الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

تصعيد بيونج يانج وخيارات أوباما المحدودة

تصعيد بيونج يانج وخيارات أوباما المحدودة
27 مايو 2009 00:35
كشف إطلاق كوريا الشمالية لصاروخها من طراز تايبودونج -2، وتجربتها النووية الثانية –إضافة إلى تجربة صاروخية جديدة أجرتها أمس- عن ضآلة الخيارات السياسية المتاحة أمام الرئيس باراك أوباما. فالصاروخ والتجربة عرّيَا عدم جدوى المحادثات سداسية الأطراف، التي تشارك فيها الولايات المتحدة وروسيا والصين واليابان والكوريتان. هذه التطورات عرت على وجه الخصوص، الأسطورة التي بولغ فيها كثيراً عن قيمة الصين كشريك في الأمور الاستراتيجية. وإذا ما كانت الإدارة تدعي أنها تريد القطيعة مع سياسات الإدارة السابقة، فإن سياستها تجاه بيونج يانج هي واحدة من السياسات التي ينبغي أن تفعل فيها ذلك. فبعد عقود من الدبلوماسية و»جس النبض» بحثاً عن النوايا الحقيقية لبيونج يانج، بات هناك شيئاً واضحاً تمام الوضوح: أن «كيم جونج إيل» ورجاله يريدون الحصول على الأسلحة النووية والوسائل اللازمة لإطلاقها. والسؤال: ما الذي يمكن أن يصرفهم عن ذلك؟ فرض العزلة والمزيد من العقوبات سوف يكون ذا فائدة إذا ما وافقت الصين وروسيا على المشاركة فيها ولكنهما لم تفعلا ولن تفعلا. أما عن العمل العسكري ضد صواريخ كوريا الشمالية ومواقع صواريخها، فلقد كان من الممكن أن نؤيده لو كنا قد أعددنا أنفسنا على مدار الأعوام القليلة الماضية من أجل حماية حلفائنا ضد احتمالات انتقام هذه الدولة. ويشار هنا إلى أن وزير الدفاع الأميركي الأسبق «ويليام بيري» ووكيل وزارة الدفاع الحالي «أشتون بي كارتر» قد أوصيا بهذا الأسلوب في التعامل مع كوريا الشمالية في صحيفة»واشنطن بوست» منذ عدة سنوات غير أن إدارة بوش ذات النزعة القتالية لم تأخذ باقتراحهما واحتمالات قيام الإدارة الحالية بذلك تعد أصغر كثيرا من احتمالات إقدام الإدارة السابقة عليها. لسنوات دفع الافتقار إلى الخيارات الجذابة البعض إلى التطلع نحو الصين بحثاً عن المساعدة. وكان الداعون للتعاطي الحميم مع الصين من بين أبرز المروجين لهذا الاتجاه وأشدهم حماسة وإن كانت هذه الحماسة، كما نفترض، ترجع ليس إلى الاهتمام بحل مشكلة كوريا الشمالية بقدر ما كانت ترجع لمحاولتهم إثبات أهمية العلاقة الوثيقة مع الصين وظل هؤلاء يدعون بلا هوادة أن كوريا الشمالية هي واحدة من تلك الهموم الاستراتيجية التي تتشارك الولايات المتحدة والصين فيها. ولكن التجربة العملية أثبتت عدم صحة هذه الفرضية. صحيح أن الصين قادرة على الأقل من الناحية النظرية على الضغط على كيم جونج إيل كي يتخلى عن أسلحته، حيث تتمتع بكين بالقوة والنفوذ اللذين يمكناها من ذلك، ولكن المشكلة تكمن في أن الصين لا ترغب في ذلك، بل هي راضية بالتعايش مع كوريا الشمالية المناوئة للغرب. ففي الوقت الذي تخشى فيه الصين من أن يؤدي ضغطها إلى انهيار النظام في كوريا الشمالية، الذي قد يتبعه خروج جماعي للسكان الفقراء وتدفقهم على الحدود الصينية الشمالية الغربية الفقيرة أصلا، مما يفاقم من المشكلات التي تواجه الدولة الصينية، فإنها تخشى في نفس الوقت كوريا الموحدة الديمقراطية والثرية المتحالفة مع الولايات المتحدة. فالصين تريد دولة تابعة في كوريا الشمالية وهذا هو السبب الذي يدفعها لعدم المشاركة في أي عقوبات ضد هذه الدولة ويدفعها في ذات الوقت للاستمرار في ضخ المزيد من الاستثمارات الاقتصادية هناك. بالنظر لهذه الحقائق يمكن القول إن الولايات المتحدة ليس أمامها من خيارات سوى الانتظار حتى يختفي «كيم» من الساحة، ويظهر محله زعيم قادر على اتخاذ القرارات الاستراتيجية اللازمة للتخلي عن برنامج كوريا الشمالية النووي.وفي الوقت نفسه، يجب على واشنطن الشروع في السير على طريق ثلاثي الشعب: الأول، يجب عليها أن تعزز من قوتها الرادعة من أجل حماية نفسها وحماية كوريا الجنوبية واليابان. يتطلب هذا القيام أولا بتعزيز إمكانيات الردع لدى أميركا وحلفائها وكذلك قدراتها الصاروخية. ومن سوء الحظ أن هذه القدرات الصاروخية تحديدا هي التي يسعى أوباما في الوقت الراهن إلى تقليص مخصصاتها ضمن الإنفاق الدفاعي العام على الرغم من التهديد المتنامي الذي تمثله صواريخ كوريا الشمالية وإيران. الثاني، يجب على أميركا تعزيز جهودها المتعددة الأطراف لكبح جماح الانتشار النووي الكوري بما في ذلك بذل جهود أكثر إيجابية في رصد وتجميد الحسابات المصرفية لتلك الدولة والمستخدمة في تمويل برنامجها للانتشار النووي. ثالثا، يجب على واشنطن التخلي عن المحادثات «السداسية» في الوقت الراهن وإذا ما تبين في أي وقت فيما بعد أن هذه المحادثات ضرورية للتواصل مع بيونج يانج وهو احتمال بعيد للغاية فيمكن لنا إعادتها، ولكن فلنعمل الآن على وقف هذه المحادثات. وإذا قررنا الدخول مرة أخرى في محادثات مع كوريا الشمالية، فإن جهودنا الدبلوماسية يجب أن تتجاوز الموضوع النووي وتبدأ في التحضير لتحقق المحصلة التي تريدها من وراء تلك المحادثات وهي: تحول الكوريتين في النهاية إلى دولة واحدة، ديمقراطية وغير نووية. ويمكن للمقاربة الأميركية في هذا الشأن أن تتضمن -كما اقترح «أندريه لانكوف» الخبير في الشؤون الكورية فتح مجال التبادلات الثقافية والتعليمية والاقتصادية مع الشمال- كذلك، يجب تشجيع الأساتذة والخبراء الغربيين على التدريس في الجامعات والمعاهد العليا الكورية، كما يجب السماح للكوريين الشماليين بالتعلم في الغرب، وأن تتبنى الولايات المتحدة واليابان وكوريا الجنوبية مشروعات اقتصادية تعاونية في الشمال. يجب على الولايات المتحدة كذلك العمل على فتح المزيد من محطات الإذاعة والتلفزة الموجهة إلى كوريا الشمالية سواء من الغرب أو من كوريا الجنوبية. باختصار، يجب على الدبلوماسية الأميركية تجاه بيونج يانج أن تركز على الإجراءات اللازمة لرفع مستوى معيشة سكان كوريا الشمالية وتعزيز تواصلهم وانفتاحهم على الغرب. هذه المقاربة سوف تؤدي بنا إلى تركيز الأنظار على الأهداف الاستراتيجية البعيدة المدى.. ومن يدري؟ ربما تؤدي المقاربة الأميركية الجديدة تجاه كوريا الشمالية إلى مزايا إضافية قد لا نستطيع التنبؤ بها في الوقت الراهن ومنها على سبيل المثال: عندما ترى الصين أن نفوذها وبروزها في حقل الدبلوماسية الموجهة نحو كوريا الشمالية قد تضاءل فإنه ربما تقتنع حينئذ بالعمل بشكل أكثر قوة وفعالية في الجهود الرامية لنزع سلاح «كيم». دان بلومينثال زميل مقيم في «أميركان إنتربرايز إنستيتيوت» روبرت كاجان زميل رئيسي بمؤسسة »كارنيجي» للسلام الدولي ينشر بترتيب خاص مع خدمة «لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©