السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

أنثى التمرّد

أنثى التمرّد
20 فبراير 2013 20:46
دينا جوني تستحضر مروى عادل ولورا الطنطاوي الروح الأنثوية المصرية بكامل هواجسها وسخطها وهشاشتها وجرأتها وحنينها في معرضين منفصلين للتصوير الفوتوغرافي الفني في دبي. رحلتان فنيتان مختلفتان ومتقاطعتان للبحث، إما عن الذات المتلاطمة في مجتمع ذكوري بامتياز، أو عن هوية استحالت ضبابية نتيجة الغربة المتقطعة عن «الحضن» المصري، لتهتز بذلك الصور المتراخية في ثنايا الحنين لبناء عمل من فتات الذاكرة. تخاطب مروى عادل في معرضها «بلا هوية» في غاليري Art Sawa في المركز المالي العالمي، ولورا الطنطاوي في معرضها «الحجاب» في صالة Gulf Photo Plus في القوز الصناعية، الأنثى وحدها في تواطؤ معلَن. فالمرأة بالنسبة لهما سواء كانت مصرية، عربية، أو أجنبية هي الأقدر على التقاط تلك الخيوط النسوية المشتركة التي يحيكان بها أعمالهما ـ المختلفان تماماً ـ بحس تعبيري وفني رفيع. تقدّم مروى عادل في «بلا هوية» وللمرة الثانية في دبي بعد معرضها السابق «اختباء»، عملاً فوتوغرافياً ممزوجاً بالكاليغرافي أو فن الخط العربي، لتخلق منهما لوحات جمالية بامتياز. أما «الحجاب» للورا الطنطاوي، فهو أقرب للتصوير التوثيقي الفني البعيد في معظم اللقطات عن المباشرة المعهودة، فتبدو الأعمال المعروضة محمّلة بنظرة الطنطاوي الخاصة في التقاط ما يدور حولها وبالتقنية التي توصل ما اختزنته ذاكرتها الطفولية وحواسها من حجاب النسوة في عائلتها. «هوية» مروى تسلخ المصورة الفنية مروى عادل عن نفسها طبقات متراصة متشابكة من الموروثات الاجتماعية والدينية والصور النمطية التي اكتسبتها ابنة الثامنة والعشرين خلال نشأتها في القاهرة مسقط رأسها، وذلك منذ اختبارها تجربة الزواج عام 2007 التي كانت حصيلته طفل وطلاق بعد سنة واحدة فقط. لم تكن عادل، التي ترتدي الحجاب مذ كانت طفلة، تدري قبل ذلك حجم الابتزاز والتفريغ الفكري والنفسي والعاطفي الذي يُمارَس على المرأة في محيطها من قِبل «ربان» العلاقة الزوجية، إلى أن عاشت التجربة بنفسها. بعد الانفصال عن زوجها، وجدت عادل في التصوير الفوتوغرافي ملاذاً مكملاً لدراستها الجامعية في الفنون التطبيقية والتصميم الفني، ولعملها كأستاذة محاضرة في جامعة 6 أكتوبر في القاهرة. كل ذلك كوّن لديها لغة بصرية فريدة وأسلوب أنثوي تعبيري حميم مستمدّ بالدرجة الأولى من معاناة شخصية. تتكئ عادل في «بلا هوية» على رمز مشترك هو الجسد في عريه الحر المتفلت من القيود المفروضة على الفكر والقلب والبصيرة. فباستخدام الإضاءة الطبيعية، تلتقط عادل صور بورتريه نصفية أو كلية لصديقات وأقارب تبرعن أن يكن عارضات ضمن مشروعها الفني الشخصي. أما القيود التي تحكم الروح النسوية في مجتمعها، فتُبرزها عادل على شكل طبقات من الخطوط العربية التي صممتها بنفسها بما يناسب إحساسها والرسالة التي تودّ إيصالها، لتحجب فيها القدر الكافي من الجسد ـ الرمز ـ الحرية. شخصانية التعبير عند عادل تبرز بشكل أكبر في العناصر الخاصة الأخرى التي تنتقيها بعناية والمستخدمة أيضاً كطبقات إضافية حاجبة وقاهرة للمرأة في مجتمعها، في لعبة بصرية ممتعة. ففي لوحاتها الإحدى عشرة، تختار عادل صوراً تفصيلية مقرّبة أو «ماكرو» لقماش التول المزخرف والمخرّم في فستان زفافها، وقماشة الوشاح أو «الفوال» الخاصة بالطرحة. تركب عادل تلك العناصر بتقنية بسيطة عبر استخدام احد برامج إنتاج وتحرير الصور، كطبقات تغطي أجزاء من صور البورتريه التي التقطتها لجسد المرأة أو وجهها. لا تعتمد عادل على مخيلة ارتجالية في تنفيذ أعمالها. فهي قبل التصوير، تحدد فكرتها جيداً وتضع مسودة أو رسماً تخطيطياً بالشكل النهائي للصورة بمختلف عناصرها. بعد ذلك تبدأ بتنفيذ الجلسات التصويرية التي يمكن أن تحيد فيها عن الرسم الأولي، لتركب في النهاية كل تلك الطبقات في صورة واحدة. ومن ثم تبدأ عملية ابتكار درجة اللون والضوء في إنتاج الصورة النهائية التي غالباً ما تكون بالأبيض والأسود، كما هو الحال في «بلا هوية»، أو لونية «السيبا» التي تميل إلى الأصفر الكلاسيكي المعتق، كما هي الحال في عملها «رحلة»، وبعض الصور في معرضها السابق في دبي «اختباء». في تلك الأعمال، تضيء عادل ليس فقط على تجربتها المرّة وتمردها على واقعها كما تقول، وإنما تخاطب كل امرأة أُريد لها أن تتحول إلى نموذج سطحي سلبي يتكرر في كل عائلة، ومُنع عنها أن تكون أماً ملهمة على امتداد مجتمعها الصغير والوطن. تحاول عادل في جميع أعمالها أن تخلق تعبيراً بصرياً تريده أن يشكّل صوتها وهويتها الفنية بأسلوب مدموغ باسمها. إلا أن الأمر الوحيد الذي يفترض أن تتنبه له وتتجنبه عادل في مشاريعها المقبلة ومعارضها، هو الوقوع في فخ التكرار. فالموضوع الرئيسي واحد في جميع أعمالها، وطريقة الإنتاج البسيطة في تنفيذها والملفتة في جماليتها وإحساسها، لا تتغير وإن تبدلت العناصر المستخدمة فيها. وتجد عادل في التصوير الفني طريقاً لإعادة اكتشاف ذاتها، للتأمل والتفكير في ما تريده اجتماعياً، ودينياً، بعيداً عن كل ما تم إلصاقه في روحها الخام منذ تكوينها، لإعادة غربلة الأحلام والآمال والطموحات على أرضية جديدة. في مشروعها المقبل الذي تعمل عليه حالياً، لن تكون عادل جزءاً مخططاً ومنفذاً لأعمالها الفنية من خلف الكاميرا وحسب، وإنما ستنتقل للعب دورها الحقيقي من أمام العدسة في بورتريه شخصي جداً. «حجاب» لورا لم تتمكن سنوات الغربة التي عاشتها المصورة المصرية لورا الطنطاوي بين المملكة العربية السعودية وإجلترا مكان ولادتها، من مسح ملمس الأقمشة التي طالما لاحَ على خديها وشعرها كلما احتضنتها امرأة من أفراد العائلة خلال طفولتها ونشأتها. فرائحة العطر العالق في نسيج منديل الجدة لا يزال يُشعرها بالدفء كلما نبشت في ذاكرتها. الحجاب هناك هوية لصيقة ليس فقط في نساء العائلة، وإنما أيضاً في نسوة الشارع، والحي، والمنطقة والبلد بأكمله. لم تعلم الطنطاوي، التي لم تُلزم يوماً بلبس الحجاب، أن ذاك الغطاء لا يزال مسكوناً في داخلها، ظاهراً من حيث لا تدري في العديد من رحلاتها التصويرية التوثيقية الفنية. تنبّهت الطنطاوي لما تسرّب من لاوعيها، بعدما التقطته عينها ومصراع الكاميرا. فالمرأة المحجبة موجودة وإن بخفر بين مئات الصور الموجودة في أرشيفها في أي بلد أو مدينة. من هنا، قررت المصورة الإسكندرانية استكشاف ما تحمله في دواخلها عن «حجاب» المرأة من خلال عين الكاميرا، في مشروع بدأ عام 2008، واكتملت المرحلة الأولى منه في 2010، نتج عنه 28 صورة توثيقية فنية. جالت كاميرا الطنطاوي 13 مدينة في خمسة بلدان هي إنجلترا، والهند، وإيران، وتركيا، ومصر لتنتج عملاً شخصياً بأسلوبه وطابعه اللذان يشبهان حالة التذكر، واستحضار الإحساس من غباشة الماضي. أرادت الطنطاوي من خلال «حجاب» التي قدّمت عنه جلسة حوارية في معرض GPP، أن تنطلق من أمر يعنيها على المستوى الشخصي، من الأثر الدافئ الذي تركه الحجاب في نفسها فتحاول عولمته بصرياً. تقول الطنطاوي إنها أرادت أن تقدّم صورة جمالية، إيجابية ومتفائلة وملونة عن الحجاب، معاكسة للصورة السائدة في الغرب كما في الشرق والتي أرستها الظروف الأمنية الحاصلة في معظم بلدان العالم، وهي تزداد سوءاً بدءاً من 11 ديسمبر ولغاية اليوم. وهي بذلك توحّد ليس فقط التعبير البصري للحجاب، وإنما تحاول إرساء فكرة أن الحجاب الذي قد يشكّل في الظاهر عامل تفرقة بين مختلف الأعراق والأديان، هو في الحقيقة يتمتع بجمالية تميّز ثقافة كل بلد مثل أي مظهر أو لباس تقليدي، وسمة مشتركة توحّد النسوة من مختلف البلدان والأديان. ولذلك، هي تعلن عن رغبتها في تنفيذ المرحلة الثانية من مشروعها «حجاب»، من خلال ولوج عالم حجاب الراهبات وتنوعّه واختلافه في عدد من البلدان. لا تراوغ الطنطاوي في معرضها الحقيقة أو الواقع الذي تعيشه الكثير من النسوة من معاناة وقمع باسم الحجاب وما يحمله من دلالات دينية أو اجتماعية. هي أعلنت أنها لا تملك العصا السحرية لمعالجة هذا الواقع، ولا تملك مفاتيح حله، هي فقط تنظر إلى الجانب الآخر المضيء المرتخي فوق شعر النسوة بألوان وأشكال وطرز متعددة. ما يميز أيضاً أعمال الطنطاوي أنها مشحونة بضربات لونية، تبتكرها من خلال أبسط أدوات الضبط في كاميرا الديجيتال خلال تمترسها في المشهد المناسب. هذا الأسلوب يشبه الى حدّ ما طابع الفوتوغرافيا التصويرية او ما يعرف بالـ «Pictorialism» التي درجت عام 1890 واستمرت لعام 1920، إلا أنها لم تتلاش لغاية نهاية الحرب العالمية الثاني حين بدأ تأثير الحداثة يظهر على الأعمال الفوتوغرافية. ويتسم أسلوب تلك الحقبة المستمد من الفن التشكيلي بشكل عام، بتركيز بؤري خافت وضعف الحدة في الصورة، لخلق صورة تنقل الرؤية الخاصة للمصور تجاه ما يراه بعيداً عن التعبير الصريح. وقد أعاد المصورون المعاصرون استخدام تلك التقنيات وغيرها الكثير بعد أن اتخذ ما يسمى بالتصوير الفني حيزاً مهماً في مجال التصوير الفوتوغرافي وبأساليب مختلفة. في معرضها «حجاب»، تجمع الطنطاوي بين التصوير التوثيقي والتوثيق الفني. وقد عُرف بهذا الأسلوب من المصورين المعروفين المخضرمين دايفيد آلان هارفي الذي يزور دبي بداية مارس المقبل لتقديم ورشتي عمل تتعلق بالتصوير التوثيقي الفني. الأسلوب الذي اختارته الطنطاوي في التقاط صور “حجاب” وغيرها من الأعمال التي نفذتها مثل «سأموت من أجلك: الانتحار في الهند»، وعدد كبير من صور مشروعها الأخير «في ظل الأهرام»، ليس سهلاً على الإطلاق. فالتصوير التوثيقي يتطلب السرعة في التقاط اللحظة التي يراها المصور، في حين أن المصور الفني عادة لديه رفاهية الوقت في تخطيط وتنفيذ الصورة التي يراها في ذهنه، وإعادة تنفيذها إلى حين الحصول على النتيجة المبتغاة. وبذلك فإن تنفيذ الطنطاوي للمشهد التوثيقي بأسلوب فني، لا ينقل للجمهور الواقع المباشر الخام الذي يراه المصور فقط، بل يحمّله أيضاً الكثير من الخصوصية البصرية عبر توظيف العناصر الموجودة في محيط الصورة مثل المسطحات المختلفة للأبواب والشبابيك الزجاجية وانعكاساتها المتنوعة، والأقمشة الشفافة المتدلية في الأسواق التجارية، لابتكار مسطحات وطبقات للصورة ارتجالية ميدانية. هو جَلد طويل لا تجيده الطنطاوي إلا خلف الكاميرا، ولعبة ذهنية أسرع من عداد الثواني، لا بد للمصورة أن تقرر فيها من خلف الكاميرا كيف ستشكّل ما تراه عينها، لشَحن المشهد المناسب بمتعة بصرية لافتة.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©