الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

كتابات سريعة الهضم

كتابات سريعة الهضم
31 مارس 2010 19:56
إطلالة جديدة ظهر بها الكاتب الإماراتي الساخر أحمد أميري على ساحة الأدب العربي، عبر كتابه “حجي حمد الحلواني”، الذي أثبت من خلاله تمكنه من أدوات الكتابة الساخرة ليضعه مع الصفوة من العاملين على هذا النوع من الأدب في العالم العربي. عرج أحمد أميري في كتابه على مواقف وأحداث تعرض لها، وقد يمر بها أي منا، واتخذ منها منطلقاً إلى تناول عديد من المشكلات والقضايا التي يعج بها المجتمع الإماراتي، سيما في ظل هذا العدد الكبير من الجنسيات الموجود على أرض دولة الإمارات، وما له من تداعيات في المحيط الثقافي والقيمي للمجتمع الإماراتي. دعابة كاملة الدسم ويشتمل الكتاب على مجموعة مقالات تم نشرها في أسبوعية “العالم” التي يرأس تحريرها أحمد أميري، وكذلك في جريدة “الاتحاد”، غير أن أميري أدخل عليها بعض التعديلات لتكون طازجة وتظل حية أطول فترة ممكنة بعد اصطياد القارئ لها، ومن الملاحظ أنه عمد إلى وضع المقالات المتشابهة من حيث الموضوع في مكان واحد، ليبقى القارئ في الجو نفسه، ولا يخرج منه إلى جو آخر. أما عن مهمة “حجي حمد الحلواني” والذي صدّره أميري عنوان الكتاب، فتتمثل في تحويل بعض الجد إلى دعابة كاملة الدسم من حيث الفائدة والمعنى، لتكون سريعة الهضم وخفيفة على المعدة يعيش القارئ أوقاتا من راحة البال والأنس، وفقاً لتعبير أحمد أميري. النصائح والقفا وفي أحد فصول الكتاب، يعمد أميري إلى الاستعانة بشخصية “حجي حمد؟؟؟ الحلواني”، ليرمز إلى فئة الشباب المتمرد، ممن لا يستمع إلى الآخرين، ويركن إلى الراحة والخمول في سني حياتهم المبكرة، فيقول على لسان حجى بعد حصوله على الثانوية العامة بمجموع كبير والعمل في معمل الحلوى التابع لأخيه بعد ما أضاع على نفسه فرصة الابتعاث للدراسة في الخارج، أو حتى الالتحاق بإحدى جامعات الدولة: “لم يبق كائن حي إلا ونصحني بمواصلة الدراسة في الخارج، وحين قوبلت نصائحهم بقفاي، اقترحوا جامعات الدولة، لكن لا فائدة، فروح التمرد كانت تكبس على صدري وتمنع وصول الأفكار السليمة إلى رأسي. فأنا أولاً تعبت من الكتب والدفاتر، ثم إنني أريد أن أعمل لأحصل على راتب وأشتري سيارة و”أتحوّط” في الشوارع، مثل أغلب شباب الفريج الذين كانوا يقطعون الشوارع ذهاباً وإياباً بسياراتهم. والأهم أنني لن أضطر إلى فتح الكتب وتضييع وقتي الثمين في المذاكرة، ويكفي أنني بعد سنوات سأصبح ذا كرش كبير وشاربين معقوفين، وألبس “جلابية” الفلاحين وعلى رأسي عمامة، أجلس خلف مكتبي أستقبل طلبات بيع الحلوى وأوبّخ العمال كما في الأفلام المصرية والكل يناديني بـ “المعلم أحمد الحلواني”. ولأن وصف معلم ليس دارجاً في الخليج، سأكون الحاج أو الحجي، مع الاحتفاظ بالنكهة المصرية في “الحلواني”، لكن يبقى تشذيب اسمي فأكون حمد، وأنتهي أخيراً إلى علامة تجارية موسيقية سهلة الحفظ: حجي حمد الحلواني، أو: ح. ح. ح. لكن الذي حصل أن الحلواني أخذ يبكي بجلابية النوم المخططة بالأزرق والأبيض، وهو يصبغ جدران المعلم بالطلاء وينظف الأرضيات ويحمل شوالات السكّر والطحين، فالمعمل لا يزال جديداً وليس هناك إلا عاملان اثنان يقومان بمساعدة أبي المُبتلى بعياله. كانت دموعي تسقط بصمت حين أتخيل نفسي أحاور أساتذة جامعة هارفارد وأكوّن الصداقات مع الزملاء والزميلات، أو الزميلات فقط، بينما في الحقيقة وعلى أرض المعلم، أحاور الجدران وأكوّن الصداقات مع الشوالات، الشوالات فقط”. “أنهار” الخُطّاب ويعرج أميري إلى قضية أخرى مهمة يعانيها المجتمع الإماراتي ويعالجها وفقاً لرؤيته الخاصة، المختومة بطابع أحمد أميري الساخر، فيشير إلى أنه من الطبيعي أن يكبّر كبار العائلات عقولهم، ويوسّعوا النهر (يقصد أنهار الخطّاب وطالبي الزواج) الذي يجري إلى بناتهم، وكلما تأخروا في التوسيع أو ضيقوا من المجرى أو وضعوا عليه السدود، على أمل أن تجري فيها المياه العذبة، نقصت كمية المياه الجارية، عذبها وأُجاجُها، ومن يخاصمها الحظ بماء ملوث، فهو في النهاية أفضل من أن تبقى في المصب وحيدة تعاني الجفاف وتنظر إلى أنهار الباقين وتبكي”. وفي موضع آخر من الكتاب، يتعرض أميري لواحدة من المستجدات في المجتمع الإماراتي، ألا وهي زحف المصطلحات الأجنبية على مجالس الأصدقاء ومسامراتهم، ومنها HR (موارد بشرية)، MD (المدير التنفيذي)، CEO (الرئيس التنفيذي)، IT (تقنية المعلومات). فيعبر عن ذلك قائلاً: “كنت أجلس مع أصدقائي كمن وُضعت القيود في يديه ودخل إلى مسرحية كوميدية وأخذ من حوله يسألونه: لمَ لا تضحك ولا تصدق؟ فهم خريجو جامعات تدرّس بالإنجليزية ويعملون في القطاع الخاص، بنوك وشركات تمويل وعقارات، ولديهم قائمة بالاختصارات يتداولونها باستمرار، ليل نهار، بينما أنا قادم من خلفية عمل حكومي، وخريج جمعة عربية، ولم نستخدم تلك الاختصارات. وحين لا تعرف مصطلحات هذه “الفئة الضالة” من البشر، تضيع بينهم ولا تدري عن أي شيء يتحدثون. وإذا عرفت ذيل كلامهم فلن تعرف رأسه. ولا حل سوى أن تقعد تدخن وتشرب قهوة، فعيب أن تستوضح منهم شيئاً، لأنه بالنسبة لهم من البديهيات. ومن يسألهم يردون عليه بتعجب: “معقولة ما تعرف؟”.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©