السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

أشواق الموسيقيين تعزف بالكلمات

أشواق الموسيقيين تعزف بالكلمات
31 مارس 2010 19:48
هذه هي الحلقة الثالثة في سلسلة نقتطف فيها بعض، أو أجزاء من، الخطابات الغرامية لأولئك الرجال والنساء الذين صنعوا التاريخ بشكل أو آخر سواء في كراسي الحكم أو الأدب أو الفنون أو العلوم عبر العصور. ورغم وصف هذه الخطابات بأنها غرامية، فهي ليست بالضرورة سيلا من الغزل والشكوى من لهيب الحب على شاكلة قصائد الملوح في العامرية. وقد تجنح في أحايين لتناول أشياء دنيوية، مثل حال البريد أو المعايش عموما أو السخط على المرسل إليه نفسه. لكنها تبقى في آخر المطاف وصفا للعشق واستنجادا من كاتبها بحبيبه في وحدته وتوسل لقائه، وهذا هو ما سنركز عليه في هذه المقتطفات. نتناول في هذه الحلقة رسائل اختطتها أيادي اثنين من عباقرة الموسيقى الكلاسيكية هما لودفيج فان بيتهوفن وفرانتز ليست، إضافة إلى مقتطفين من رسالتين بيد الأديبة أبيجيل آدامز عقلية جون آدامز ثاني الرؤساء الأميركيين. بيتهوفن: روحي داخل روحك يعتبر لودفيج فان بيتهوفن الجسر الموسيقي بين الكلاسيكي والرومانسي وتميزت أعماله بعمق التراكيب وسعيها للتمرد على قبضة التقاليد الموسيقية السائدة في عصره. ولد في ديسمبر (كانون الأول) 1770 في بون، الثاني في سبعة أبناء مات منهم أربعة في طفولتهم المبكرة. ومنذ العام 1796 بدأ بيتهوفن يسمع رنينا في أذنيه أفسد عليه تمتعه بالموسيقى وأبعده عن التخاطب. وشيئا فشيئا، راح يفقد قدرته على السمع. وبحلول العام 1802 كان الصمم قد لفه تماما فكتب ما يشبه وصيته الأخيرة لأخويه إيمانا منه باقتراب أجله. لكنه سرعان ما استعاد رباطة جأشه، مقتنعا بأن خلاصه من أشجانه، إنما يكمن في التأليف الموسيقي بغض النظر عن العوائق. فألحق بالبيانو رقاقة كان يعض عليها حتى ينقل ذبذباته الصوتية إلى فكه. ولدى وفاته في 1827 كان قد قضى حياته أعزب. لكنه عرف بحب جارف لامرأة كان يشير إليها بـ”محبوبتي الأدبية”. ورغم أن هويتها تظل مجهولة، فقد ذهب بعض المؤرخين للقول إنها أنتوني برينتانو، التي كانت متزوجة من تاجر من فرانكفورت وكانت تعيش معه في فيينا. وفي ما يلي أحد خطابات ثلاثة ثبت أن بيتهوفن كتبها إليها: أسعدت صباحا في هذا اليوم السابع من يوليو حتى في منامي، تجنح خواطري باتجاهك، محبوبتي الأبدية، وتحن إليك... تتقافز هنا وهناك مسرورة، ثم حزينة وهي تنتظر ما سيقرره القدر لنا. وأنا، إما أن أحيا بالكامل معك أو لا أحيا على الإطلاق. نعم، قررت أن أسير بلا هدى بعيدا عنك طوال هذه المدة بانتظار اللحظة التي أحلق فيها وأهبط بين ذراعيك. وعندها أستطيع أن أقول إنني قد وجدت مسكني معك... أستطيع وقتها أن أطلق روحي مغلّفة داخل روحك، في الفضاء، حيث تسبح الأرواح التي فارقت الأجساد. نعم، يحزنني هذا الشيء بأكمله. وستجتازين أنت الحزن لأنك تعلمين مدى إخلاصي. لا أحد غيرك يستطيع امتلاك قلبي.. أبدا..! يا إلهي... لماذا يُجبر المرء على البعد عمن يحب؟ لماذا شقاء الحياة هذا؟ لقد أحالني حبك أسعد الناس وأتعسهم في الوقت نفسه. وفي عمري هذا، يلزم لي شيء من الاستمرارية وأحادية الحياة. هل يمكن الحصول على شيء كهذا في ظروفنا هذه؟ ملاكي.. سمعت أن البريد صار يوميا، ولذا آتي إلى ختام سريع حتى يصلك مكتوبي هذا على الفور. فلتهدأ خواطرك ولتحبيني اليوم.. وأمس. وداعا يا من يجري دمعي على خدي شوقا إليها.. حياتي أنت وكل شيء. لا تحيدي عن السير في درب محبتي ولا تفقدي إيمانك بالقلب المخلص. من محبك لودفيج لك إلى الأبد لي إلى الأبد لنا إلى الأبد أبيجيل آدمز: الحب والسلطة أبيجيل آدمز (نوفمبر 1744 ـ أكتوبر 1818) هي زوجة الرئيس الأميركي الثاني جون آدامز، ووالدة جون كوينسي آدامز الرئيس السادس، وأهّلها هذا الوضع لأن تصبح “السيدة الأولى” الثانية و”السيدة الثانية” الأولى في تاريخ الولايات المتحدة. لكن شهرة هذه المرأة لم تتأت من هذا في المقام الأول وإنما من الخطابات العديدة التي خطتها لزوجها عندما كان في فلادلفيا، بنسلفانيا، لحضور “المؤتمر القاري” وهو التجمع الذي جمع ممثلين عن 13 مستعمرة وأصبح لاحقا مسؤولا عن إدارة شؤون الولايات المتحدة خلال حرب الاستقلال عن بريطانيا. وبفضل رقة هذه الرسائل وأدبياتها العالية، تعتبر أبيجيل آدامز كاتبة قبل صفاتها الرسمية. كما تعتبر الخطابات نفسها نافذة إلى ذلك العصر بسبب محتواها الفكري والسياسي الذي أحالها وثائق عن إحدى أهم الحقب في التاريخ الأميركي. وقد بلغ عدد الرسائل المعروفة المتبادلة بينها وبين زوجها فوق 1100 ونورد هنا مقتطفات من اثنين منهما بعثت بهما أبيجيل. إلى جون آدامز مرسل من برينتري في 14 أغسطس 1774 المسافة الهائلة بيننا تجعل الوقت بلا نهاية بالنسبة لي. والقلق العظيم الذي يلفني إزاء بلادنا وإزاءك وإزاء أسرتنا تحيل الأيام بلا طعم والليالي شاقة عسيرة. الصخور والرمال المتحركة تحيط بنا. وما ستفعله في خضم المهمة التي آليت على نفسك يرقد في حضن الغيب. لكن التوقع وعدم اليقين يضعان العقل أمام آفاق عريضة لا أول لها ولا آخر. فهل استعادت أبدا مملكة أو دولة حريتها المسلوبة بدون أن يراق على جوانبها الدم؟ لا أستطيع أن أفكر في كل هذا بغير خوف وهلع. (..). أبيجيل آدمز وبعثت أبيجيل برسالة ثانية جاء فيها: إلى جون آدامز 23 ديسمبر (كانون الأول) 1782 إلى أعزّ أصدقائي (...) إذا رسمت لك صورة لقلبي، فأتمنى أن تظل متمسكا بحبك له رغم أنه لا يحوي جديدا. فامتلاكك الأول له والسلطة المطلقة التي تمارسها عليه لا يتركان فيه أي مساحة لشيء آخر. وأنا أستعيد الآن ذكرى أيام تعارفنا وصداقتنا ثم أيام الحب والبراءة الأولى بسعادة لا يحويها الوصف، أري أن مرور قرابة عشر سنوات من العمر فوق رؤوسنا عزز مودتنا، مثلما أرى أن سنوات البعد القاحلة لم تمح عن خاطري صورة الرجل الذي منحته كل قلبي. أبيجيل آدمز فرانتس ليست: النار والنقاء فرانتس ليست المجري الأصل النمساوي الجنسية، ولد في 22 أكتوبر 1811، ويصنّف أحد أبرز أعلام الموسيقى الكلاسيكية في القرن التاسع عشر، ويعتبره البعض أعظم عازف للبيانو على مدى التاريخ. بدأ مشواره الموسيقي الحافل منذ سن السادسة. ومن أهم أعماله للبيانو “الرابسوديات المجرية” وعددها عشرون، ومن مؤلفاته الأوركسترالية سيمفونيتاه “فاوست” و”دانتي”. عام 1833 التقى ليست بالكونتيسة الفرنسية اليافعة الجميلة ماري داغو التي كانت تعيش منفصلة عن زوجها وجمعت بينهما عاطفة جامحة أثمرت ثلاثة أبناء. ومثلما يتوقع المرء من رجل يتمتع بالعبقرية الموسيقية النادرة، فقد صاغ ليست لمحبوبته في ديسمبر 1834 أبيات الشعر التالية: ماري ماري أوه.. دعني أعيد ذلك الاسم مئات المرات آلاف المرات فلثلاثة أيام الآن، عاش في وجداني قهرني وأشعل ناره في جسدي أنا لا أكتب إليك لا، فأنا أقف خلفك. أراك وأسمعك في يديك توجد الأبدية.. والنار والجحيم جميعها، وأكثر، محتواه فيك. أوه.. دعيني حرا في هذياني فهذه الدنيا البخيلة الحريصة الضيقة لا تكفيني علينا أن نعيش حياتنا إلى حد الرواء والامتلاء في حبنا وأحزاننا...! وتؤمنين أنت بأنني قادر على التضحية، والطهر، والنقاء وخشية السماء.. أليس كذلك؟ لكن دعينا من هذه الكلمات أنت وحدك القادرة على الرؤية فأنقذيني كما ترين. إما هذا، أو دعيني أجنّ وأهذي إن كان في ذلك المستحيل. جميل أن أتحدث إليك وليكن... فليكن ما يكون!
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©