الثلاثاء 19 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
علوم الدار

.. مـاذا لو كان عربياً.. وزوجته آسيوية؟!

.. مـاذا لو كان عربياً.. وزوجته آسيوية؟!
26 مارس 2017 14:44
أحمد مصطفى العملة لمشاهدة الصور اضغط هنا.. هل تذكرون الأكاديمي روبرت كيلي الذي أثار ضجة كبرى الأسبوع الماضي عندما ظهرت عائلته على الهواء بطريقة غريبة خلال مقابلة مع «بي بي سي» بشأن التطورات السياسية بكوريا الجنوبية؟ فوجئ كيلي بعد ثوان من بدء المقابلة التي كان يجريها، كالعادة، من منزله بمدينة بوسان الكورية، بطفلته ماريون 4 أعوام تفتح الباب من ورائه وتتهادى بشقاوة حتى صارت بجواره. حاول خبير الشؤون الكورية دفعها للخلف ومواصلة اللقاء، لكن دخول طفله الرضيع جميس قضى على كل أمل له في إنقاذ نفسه من الحرج، ثم اندفعت سيدة آسيوية بخفة ورشاقة وسحبت الطفلين للخارج. وبدا أن كل همها هو أن تبقى مع الطفلين بعيداً عن مرمى الكاميرا. لكن كل شيء رآه، ليس فقط مشاهدو الــ«بـي بي سي»، بل أكثر من 100 مليون شخص حول العالم في غضون ساعات قليلة، بعدما انتشر مقطع الفيديو كالنار في الهشيم عبر وسائل التواصل الاجتماعي. ولابد أنكم لاحظتم شيئاً غريباً !، ربما يمكن أن نسميه «حمى عائلة ضيف الـ «بي بي سي»، بعدما بالغ الإعلام الغربي في الاحتفاء بأصحاب القصة وتعامل معهم بأريحية شديدة وتدليل مفرط. وتحول الأب والأم والطفلان جميعاً إلى نجوم الساعة، وأمضوا أياماً ما بين لقاءات صحفية وتلفزيونية ومؤتمرات صحفية مرحة، خطفت فيها العائلة الأضواء حتى من ضجيج ترامب في البيت الأبيض ومواقف أردوغان المتشنجة ونتائج انتخابات هولندا. طبعا لا غبار على ذلك، ففي بعض الأحيان لا يمكن تحديد سبب عقلاني أو منطقي للاهتمام الكاسح الذي قد يبديه الإعلام الغربي (ومن ورائه وسائل الإعلام في العالم) بأحداث قد يراها كثيرون تافهة أو بسيطة ولا تستحق أن تصبح موضة يغرق فيها الجميع ليالي وأياماً. لكن دعونا نتخيل لو أن هذا السيناريو تكرر عندنا بحذافيره، مع اختلاف الأشخاص.. يعني مثلاً: ماذا لو كان روبرت كيلي الأكاديمي الغربي الأشقر أزرق العينين، أكاديمياً عربياً أسمر اللون، اسمه محمد بن أبي بكر. واستضافته بي بي سي العربية ليتحدث عن التطورات في العراق أو سوريا، ثم بعد ثوان دخلت ابنته الصغيرة وأخوها الرضيع، لمكتبه، ومن ورائهما اندفعت كالسهم سيدة محجبة (أو منتقبة) سحبتهما بطريقة السيدة الآسيوية نفسها؟! كيف كانت وسائل الإعلام الغربية ستتعامل مع الأمر؟! هل كانت ستسلط الضوء على عائلة (محمد بن أبي بكر) وطفلته عائشة (مثلاً) وشقيقها أحمد والسيدة الغامضة التي ستكشف لاحقاً بعد البحث عن اسم لها أن لقبها «أم أحمد» ؟! على الأرجح نعم.. كانت ستفعل.. لكن هل كانت ستدلل عائلة محمد ، كما دللت أسرة كيلي؟! بالتأكيد لا..، وربما جاءت تغطيتها على النحو التالي: 1- كان الأب محمد بن أبي بكر سيتعرض لانتقادات حادة لأنه «دفع» طفلته «بعنف واضح»، ليكمل المقابلة التلفزيونية من دون إزعاج فيما يعكس الطريقة المسيئة التي يتعامل بها كثير من الآباء في الشرق الأوسط مع أطفالهم، في انتهاك واضح ومعتاد لحقوق الطفل، لا يثير غضب كثيرين في المنطقة. وقد تسبب ذلك في إحراج بالغ للطفلة، أجبرها على عدم التوجه إلى الحضانة عدة أيام، حتى ينسى أقرانها ما جرى! 2- لم يتعامل الأب بالطريقة نفسها مع طفله الصغير أحمد، وهو أمر شائع بين كثير من الآباء في المجتمعات العربية الذكورية التي مازالت تمارس تمييزاً واضحاً بين الذكور والإناث! 3- تجاهل الأب بهدوء أعصاب غريب (أقرب للبرود) الأمر برمته، وأكمل المقابلة التلفزيونية، وكأن المشهد كله لا يعنيه.. ويذكر أن الآباء في المجتمعات العربية، عادة ما يتركون مهمة رعاية الأطفال والاهتمام بشؤونهم للأمهات، اللواتي يسلمنها بدورهن للخادمات! 4- السيدة التي احترنا في تحديد هويتها، هل هي زوجته أم خادمته، جذبت الطفلين بطريقة مهينة وعنيفة أمام الكاميرا، ضاربة عرض الحائط بأصول التعامل مع الأطفال. ويذكر أن بعض أبناء المجتمعات العربية ما زالوا لا يرون غضاضة في استخدام العنف في تربية الأطفال، مما قد يساعد في تفسير كل هذه العمليات الانتحارية التي يرتكبها أطفال ومراهقون صغار في بلدان شتى بالمنطقة! 5- تردد بقوة أن مشادة زوجية وقعت بين محمد بن أبي بكر والسيدة التي ظهرت في المشهد (وهي بالمناسبة زوجته وليست خادمته لأن اسمها أم أحمد والعرب يخفون في العادة أسماء نسائهم). ويقال إن أشد ما أثار ضيق الزوج مما حدث هو ظهور زوجته بملابسها المنزلية أمام الملايين من دون إذن منه، كما أن خصلات من شعرها المصبوغ بالحناء بدت واضحة أمام الكاميرا. ويذكر أن الرجال في المجتمعات العربية يفرضون على زوجاتهم وبناتهم لبس الحجاب الذي يخفي معالم الجسم باستثناء الوجه والكفين، والبعض يفرض عليهن ارتداء النقاب، كما أنهم يمنعونهن من الظهور في الأماكن العامة! 6- ثمة مصادر تقول إن السيدة التي سحبت الطفلين هي خادمة، غفلت للحظات عن متابعة الطفلين بسبب عملها لمدة تتجاوز 17 ساعة يوميًا في رعاية مخدومها وأسرته الكبيرة، وهو أمر شائع في الشرق الأوسط، حيث يوجد أعلى معدل للإساءة إلى الخادمات وتشغيلهن بالسخرة! 7- لم يحاول محمد بن أبي بكر أبداً أن يقدم يد العون للسيدة التي تدخلت بسرعة ولم يسع حتى لمساعدتها برفق لاستيعاب حركة الأطفال العفوية! 8- كان يتعين على «بي بي سي» أن توقف هذه المهزلة على الفور كما لا يتعين عليها أبداً أن تجري مقابلات مماثلة مع محمد بن أبي بكر بعدما ثبت للجميع انتهاكه لحقوق المرأة والأطفال على مرأى من الملايين. كما أن عليها أن تقدم اعتذاراً واضحاً لمشاهديها عما اضطروا لمشاهدته رغماً عنهم. 9- كان اللقاء يجري في التاسعة بتوقيت «جرينتش» مما يعني أنها كانت الثانية عشرة ليلاً أو الواحدة في منزل العائلة، حيث يبقى الأطفال متيقظين لساعات متأخرة من الليل. وهي للأسف ظاهرة منتشرة في كثير من البيوت العربية حيث لا يلتزم كثيرون بقواعد التربية السليمة للأطفال، بما في ذلك مواعيد النوم والاستيقاظ مبكرًا! 10- رفض محمد بن أبي بكر ظهور عائلته مرة أخرى في حوار مع البي بي سي أو إجراء أي لقاءات صحفية أو عقد مؤتمرات صحفية، لتوضيح الأمر.. وعندما سئل عن السيدة التي ظهرت في اللقاء، قال بتلعثم إنها زوجته، لكن ليس من المعروف هل هي زوجته الأولى أم الثانية أو الثالثة أم الرابعة، حيث يبيح الإسلام (حتى الآن) للرجل أن يتزوج من 4 نساء في وقت واحد! 11- قالت مصادر مقربة من العائلة إن مشاجرة حادة اندلعت بين الزوجين عقب بث الفيديو المثير للجدل، حيث اتهم أبو بكر زوجته بالإهمال، وأنها السبب فيما جرى، على الرغم من أنها تركت عملها كطبيبة منذ سنوات لرعاية العائلة. وقد اتهمته بدورها بأنه المتسبب في هذا الموقف الغريب، لأنه نسي إغلاق غرفة مكتبه التي اعتاد أن يجري منها مقابلاته! المدهش بعد ذلك كله، أن وسائل الإعلام الغربية لم تكن وحدها التي ستردد مثل هذا الكلام.. بل إن وسائل إعلام عربية، كانت ستردده.. وأكثر منه، بما يعني أنه لا يمكن أبداً الحديث عن إعلام «ملائكي». فالتحيز العرقي والديني والطائفي موجود في الإعلام، كما هو متجذر بالمجتمعات، بل حتى داخل المجتمع الواحد. وللتدليل على ذلك يمكننا أن نقطع في «اللعبة» شوطاً أطول.. لنتخيل مثلاً لو أن الآسيوية التي ظهرت في  المقطع الأصلي هي نفسها التي ظهرت مع محمد بن أبي بكر ؟!.. ماذا ستقول وسائل الإعلام العربية أو الناشطون العرب على «تويتر» و«فيسبوك» حينئذ عن زوجة آسيوية وطفلين لهما ملامحها في بيت رجل عربي..؟! سأترك لكم هذا السيناريو.. تخيلوه أنتم.!!  
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©