الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

العلوم الطبيعية كرافعة اجتماعية

العلوم الطبيعية كرافعة اجتماعية
20 فبراير 2013 20:42
حلمي النمنم هناك حنين واضح لدى فريق من الباحثين تجاه رموز الفكر العربي المعاصر، ولعل هذا ما يفسر لنا ظهور سلسلة «تراث النهضة» عن الهيئة المصرية العامة للكتاب ويترأس تحرير هذه السلسلة أستاذ التاريخ المعاصر د. أحمد زكريا الشلق، صاحب الدراسات التاريخية المتميزة حول حزب الأحرار الدستوريين. افتتحت السلسلة عملها بنشر كتاب السيد محمد رشيد رضا «تاريخ الأستاذ الإمام» والمقصود الأستاذ الإمام محمد عبده وقد صدرت هذه الطبعة مطلع عام 2012 واتجهت السلسلة بعد محمد عبده إلى شبلي شميل المفكر والرائد الذي اهتم بالجانب العلمي في ثقافتنا وصدرت أعماله في جزءين قام بإعداد دراسة وتقديم لها أستاذ الفلسفة د. عصمت نصار. يقع الجزءان معاً في أكثر من 760 صفحة من القطع المتوسط وربما تكون هذه الطبعة هي الثالثة في مصر وصدرت الأولى في نهاية القرن التاسع عشر عام 1884 والثانية في 1909. صورة قديمة المقدمة والدراسة اللتان أعدهما د. نصار يمكن أن تشكلا كتيباً مستقبلاً حول شبلي شميل، ومن خلاله نطل على الحالة الثقافية والعلمية في مصر والشام نهاية القرن التاسع عشر ومطلع القرن العشرين، ولا بد للمرء أن يغتبط من حجم الحرية الفكرية والثقافية، فضلاً عن التسامح العام الذي شهدته وعاشته مصر وقتها الأمر الذي مكن لشبلي شميل من أن يبشر ويدافع عن نظرية داروين في أصل الأنواع وفي الانتخاب الطبيعي رغم انه كان هناك من يرفض بشدة هذه النظرية، لكن الفكرة بالفكرة، مقال بمقال والرأي بالرأي، ولا شيء غير ذلك. وكانت نظرية داروين وقتها لها الذيوع والانتشار والنجاح أي أن المحافظين في المجتمع كان يمكن أن يشعروا بالقلق وبالرعب من تلك النظرية التي تمس الأديان السماوية، خاصة الإسلام، في جوهرها، ومع ذلك احتملت الساحة الثقافية أن يكون هناك كاتب ومفكر عربي معجب بافكار داروين ويدعو إليها، بينما اليوم صارت هذه النظرية في ذمة التاريخ وتجاوزتها نظريات وأفكار أخرى ومع ذلك، فإن الساحة الثقافية العربية لا تحتمل استعراض هذه النظرية في باب تاريخ العلم. الجزء الأول كله يتعلق بفلسفة النشوء والارتقاء سواء من مقالات شميل التي كتبها أو مقالات «بختر» حولها، وقد ترجمها شميل وعلق عليها. الجزء الثاني يتناول مقالات شميل في مختلف القضايا والجوانب الاجتماعية والثقافية، مثل الاجتماع البشري أو العمران، وكذلك موقفه من حرية المرأة، حيث دخل في سجال حول «الرجل والمرأة.. هل يتساويان؟» ولم يكن متعاطفا مع حقوق المرأة وقضاياها. التساؤل الذي يبرز ـ هنا ـ يتعلق بكتابات شميل حول نظرية داروين.. هي في ذمة التاريخ، وتم التراجع عنها علمياً. فلماذا يعاد نشر هذا الجزء الآن؟ الإجابة لدى د. نصار، وهي أن إنتاج وكتابات شميل وما دار حولها نموذج لحالة من المثاقفة عاشها المجتمع ومرت بها الثقافة العربية ومن المهم أن يطلع عليها أبناء الأجيال الجديدة ليدركوا كيف كانت الثقافة، وكيف يجب أن يعملوا، ليس فقط لاستعادة تلك الروح، بل والعمل على مزيد من البناء والتقدم والتطور، والمعنى الآخر موجه إلى خصوم شميل ومنهجه في أن الكبت والمنع والقهر لا يقتل الفكر وليس أسلوبا للتعامل معه، الأسلوب الأمثل هو تقبل كل الأفكار والسماح بها ومناقشتها.. رفضاً أو قبولاً، باختصار أعمال العقل أولاً وتحكيمه في مواقفنا وآرائنا. تطوير الأفكار أهمية شميل برأي د. نصار أنه كان سبباً في أن يطور التيار المحافظ والأصولي في ثقافتنا من أفكاره وتعامله مع الآخرين، يبدو هذا في السجال الذي دار بين شبلي شميل ورشيد رضا وآخرين من الأصوليين والسلفيين في مصر والشام، هو أيضاً يكشف كيف كان التيار العلماني وأصحاب المنهج العلمي لديهم القدرة على التفاعل مع خصومهم والتعاطي مع أفكارهم. كانت لدى شميل الكثير من الأفكار والآراء المستقبلية فقد تنبأ بانهيار الدولة العثمانية، وكانت بوادر الانهيار واضحة، لكنه وسط النفاق للسلطان العثماني والقهر الذي يمارسه ذلك السلطان أدرك عوامل الانهيار وحتميته، هو كذلك كان من المؤمنين بأن المستقبل في مصر للنظام الجمهوري فضلاً عن ذلك كان متابعاً لأحدث النظريات والدراسات العلمية التي تصدر في بلاد الغرب وكان يقرأ بعدد من اللغات الأوروبية مثل الانجليزية والفرنسية والألمانية، بالإضافة إلى العربية والتركية. ولد شبلي شميل في كفر شيما بلبنان، وليس هناك اتفاق على تاريخ مولده، البعض يرى أنه ولد سنة 1850، ورأي آخر يقول بل ولد في 1853 وثمة من يذهب إلى أنه في عام 1860 ونشأ نشأة دينية، وكان ذكياً ونابهاً منذ البداية وتتلمذ في صباه على ناصيف اليازجي وقرأ مبكراً أمهات الكتب الفلسفية والأدبية، ودرس فلسفة سقراط وأفلاطون وأرسطو ومن العرب المسلمين قرأ ابن سينا والغزالي وابن رشد وابن خلدون، وتلقى علومه الأولى في مدرسة المرسلين الأميركيين ببيروت ثم التحق بالكلية الأميركية ببيروت لدراسة الطب في 1866 وتخرج في عام 1871، ثم سافر إلى باريس لإتمام دراسته، وهناك نهل من ثقافة التنوير وقرأ ولتير ومونتيكيو وآخرين، ثم طالع أفكار وفلسفة العصر كله، خاصة اتباع اوجست كونت ودرس فلسفة داروين ونظرية التطور واقتنع بأن المستقبل للعلم الذي يهتم بدراسة الواقع، ويقول في ذلك: «إن الفلسفة، وإن كان لا يزال لها بعض معنى اليوم، فإنها ستصبح مبتذلة في مستقبل الأيام، فالمستقبل اليوم للعلم وللعلم العملي وحده». ولذا حين تأسست الجامعة المصرية سنة 1908 طالب القائمين عليها بضرورة الاهتمام بتدريس العلوم الطبيعية وإنشاء معامل وكليات عملية، عوضاً عن التوسع في تأسيس الكليات النظرية التي تقوم بتدريس الآداب والفلسفة والتاريخ والقانون. عاد شبلي إلى لبنان في 1873، ولم يطب له المقام وسط استبداد رجال الدين فغادر الشام قاصداً مصر ليلحق بأخيه أمين شميل: «الذي كان يعمل بالمحاماة والتجارة بين الإسكندرية والقاهرة، وأقام شبلي بالإسكندرية وانتقل منها إلى طنطا سنة 1875 وأقام بها عشر سنوات، ومارس الطب والجراحة في مدينة طنطا ورغب في التعرف إلى جمال الدين الأفغاني بالقاهرة وذهب إليه مع أديب اسحق، ولم يحتمل الأفغاني أسئلة شميل واعتبره مادياً متشككاً واتجه شبلي إلى الكتابة بالصحف والمجلات في المقتطف وغيرها، وخاض العديد من المعارك، حتى وفاته سنة 1917. الكتاب: مجموعة أعمال الدكتور شبلي شميل دراسة وتقديم: د. عصمت نصار الناشر: الهيئة المصرية العامة للكتاب
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©