الثلاثاء 23 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

ندوات تعوّض العروض

ندوات تعوّض العروض
31 مارس 2010 19:33
قد لا تقاس المهرجانات المسرحية بأعمارها، وقد يكون الحكم على دورة منتقاة من دوراتها هو حكم مجحف ويفتقد للنظرة الشاملة التي يمكن لها أن ترصد المخزون التراكمي والمعرفي لهذه المهرجانات، ولكن ومن جهة أخرى فإن معاينة أو تحليل دورة واحدة قد يمنحنا بعض الإشارات والدلالات على مستوى الأثر والنتيجة، وقد يضيء مسارات وبصمات المهرجان منذ انطلاقته الأولى وحتى زمنه الراهن. وعند الحديث عن الدورة العشرين لأيام الشارقة المسرحية التي أقيمت تحت رعاية صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة وتنظمها سنوياً دائرة الثقافة والإعلام بالشارقة، والتي احتضنها قصر الثقافة بالشارقة في الفترة من 17 إلى 27 مارس الفائت، فإننا نتحدث هنا عن عمر الفورة والعنفوان لهذا المهرجان الذي من المفترض أن يكون صلباً ومتعافياً، ولكن المراقب وعن كثب للمشهد المسرحي المحلي سوف يلحظ نوعاً من التفاوت والنكوص في كم ونوعية العروض المقدمة في هذه الدورة بالذات مقارنة بالدورات السابقة، كما أن معظم الأعمال التي قدمت خلت من الشغل الجسدي على أداء وحركة الممثل. كانت هناك أزمة ملحوظة في النصوص القوية التي تعتبر دعامة أولى وركيزة لأي عرض متكامل وناجح، أما الإشكالية الثالثة فتمثلت في ضعف التقنيات السمعية والبصرية التي أثرت في بنية وسينوغرافيا معظم العروض، وأخيراً فإن مقولة (العمل في اللحظة الأخيرة) وضعت أغلبية الفرق المسرحية في مأزق الحلول البديلة والسهلة والدخول في دوامة الاستعجال التي قللت من جماليات العروض وتماسكها، هذه الدلالات السلبية التي رافقت العروض ولوحظت بقوة في الدورة الحالية كانت مرهونة هي الأخرى بعوامل ومسببات ظلت خارج سيطرة اللجنة المنظمة للمهرجان، وخارج سيطرة المسرحيين والمبدعين الغيورين على قيمة وقامة هذا المهرجان. ومن خلال التواصل مع نقاشات المسرحيين داخل أروقة المهرجان، تبين لنا أن السبب القوي والرئيسي لتراجع وضعف العروض في هذه الدورة شكلته وخلقته إغراءات الدراما التلفزيونية التي اختطفت العديد من الممثلين والمخرجين المسرحيين كي يلحقوا بسباق الدراما الرمضانية قبل حلول موسم الركود الصيفي، وهذا المسبب القوي والمحسوس دفع باللجنة المنظمة للمهرجان إلى إقامة ندوة فكرية كبرى حملت عنوان: “إشكاليات الممثل بين المسرح والجمهور” وشارك بها العديد من نجوم الدراما والمسرح في الإمارات والوطن العربي، وسوف سنعرج علي هذه الندوة لاحقاً في سياق هذا العرض. أما السبب الثاني والذي كان تأثيره ملاحظاً ومفضياً إلى هشاشة وخفوت الأعمال المسرحية لهذه الدورة فتمثل في غياب وانسحاب بعض الأسماء المخضرمة على مستوى التأليف والإخراج والتمثيل ومن دون مسوغات واضحة، ونذكر من هذه الأسماء ناجي الحاي، وإسماعيل عبدالله، وجمال سالم، ومرعي الحليان، وإبراهيم سالم، وأحمد الأنصاري، وغيرهم والتأثير السلبي الذي أفرزه غياب هذه المواهب التي نحتت في صخرة المسرح المحلي منذ بداياته يعني أن الجيل التالي لهؤلاء المخضرمين بات يفتقر للعدة المسرحية الكافية والمتمثلة في الموهبة أولًا، وفي التأهيل الأكاديمي ثانياً، وأسهم في هذا التراجع أيضاً انحسار المدّ المسرحي أو المناخ الفني الحارّ والمشجّع والمتدفّق الذي خبره وعاصره الجيل السابق، وهذا الفراغ الأكاديمي المهيمن على الساحة المسرحية يجب أن يثير قلق أهل الاختصاص من أجل البحث عن اقتراحات ومنافذ يمكن لها أن تنعش مجدداً فكرة الابتعاث الدراسي إلى الخارج، أو تأسيس أكاديمية محلية متخصصة في علوم وتطبيقات فن المسرح. أزمة النصوص وعودة إلى عروض المهرجان التي تسببت الظواهر الطارئة والإعاقات الدخيلة في تقليص حجمها إلى 11 عرضا، اختير منها ستة عروض فقط للدخول في المسابقة الرسمية للمهرجان، وهي اختيارات كما سمعنا من المشاركين جاءت بعد قناعات صعبة ومربكة للجنة الاختيار، مما يؤكد على وجود خلل حقيقي في الساحة المسرحية المحلية، وهو خلل بحاجة لتحليل ونبش من أجل إعادة الجاذبية المفتقدة والحماس الفني سواء لدى القائمين على المهرجان، أو لدى أهل المسرح أنفسهم. والعروض التي شاركت في المسابقة هي: “تراب” لفرقة مسرح الشارقة الوطني، و”ليلة بعمر” لفرقة المسرح الحديث بالشارقة، و”سكراب” لمسرح دبي الشعبي، و”حنة” لفرقة مسرح حتا، و”رحلة وداع” لفرقة مسرح كلباء الشعبي، وأخيراً “ريا وسكينة” لفرقة مسرح خورفكان. أما الأعمال التي عرضت على هامش المهرجان ولم تتضمنها المسابقة الرسمية فحملت العناوين التالية: “عائلة خمس نجوم” لفرقة مسرح الفجيرة، و”نبش القبور” لمسرح رأس الخيمة، و”المريحانة” لفرقة مسرح بني ياس، و”مجرد دمى” لفرقة مسرح الشارقة الوطني، و”شربي نخل صالح” لفرقة مسرح دبا الحصن. ويمكن الإشارة هنا إلى ثلاثة أعمال متميزة فقط حازت انتباه النقاد والجمهور والمتابعين لعروض الدورة، وهذا التميز يمنح لها الفرصة والأحقية لقراءتها واستعراضها ولو بشكل مختصر ومكثف. فعمل مثل: “تراب” الذي حظي بشرف عرض الافتتاح في الدورة والذي أخرجه وألفه الفنان محمد العامري، أكد على أن المختبر المسرحي لهذا المخرج المتجدد هو مختبر يعتمد على طقس المشاهدة وليس على الفرجة المسرحية فقط، وأن العامري من الأشخاص الذين ينظرون للمسرح كحالة من الافتتان الشعائري المتجاوز للنمطية والتكرار، فالمسرح بالنسبة له أشبه بمعبد سري يفوح بثيماته الاحتفالية الراقصة ومباهجه السمعية والبصرية التي تتشكل مثل أصداء وعلامات سحرية لا يمكن الفكاك من أسرها وجاذبيتها وخصوصيتها الدينية والتراثية والأسطورية أيضاً. قدم العامري خلال العرض مانيفستو للخيال الشعبي داخل اللعبة المسرحية الحاضنة للرمز والتأويل، فكان التراب وكانت المرآة العالية ولون الدم والجراد والقضبان الحديدية هي شفرات العرض ودلالاته التي حاكت شكل الصراع القائم في زمننا الراهن بين فردوس الحنين أو النوستالجيا وبين جحيم العولمة الاقتصادية والعمرانية التي شوهت العلاقة السوية بين الإنسان وبين الأرض التي ينتمي إليها، ناقش العامري هذه القضية الإنسانية العامة التي يمكن أن نجدها في أي بقعة من العالم، وأصرّ على ألا يغادر منطقه الجمالي وبحثه المتواصل في الإمكانات الثرية التي يتيحها التجريب في “الميزانسين” المسرحي وبعيداً عن حيزه المعروف وقالبه المستهلك. العرض الثاني الذي يمكن الإشارة إليه هنا والذي بث الأمل في ولادة طاقات إبداعية جديدة في الساحة المسرحية هو عرض: “ليلة بعمر” الذي استطاع أن يقدم كاتباً موهوباً هو جاسم الخرّاز ومخرجاً متوهجاً هو محمد صالح رغم هيمنة الأزمة المتواصلة في الكتابة المسرحية المحلية وندرة المخرجين المتمتعين بحساسية إبداعية متفردة. استطاع المخرج الشاب محمد صالح في عرض: “ليلة بعمر” أن يتحدث بلغة مسرحية واثقة ومتماسكة عن قضية اجتماعية تدخل في نطاق المحرم والمسكوت عنه، واستطاع أن يتجاوز هذا التابو الذي تثيره قضية العفة والبكارة من خلال ثيمة مشهدية مليئة بالشكوك والوساوس تتشكل بصمت وريبة بين زوج وزوجته في ليلتهم الأولى، واستطاع من خلال سينوغرافيا ذكية وتطويع مرن ومتصاعد لأداء الممثلين أن يبرز خطورة وحساسية الموقف الذكوري تجاه المرأة الشرقية، وتجاه حياتها الخاصة وماضيها المحفوف بالتأويلات الخاطئة والأحكام القاطعة والمتسرعة. قدّم العرض أيضاً وجهين تمثيليين جديدين للساحة المسرحية، هما الفنانة ريم الفيصل التي عبّرت عن تناقضات الحالة الداخلية للمرأة المنكسرة والقوية في ذات الوقت من خلال أداء اعتمد على الانفعال الداخلي الصادق الذي يصل تأثيره للمتفرج دون حاجة للانفعال الأدائي المقحم والزائد على أبعاد الشخصية ومقاييسها المحددة للدور، أما الفنان فيصل علي فقدم خلال العرض صورة الرجل الشرقي المتمزق بين فكي الذكورة المتباهية بنفسها، وبين عاطفته الخفية والمطمورة عمداً قياساً بالأحكام والشروط الاجتماعية السائدة. العمل الثالث الذي لفت انتباه النقاد والمتابعين للدورة تمثل في عرض “مجرد دمى” للمخرج عبدالله المناعي الذي لم يؤكد في كل عرض يقدمه على عشقه وهوسه بالمسرح رغم إعاقته الجسدية ومعاناته الطويلة من المرض، قدم المناعي في “مجرد دمى” سينوغرافيا تختزن الكثير من التجريد الذي لا يخلو من إيحاءات ومن مضامين جريئة على مستوى الخطاب العام للوجع العربي ولنزيف الكرامة داخل الأرض السليبة والمصلوبة على عمود التاريخ وأفق الجغرافيا. وهناك عملان آخران هما “سكراب” و”حنة” استطاعا امتلاك مفردات مسرحية مميزة على مستوى الفكرة، ولكن إشكالات المعالجة الإخراجية والأداء الانفعالي الزائد والمفرط من الممثلين قلل من توهج واكتمال البنية البصرية والإيحائية لهذين العملين. بين المسرح والتلفزيون ومن أجل البحث عن حلول لغياب الممثلين والمبدعين المسرحيين عن المهرجانات المسرحية العربية ومنها مهرجان أيام الشارقة المسرحية، ونظراً لأهمية الممثل كعنصر مهم وأساسي في العملية الإبداعية, أقامت اللجنة المنظمة للمهرجان ندوة كبرى بعنوان: “إشكاليات الممثل العربي وفن التمثيل بين المسرح والتلفزيون” شارك بها نخبة من النقاد والمتخصصين وضيوف الدورة الحالية للمهرجان، وتمثلت أبرز عناوين الندوة في المحاور التالية: “أثر المسرح في إعداد الممثل للولوج إلى عالم التلفزيون”، و”ظاهرة تسرّب الممثلين من المسرح والانشغال بالأعمال التلفزيونية”، و”شهرة التلفزيون ونخبوية المسرح”، و”قوة الإنتاج التلفزيوني وضعف الإنتاج المسرحي”، و”التقاليد الفنية بين المسرح والتلفزيون” وغيرها من المحاور التي حاولت تشريح وتحليل الوضع القائم والمتوتر الذي أدى إلى خفوت الوهج المسرحي في هذا العقد مقارنة بالعقود السابقة التي لم تشهد هذا السعار الدرامي والتسويقي الذي رافق المسلسلات التلفزيونية وخصوصاً في شهر رمضان. وكان من أبرز المشاركين في الندوة أيمن زيدان من سوريا، والدكتور سامي عبدالحميد والدكتورة شذى سالم ومحمود أبوالعباس من العراق، وأحمد الجسمي وإبراهيم سالم وحسن رجب ومرعي الحليان من الإمارات، وأحلام حسن من الكويت، وفتحي الهداوي من تونس. وأشارت الفنانة أحلام حسن في مداخلتها إلى أن المسرح في الوطن العربي بالإضافة إلى غياب الممثلين بات يعاني من الرقابة الشديدة، وأشارت إلى وجود تيارات تحاول جاهدة أن تلغي المسرح من أساسه، مما دفع عدداً من المسرحيين إلى الولوج إلى الدراما السينمائية المتلفزة، وأضافت أن المردود المادي الضعيف للممثلين وعدم تحقيقهم الشهرة التي يحققونها من خلال عملهم مقارنة مع التلفزيون، هو السبب وراء تسرب المسرحيين نحو الأعمال الدرامية التلفزيونية. ودافع الفنان أيمن زيدان عن المسرح وقال إنه فن لا يمكن له أن يهزم بمجرد ظهور وسيلة إعلامية جديدة، وقال إن هناك ملامح للمسرح لا يمكن أن تتوافر لأي فن آخر ومنها التماس الحي والمباشر مع الجمهور، وجماليات العرض المسرحي المتميزة، والحضور الحقيقي للمثل. وأشار زيدان إلى ضرورة التخلي عن النظرة العدائية المتبادلة بين المسرح والتلفزيون، وتحويلها إلى نظرة أو علاقة تكاملية، وقال إن مشكلة المسرح أنه عمل مؤسساتي، ويواجه تحديات خاصة، لأنه مازالت هناك مشاكل داخل المؤسسات العربية التي تحتضن المسرح، ونوه إلى أن العمل المسرحي متقطع وموسمي ولا يمكن أن يعيش الفنان من هذا العمل بشكله الحالي، ومن دون الاعتماد أو الاستفادة من فن اتصالي آخر. أما المخرج العراقي محمود أبوالعباس فقال إن الممثل المسرحي يجب أن يدافع بحماس كبير عن أطروحاته في العمل المسرحي، حتى لو كانت الرقابة في بعض الدول شديدة، مشيراً إلى أن العمل المسرحي يجب أن يتمتع بالحرية والسلاسة حتى لا يقع ضحية للتنافس الشرس وغير المنصف مع التلفزيون. التكريم ويوم الوفاء قامت اللجنة المنظمة وضمن برامج المهرجان بتخصيص يوم أطلقت عليه يوم الوفاء إحياء لذكرى أربعة من رواد المسرح المحلي الذين رحلوا وتركوا بصمات مؤثرة في المشهد المسرحي والدرامي في الإمارات وهم سلطان الشاعر ومحمد الجناحي وسالم الحتاوي والمخرج العراقي قاسم محمد، كما قامت اللجنة بتخصيص أمسيتين لتكريم الشخصية المسرحية المحلية والتي ذهبت جائزتها في الدورة الحالية للفنان حسن رجب، وأمسية أخرى للشخصية المسرحية العربية التي ذهبت جائزتها للفنان الكويتي الكبير سعد الفرج. ففي ندوة يوم الوفاء تحدث الدكتور محمد يوسف عن المحطات والذكريات التي جمعته بسلطان الشاعر ووصفه بالإنسان البسيط الذي ترجم بساطة أهل الإمارات في بدايات ظهور الدراما التلفزيونية والمسرحية والتي كان الراحل ـ كما قال يوسف ـ من أهم مؤسسيها خصوصاً في تلك الأعمال المبكرة التي حملت عناوين مثل: “الغوص” و”اشحفان” و”نوادر جحا” و”الشقيقان (شعبان ورمضان)” و”طريق الندم”. وقال: “يجد المتتبع لأعمال وقصائد سلطان الشاعر هذا الحس الاجتماعي المدعوم بالموهبة الكتابية والتمثيلية التي عبّرت عن الكثير من المواقف الكوميدية وبأسلوب شعبي تقرأ فيها رائحة الأرض وحميمية الناس وتجذّر العادات والتقاليد وأنماط العيش في فترة ما قبل الازدهار وظهور النفط”. أما الفنان أحمد الجسمي فتحدث في مداخلته عن الراحل محمد الجناحي واصفاً إياه بنجم السبعينيات وبالفنان الشامل في فترة شهدت زخماً درامياً كبيراً في إذاعة وتلفزيون أبوظبي، وقال إن الراحل كان من المؤسسين الأوائل لإذاعة أبوظبي وكان منزله أشبه بالورشة التدريبية أو المدرسة الفنية التي تخرج منها جيل كامل من الكتاب والممثلين والمخرجين في الإمارات. وتحدث الفنان عبدالله صالح عن رفيق دربه في الحياة والفن المؤلف المسرحي والدرامي الراحل سالم الحتاوي قائلا: “في العام 1993 كانت لحظة لقائي الأولى بالحتاوي وكان العام 2009 هي لحظة مفارقته لي، وبين هاتين اللحظتين تكونت محطات ومناسبات كثيرة جمعتني وعمقت علاقتي به كإنسان وصديق قبل أن تكون مجرد زمالة فنية”. وأضاف: “تعرفت إلى الحتاوي كمؤلف مبدع ومهموم بتطوير تجربته في الكتابة من خلال مسرحية “أحلام مسعود” في العام 1994 وبعدها شكلنا ثنائياً فنياً ومسرحياً ومع انضمام الفنان أحمد الأنصاري شكلنا ثلاثياً فنياً في حقول التأليف والتمثيل والإخراج فحصدنا الكثير من الجوائز، مع مسرحيات مثل “ليلة زفاف” بمشاركة الفنانة سميرة أحمد، ومسرحية “الملّه” ثم “عرج السواحل” وغيرها من الأعمال التي أبرزت قيمة وموهبة سالم الحتاوي كفنان وإنسان وباحث في جماليات وأسرار التراث المحلي والشعبي”. وكان آخر المتحدثين في الندوة المخرج المسرحي محمود أبو القاسم التي تحدث عن علاقته الإنسانية والفنية الممتدة والمتشعبة مع المخرج العراقي الكبير قاسم محمد الذي أسهم في تطوير وإثراء وتفعيل المشهد المسرحي في العراق والإمارات والوطن العربي عموماً. وقال أبو العباس في مداخلته: “قاسم محمد هو أستاذي وأبي الروحي، وكان له الفضل في تعريفنا بالمسرح وبمختلف مدارسه وأنماطه مثل مسرح الواقعية السحرية والمسرح الاحتفالي ومسرح الطفل والمسرح الملحمي”. وأضاف: “إن مسرحية “النخلة والجيران” التي قدمها الراحل تعتبر منعطفاً مهماً في مسيرة المسرح العراقي والعربي، وله الفضل أن بدايات الكثير منا مرهونة بخطواته وتعاليمه، وبالتالي فهو أسس لجيل كامل من المسرحيين المبدعين والموهوبين”. أما الأمسية التكريمية التي أقيمت للفنان حسن رجب (الشخصية المسرحية المحلية) فتضمنت كلمة للفنان سرد فيها جانباً من ذكرياته الأولى مع عالم المسرح، وقال إن سبب دخوله هذا العالم الإبداعي المختلف يعود إلى طفولته التي تميزت بالشقاوة والمشاكسة، وأنه حاول التنفيس عن هذه الطاقة الداخلية المتأججة من خلال اقتحام عالم التمثيل الذي فتح له أبواباً ومنافذ سحرية وجمالية واسعة ومشرعة ومليئة بالتجارب والأنماط الإبداعية المختلفة والمتداخلة. وأكد رجب على أن عالم المسرح استدعى منه القيام بالكثير من التضحيات على مستوى الحياة الشخصية والمهنية، ولكنه ورغم ذلك يؤمن بأن المسرح يملك سحره الخاص الذي يصل لدرجة الهوس والعشق ونسيان أي تعب ذاتي من أجل تقديم ما هو أفضل وما هو أكثر عمقاً وجودة مما تم تقديمه سابقاً. وفي الأمسية التكريمية للفنان القدير سعد الفرج تحدث الفنان عن بدايات تعرفه والتحاقه بعالم المسرح المثير والساحر مشيراً إلى أنه خرج من قرية صغيرة ونائية في الكويت اسمها: “الفنطاس”. وقال: “كان حلمي الدائم أن أخرج إلى مجتمع المدينة الأكبر والأكثر حراكاً والتصاقاً بعالم الفنون والمسرح، فبدأت بمحاولات بسيطة في الكتابة المسرحية التي أردت أن أترجم من خلالها قصص التاريخ والأساطير التي كان يسردها لنا الملاّ ناصر الحنيف الذي كان يدرسنا علوم الدين في فترة الطفولة”. وأضاف: “كنا في بداية الخمسينيات من القرن المنصرم نشاهد الأفلام السينمائية التي كانت تعرضها شركات النفط في الكويت، وأسهمت هذه المشاهدات في إثارة خيالنا الفني والدرامي، فانضممت في العام 1958 للمسرح الشعبي حتى جاءنا ساحر المسرح زكي طليمات الذي تتلمذنا على يديه جميعاً وتعرفنا من خلاله إلى قيمة وخطورة فن المسرح”. ثم تحدث الفرج عن الفترة التي غادر فيها الكويت لدراسة فنون المسرح والتلفزيون ابتداء من دراسته في القاهرة ومروراً بلندن وعمله في إذاعة ال بي بي سي، حتى ذهابه إلى الولايات المتحدة وحصوله على دبلوم في الدراما التلفزيونية والمسرحية. واختتم الفنان الكبير حديثه بالإشارة إلى أن وجود عنصر الحرية شرط مهم لاستمرارية وخلود وتواصل الفعل المسرحي، وقال إن للمسرح دوراً كبيراً في تعميق ثقافة ووعي الشعوب.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©