التي تم تخصصيها، ضمن جولة الزيارة الميدانية للمهرجان، ينكشف فعل التماهي مع التاريخ الأزرق للمنطقة المحلية، بعدة تفاصيل تتركز حول سرد تاريخ المهن البسيطة، وصولاً إلى صيد اللؤلؤ كمرتكز لتجارة الساحل، ويساهم حضور المعرفة بالتراث البحري، بإعادة قراءة التفاعلات الاجتماعية، للعلاقة التي ربطت أهل المنطقة بالسفينة كمفهوم للبحث عن الرزق من جهة، وتعزيزاً لمكانة الرجال، باعتبار أن من اختاروا القيام بالسفر عبر المحيطات، يخوضون أصعب المهن وأشقاها، والتي تصنف بأنها غير مضمونة العواقب، ومنه ما جاء في بحثنا حول سفينة «البغلة»، ويلحظ المتابع للحدث التراثي، الاستقطاب النوعي لأشكال السفن المختلفة، وحضور قارب «الشاشة» على سبيل المثال، كأبسط أنواع السفن المستخدمة محلياً، في عمليات صيد السمك قديماً، والمصنوعة من سعف النخيل والحبال.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©