الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

ذائقة فنان الاقتناء

ذائقة فنان الاقتناء
23 فبراير 2012
أربعون عملا من أعمال فن الخط العربي، الكلاسيكي والحديث، وستة وعشرون عملا من أعمال “الحلي الخطية” ولوحات الخط الاعتيادية من مقتنيات الأديب والكاتب معالي محمد المر رئيس المجلس الوطني الاتحادي، ومجموعة من المحاضرات والورش المتخصصة بهذا الفن، هي موضوع الدورة السابعة من معرض دبي الدولي لفن الخط العربي الذي أقيم على مدى أسبوع، بين السابع عشر والثالث والعشرين من هذا الشهر، بمشاركة واحد وعشرين خطاطا إماراتيا وعربيا وعالميا، ينتمون إلى مدارس فنية مختلفة من مدارس فن الخط التي تطورت عبر القرون، وساهم في تطويرها الفنانون العرب والمسلمون من أنحاء العالم. وأقيم المعرض برعاية من دائرة السياحة والتسويق في دبي، وبمشاركة من وزارة الثقافة والشباب وتنمية المجتمع ومركز الأبحاث للتاريخ والفنون والثقافة الإسلامية “إريسكا” من تركيا، وندوة الثقافة والعلوم ومجلة حروف عربية الصادرة عن “الندوة” وبنك الإمارات دبي الوطني. المعرض الذي يحتوي هذه الأعمال المتنوعة، شارك فيه عدد من الفنانين الإماراتيين، من أبرزهم خالد الجلاف وحسين الهاشمي ومحمد عيسى خلفان، والإماراتية الوحيدة نرجس نور الدين التي دأبت على المشاركة في معظم المعارض المحلية والعربية والدولية. وفي اليوم الأول من هذه التظاهرة الدولية، كان حشد الحضور كبيرا في الصباح، من الخطاطين والفنانين عموما، وشهد المساء لقاء مع محمد المر عرض فيه تجربته مع اقتناء الأعمال الفنية، وكان لقاء استثنائيا بامتياز، كما شهد المساء الأول لقاء مميزا مع الفنان الخطاط جمال الترك (من الأردن)، إضافة إلى مجموعة من الندوات والمحاضرات المتعلقة بهذا الفن وخصوصياته والتطورات التي حدثت عليه، وتحديدا في زمن التقنيات التي يجري استخدامها لتطوير الخطوط العربية باستخدام خطوط وحروف غير عربية. الهوية الثقافية الإسلامية الاهتمام المؤسسي الاتحادي والمحلي بفن الخط العربي ملحوظ عبر عدة برامج ثقافية بارزة، مما جعله واجهة تستقطب مختلف المبدعين في المجال من العالم العربي والإسلامي، حول هذا الموضوع يقول الخطاط التركي محمد أوزجاي المشارك في المعرض إن الكثيرين من الخطاطين يسعون للحضور وعرض أعمالهم في الإمارات، نتيجة الجهود الكبيرة لريادة تعزيز إبراز هذا الفن، معتبرا استمرار تنظيم المعرض نموذجاً لتطور الثقافية الخطية العربية، مضيفاً “لم أتخيل أجواء المعرض في بداياتي في العمل، ولكن اليوم أرى نفسي مساهما مهما في تشكيل الهوية الثقافية الإسلامية”. التجارب نفسها تقريبا نراها في هذا المعرض، الفنانون أنفسهم تقريبا يقدمون تجاربهم القديمة المتجددة، لمسات جديدة يمكن أن يلمحها المشاهد في عمل هنا أو هناك، لكن المدقق والمتفحص والمتخصص يستطيع أن يلمس الإضافة في كل لوحة خطية من اللوحات المشاركة، فالفنان له إضافاته في كل عمل، وهم جميعا من أصحاب التجارب المكرسة والراسخة في هذا الفن، فمن الذي لا يعرف الفنان السوري منير الشعراني الذي بدأ يفرض حضوره منذ السبعينات، وكذلك الفنان الإماراتي خالد الجلاف، وصولا إلى الإماراتية نرجس نور الدين (مواليد 1975) والتي صار لها حضور مميز كذلك من خلال أسلوبها ومشاركاتها المتعددة، فهي تتميز باختيارها خط الجلي الديواني. تجربة إماراتية خاصة الوقوف مع الفنانة نرجس نور الدين في المعرض يوضح مدى اهتمامها بفن الخط العربي، ومدى غوصها في مدارسه ثم اختيار نهجها فيه، وفي هذا الإطار تقول نرجس: خط الجلي الديواني هو المفضل لدي، وهو يوائم يدي وبصري وشخصيتي. وتظهر بصمة الفنان وتعرف لوحته في الاتجاه الكلاسيكي من متانة سبكها وتركيبها، من قوة حروفها وأناقتها ودقتها، من جرأته ومعرفته في التصرفات الجائزة وغير المشهورة في تركيب الحروف وحتى من تصرفاته المبتكرة. هناك الكثير من التفاصيل والجوازات والكيفيات التي تدل على خبرة الخطاط وتعكس ثقافته واطلاعه، وهناك أيضا الأخطاء الشائعة التي تعكس عدم الاطلاع. فاللوحة إما أن تنطق بإبداع كاتبها وتفننه وإتقانه، أو بمستوى عادي من الإتقان مع عدم تقديم جديد، أو أن تكون دون ذلك، ولكل مستوى أهله. أما في الاتجاهات الحديثة، فهناك من الخطاطين من اعتمد أسلوبا خاصا عرف به، وهناك من ابتكر خطا جديدا وقدمه في كثير من الأعمال واللوحات، وهناك من أحيى خطا منسيا، فأدبه وقعّده وأخرجه في حلة عصرية جديدة. وفي كل حال، بصمة الخطاط تكون واضحة لأهل هذا الفن. أما الخطاط الإماراتي خالد الجلاف فيرى أنه قدم في المعرض مشروعا ثقافيا عبر لوحتين سعى من خلالهما إلى مزج الروح التشكيلية والخط العربي للقلعة الحمراء في إسبانيا حاليا، تأكيدا على أهمية هذا الفن كجزء حيوي في مكونات العمارة الإسلامية”، التي تجسد اللوحة الانطباعية، المشكلة من اللون والزخرفة كمرآة تعكس أسلوبية تطور فن الخط الذي يمثل صورة لسان العرب، واعتبر الجلاف أننا إذا استطعنا أن نقرأ خط أبنائنا بصورة جميلة، نستطيع القول أن فعل تعزيز هذا الفن موجود فعلا. علاقة الأديب والخطاط اللافت في المعرض حقيقة هو الأعمال التي شارك بها محمد المر، من مقتنياته، وهي تنتمي إلى مدرسة الفنان الحافظ عثمان من القرن السابع عشر، وعلى مدى أربعة قرون استمرت هذه المدرسة في عطائها وتواصل معها الفنانون من مختلف دول العالم، للكتابة بنفس أسلوب الخط (الثلث والنسخ)، بنوعيه الكلاسيكي والحديث. وهي تظهر ذوق محمد المر ونظرته تجاه فن الخط، حيث يبدو أنه يعجب بالخطاط المبدع الذي يفكر بشكل جمالي ترافقه الزخرفة والألوان كمتطلبات للتزيين تسكن اللوحة وتقدمها بصورة بهية للمتلقي. هذا إضافة إلى أن للمر علاقة الأديب مع الخطاط، واللوحة عنده مونولوج حسي مبني على قاعدة النص في تناول الحوار الضمني للعمل الفني، وأن اللوحة تحتاج إلى مسؤولية إعلامية في ترويجها، ومنهجا تربوي يقدمها إلى الأجيال الجديدة في العالم العربي والإسلامي. هذا ما برز أيضا في محاضرة المر حول ما يمكن تسميته “فن اقتناء اللوحة”، وهو ما لم يسبق الحديث فيه على نحو معمق بحسب علمي، فقد قال المر إنه يقتني اللوحات الخطية تمهيدا لإعداد موسوعة علمية أكاديمية بحثية تحت مسمى موسوعة فن الخط تضم عشرة مجلدات في فن الحلية وفن الإجازة الخطية وفن لوحات الثلث، وفن دلائل الخيرات والأدعية وغير ذلك، حيث ستكون هذه الموسوعة متوافرة للباحثين والأكاديميين وستكون متفردة في مجالها. وللمر رؤيته في هذا المجال، انطلاقا من كونه قادما من عالم الأدب، وهو ما يظهر في بداية اهتمامه باقتناء الأعمال الفنية المرتبطة بالأدب والشعر تحديدا، فهو يقول: بدأت هذه الهواية قبل خمس عشرة سنة عندما كان في الشارقة معرض ببيت قديم للفنان العراقي محمد سعيد الصكار، أعجبتني لوحة كتب عليها بيت شعر لقيس ليلى في الغزل كتب بطريقة حديثة جميلة فاقتنيته، ثم جذبني إلى فن الخط، وبدأت أقتني هذه الاعمال وخصوصا تلك التي لها علاقة بالأدب. وحصلت على أعمال تزاوج بين الفن والأدب حتى وجدتني قد توغلت في هذا المجال، فحصلت على لوحات من خضير البورسعيدي ومنير الشعراني، وكان مضمون اللوحة هو ما يدفعني لاقتنائها. ثم إن هناك معايير لاقتناء اللوحة، وأنا وقعت في “غرام” الخط بمساعدة كل من خضير البورسعيدى ومنير الشعراني ومحمد اوزجاي وغيرهم. كما قرأت كتبا عديدة في فن الخط العربي ووسعت إدراكي في هذا الشأن ودرست الفن بمختلف أنواعه ومدارسه وعصوره حتى تراكمت لدى حصيلة هائلة. كما أنني أقتني من المزادات الشهيرة في العالم وعلى رأسها مزادات بريطانيا كونها موثوقة تماما. كما أن عملية الاقتناء تحتاج كما تقول الحكمة الشهيرة إلى صبر أيوب ومال قارون وإلى العلم. المسألة الفكرية الندوات تناولت أيضا عددا من الخطاطين من العالم، وخصوصا من تركيا وإيران، ومن تركيا مثلا خطاط شهير عاش بين القرنين التاسع عشر والعشرين هو سامي أفندي، (1873 ـ 1912)، إضافة إلى تناول قضايا فنية معينة، أو نوعا من الخطوط مثل “نستعليق” الذي يجسد اللقاء بين الخطين العربي والفارسي (النسخ والتعليق)، أو التحولات التي جرت للخط العربي منذ الطباعة والكمبيوتر، حيث يرى البعض أن دور الكمبيوتر “جاء ليختزل الحروف العربية إلى أدنى حد ممكن، وقد أمكن تذليل العديد من الصعوبات مثل الحروف (س ش ص ض) التي كانت مكونة من ثلاثة أجزاء لكل حرف، فاختصرت على آلة التثقيب إلى حرف واحد لكل منها، إذ يقوم الكاتب بالضرب على مفتاح واحد لأي نوع من حروف السين - مثلاً - وعلى العقل الآلي أن يميز ـ حسب البرنامج ـ الحرف المطلوب، هل هو في أول الكلام أو في وسطه أو في آخره”. ويمكن القول في هذا السياق “إن العلم والثقافة والوعي هي ما نحتاج إليه إلى جانب الموهبة والفن، للارتقاء باستخدام الخط العربي لنلبي المتطلبات التي يطرحها التطور ومستجدات الحياة، بصيغ جمالية دائمة التطوّر، تشمل وظائفه كلها من أدناها إلى أرقاها، من الكتابة اليدوية إلى اللوحة الفنية، الأمر الذي سيضرّ حقًا بالنسّاخ ومهنة الخط العربي”. لكن ثمة من يرى أن “الكمبيوتر ـ ما من شك ـ إنجاز علمي، وموجة لا يمكن الوقوف في وجهها، وفي تطور مستمر، ولكن هذا عالميًا، أما عربيًا فلا، فهناك آلاف (الموديلات) للحرف اللاتيني، وكله معتمد، ولكن الحروف العربية الموجودة على الكمبيوتر التي قد تبلغ الألف، لا يستخدم منها إلا ثلاثة أحرف أو أربعة أحرف، نراها أنا وإياك على الجريدة، على المانشيت، حرفًا مطبعيًا مكبرًا، وعلى المتن حرفًا صغيرًا وحسب. والحرف الطباعي مقروء، لكن دون روح”. القواعد والحرية وأخيرا، تبقى المسألة الفنية والجمالية التي تحدث عنها الفنان جمال الترك خلال إحدى الجلسات الحوارية، فرأى أن على الفنان أن ينطلق إلى سماء مفتوحة لا سقف لها، لكن اللوحة التي لا تحوي القواعد والأصول هي لوحة “ساقطة”، وقد تحدث الخطاط جمال الترك عن تجربة الخط وانفعاله مع لوحاته التي جاءت لتعبر عن خلفيته الثقافية وقناعاته الفكرية، ولا يمكن أن يكون له سقف محدد، فلا سقف للإبداع والحرية، لافتا إلى أن خلفية الخطاط هي القاعدة التي يستند إليها وهي التي تجعله يبدع على أساسها. وتناول الترك لوحاته الخطية التي جاءت عبر أوقات زمنية متفاوتة منها ما هو في شكله النهائي وبعد إعدادها للعرض وأخرى بخطوطها الأولى وما بها من محاولات أو ما يصح أن نقول عنها مشروع اللوحة. ثم انتقل الترك في حوار ثري مع الخطاطين إلى ما يسمى بالتحرر من القواعد والأسس التي تضبط الخط العربي، ثم يعود ليؤكد على أن الفنان لا يخضع لقانون، وقال إنه يمكننا أن نخضع طالبا غير موهوب لدروس مكثفة على يد أستاذ كفء ووقت مناسب سينتج لنا بروفيسورا في الخط، لكنه خطاط حرفي وليس فنانا.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©