الخميس 28 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

التحدي الأفغاني... وآليات قياس الفشل

التحدي الأفغاني... وآليات قياس الفشل
26 مايو 2009 03:55
طيلة سبع سنوات من الوجود الأميركي في أفغانستان انخرط الجنود الأميركيون في معارك طاحنة، وسقط العديد منهم أثناء القتال، وظل الوضع هناك يكتسي خطورة مضاعفة بالنظر إلى طبيعة أفغانستان التي يخبرنا التاريخ بأنها استعصت على مر العصور على الغزو والاحتلال، وهو التاريخ نفسه الذي تخبرنا دروسه أيضاً بأن الأهداف الأميركية في أفغانستان على رغم عدم وضوحها، قد تمنى، على الأرجح، بالفشل الذريع وليس النجاح كما يأمل البعض. وضمن ما ينبغي طرحه الآن من أسئلة: هل يُحرز جنودنا تقدماً حقيقياً على أرض المعركة في تلك البلاد، أم أنهم يخسرون كل يوم أراضي جديدة؟ وهل يتعين بقاؤهم لفترة أطول في بلاد لم تعد تطيق وجودهم، أم أنه يتعين عليهم الانسحاب؟ وفي هذا الإطار كان لافتاً تأكيد أوباما في إحدى خطبه أن الولايات المتحدة «لن تبقى على نحو مفتوح في أفغانستان»، وبأنها ستسعى إلى تأمين البلاد ومنع عودة تنظيم «القاعدة» للسيطرة على مناطق واسعة من أفغانستان حتى لا يستأنف خططه في ضرب أميركا والغرب. كما اقترح «معايير واضحة لقياس التقدم المتحقق، ولمحاسبة أنفسنا». وبالطبع تعتبر تلك التصريحات أمراً جيداً ما دام الجميع تقريباً يريد وضع معايير محددة لقياس مدى النجاح، وللتعرف على ما تحقق من إنجازات. لكن عندما تكون الرهانات والخسائر البشرية مرتفعة ألا يجدر بنا وضع معايير الإخفاق والتعثر في الحسبان والانكباب على دراستها، هي أيضاً؟ فباعتباري مدرباً أعمل مع مديري الشركات اكتشفت أن فعاليتهم تعتمد بشكل كبير على قدراتهم الإدراكية، بمعنى مدى إحاطتهم بالوضع الحقيقي لمشاريعهم وما إذا كانت تسير في الاتجاه الصحيح، أم أنها تواجه بعض العراقيل ومعرضة للفشل. ومن خلال تجربتي الخاصة وجدت أن الكثير من المديرين لا يدركون هذه الحقائق ولا يحيطون بالتفاصيل كافة حول مشاريعهم لأنهم في الوقت الذي يحددون فيه معايير النجاح نادراً ما يطرحون على أنفسهم سؤال المعايير المرتبطة بالفشل ووضع علامات تقيس التعثر، في المقابل. ففي الآونة الأخيرة عملت مع مديرة إحدى الشركات التي طرحت خدمة جديدة واعترفت بأنها تواجه منافسة شرسة من شركات أخرى وبأن النتائج غير مضمونة، لكن على رغم مرور 18 شهراً على إطلاق الخدمة الجديدة وعدم إثمار الخدمة للنتائج المرجوة حافظت المديرة على تفاؤلها، معتقدة أن الأمر في النهاية سيكلل بالنجاح. وعندما طرحت عليها بعض الأسئلة المتعلقة باحتمالات الفشل ووضع المعايير التي تقيسه وطريقة التعامل معه فوجئت بسؤال الإخفاق الذي لم تفكر فيه إلى حدود تلك اللحظة، إلا أنها في نهاية المطاف وبعد نقاشات مطولة أدركت أن الخدمة الجديدة التي طرحتها الشركة كانت قد فشلت بالفعل بعدما عجزت عن تحقيق الأهداف المرسومة. والحقيقة أن القادة الذين يضعون معايير محددة وواضحة للربح والخسارة، أو الانسحاب، عادة ما يستخدمون الموارد المتاحة لهم بنجاعة وفاعلية، وإلا فإن البديل سيكون الخلط بين ما يمكن القيام به وما هو جارٍ بالفعل على أرض الواقع فينتفي الفرق بين الحقيقة المرة والخيال الجامح. وما لم نطبق معايير الفشل على تجربتنا في أفغانستان فإننا سنواصل الطريق دون بوصلة ولن نستطيع تحديد ما إذا كنا على وشك النجاح، أم أننا سائرون على درب الفشل. فعندما أسعى شخصياً إلى تحديد النتائج النهائية لأي مشروع أطرح على عملائي العديد من الأسئلة لمساعدتهم على حصر جميع الاحتمالات التي عادة ما يتهرب منها المديرون وأدفعهم إلى الحديث عن الفشل، أو النتائج المتواضعة على الأقل في حال تعذر النجاح الواضح، ومن تلك الأسئلة: ما هي المقاييس التي تعطينا صورة واضحة عن الأداء؟ وكيف سنعرف أننا نسير في الطريق الصحيح من عدمه؟ وتحت أية ظروف يمكن تحدي الإشارات السلبية والاستمرار في الطريق نفسه؟ وفي أفغانستان لا يوجد ما يدل على أن مثل هذه الأسئلة التي تُعرف لنا حدود الفشل قبل النجاح قد طُرحت بالفعل وتمت الإجابة عنها، فالإدارة الأميركية وإن كانت قد عكفت، بضغط من الكونجرس، على بلورة معايير واضحة يمكن من خلالها قياس مستوى التقدم والنجاح في أفغانستان كما صرحت بذلك وزيرة الخارجية، هيلاري كلينتون، إلا أنها حرصت على إبقاء تلك المعايير طي الكتمان. وهنا تكمن المعضلة إذ كما هو معروف يختلف عالم الشركات عن عالم الحرب، ومن الصعب على المسؤولين الأميركيين إعلان علامات الفشل في أفغانستان مخافة أن يساعــد ذلــــك الأعــــداء، لكن من جهة أخرى ألا يحق في دولة ديمقراطية مثل أميركا أن يطلع المواطن العادي على المعايير التي تقود الحرب، وعلى أي أساس يتخذ المسؤولون قرارات بشأنها؟ ولعل ما يزيد من هذه المعضلة ذلك التخبط الذي تبدو عليه السياسة الأميركية في أفغانستان بعد إعفاء قائد القوات الأميركية في العراق، الجنرال «ديفيد ماكيرنان» وتنامي التساؤلات المشروعة حول آليات قياس النجاح، أو التعثر في أفغانستان، وهي الآليات التي بدونها سيكون من الصعب على المسؤولين الأميركيين اتخاذ قرارات واضحة وتبريرها للرأي العام. ولذا أدعو الإدارة الحالية إلى طرح الأسئلة الصعبة والشائكة حول قياس جميع احتمالات الحرب في أفغانستان سواء تعلق الأمر بالانتصار، أو الهزيمة، أو حتى الانسحاب، على ألا يقتصر الأمر على الحرب الحالية، بل أن ينسحب أيضاً على حروب المستقبل التي ربما قد يرى السياسيون ضرورة خوضها. ديفيد بيك مدير شركة استشارات أميركية متخصصة في مهارات القيادة ينشر بترتيب خاص مع خدمة «كريستيان ساينس مونيتور»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©