الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

فقراء بريطانيا والاستفتاء

2 مايو 2016 00:06
إذا ما ثبتت صحة استطلاعات الرأي والرهانات، فإن رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون، سيفوز في حملته الساعية لإبقاء بريطانيا ضمن منظومة الاتحاد الأوروبي. لكن إذا ما ساءت الأمور خلال الفترة من الآن وحتى يونيو، تاريخ عقد الاستفتاء على الخروج البريطاني، فإن التحدي الأكبر الذي ستتعين عليه مواجهته، هو إقناع الفقراء الذين لم يفعل من أجلهم سوى القليل، بأن ذلك لن يجعلهم أفضل حالاً. والحجة الاقتصادية لمغادرة الاتحاد الأوروبي لها منطق واضح، مؤداه أن الانسحاب سيحرر بريطانيا من القيود التي تكبل حركتها، بحيث تصبح حرة الحركة في التعامل التجاري مع من ترغب، والاستفادة من الطلب الكبير من جانب الاقتصادات سريعة النمو، مثل الصين. لكن الحقيقة هي أن ترتيبات بريطانيا الراهنة موائمة للتجارة، وليس هناك سبب مقنع يدعو للاعتقاد بأنها ستبقى كذلك بعد الخروج. الدليل على ذلك أن عضوية بريطانيا في الاتحاد الأوروبي قد أدت إلى تحسين التجارة والدخول، وهو ما لم يأت على حساب العلاقات مع الدول الواقعة خارج نطاق السوق الموحدة. وقد تؤدي المشاعر القومية إلى دفع البعض نحو باب الخروج، كما قد تكون الهجرة دافعاً رئيسياً لآخرين لتفضيل المغادرة. فالتدفق الكبير للمهاجرين على بريطانيا خلال الفترة بين 1990 و2004 أدى إلى انخفاض دخول المواطنين البريطانيين القابعين في أسفل سلم الدخل، وبالتالي فليس هناك ما يدعو للاستغراب من أن يتوقع كثيرون أن شرائح كبيرة من هؤلاء ستصوت على خروج بريطانيا. ولكن من غير المتوقع أن يؤدي الخروج البريطاني من المنظومة الأوروبية إلى تحسين فرص هؤلاء، لسبب بسيط هو: أن الفرص التي ستتولد لأفراد الطبقة الدنيا من المجتمع نتيجة لانخفاض حدة التنافس، بسبب تقلص أعداد المهاجرين بعد الخروج من الاتحاد، ستتضاءل إذا ما قورنت بارتفاع التكاليف الذي سيعاني منه هؤلاء، إذ سيصبح اقتصاد بلدهم أصغر حجماً. ومع أن استطلاعات الرأي تشير إلى أن المنافسة بين أنصار الخروج وأنصار البقاء ستكون محتدمة، فإن الخطر يكمن في احتمال فقدان أنصار البقاء لزخمهم خلال الفترة من الآن وحتى موعد إجراء الاستفتاء. ذلك أن هؤلاء قد أطلقوا معظم ما بجعبتهم من ذخيرة ثقيلة: فالرئيس أوباما تحدث عن هذا الموضوع ودعا البريطانيين للتصويت على البقاء، ووزارة الخزانة نشرت تحليلها الأكثر أهميه بهذا الشأن. والسؤال هو: كيف يمكن للحكومة أن تحد من المخاطر التي تواجهها؟ كان من الصعب دوماً إقناع أصحاب المشاعر الوطنية القوية بمزايا عضوية بريطانيا في الاتحاد الأوروبي، لكنْ هناك درس يمكن للحكومة أن تتعلمه في هذا الشأن من رئيس الوزراء السابق جوردون براون. فقبل الاستفتاء على استقلال اسكتلندا عام 2014، أدرك براون أن القيام بحملة يتم من خلالها التركيز على الجوانب الجيدة للاتحاد، ستكون لديها فرصة في النجاح أكبر من حملة أخرى تركز على أكلاف المغادرة. وكان لتدخله الوطني الحاسم من أجل بريطانيا موحدة، الفضل في الوصول إلى قطاعات من الناخبين لم يستطع دعاة انفصال اسكتلندا الوصول إليها. ومعلوم أن الحكومة البريطانية عملت بالفعل على التوجه مباشرة إلى من يتوقعون أن اقتصاد بلدهم سيصبح أكبر حجماً خارج الاتحاد الأوروبي، وذلك من خلال تحليل وزارة الخزانة الذي توقعت فيه أن التكلفة الطويلة الأمد لمغادرة الاتحاد ستكون في حدود 6.2% من الناتج المحلي الإجمالي. ويتوقع أن يؤثر ذلك التحليل على بعض أنصار الخروج المحتملين، لكن الجميع كانوا يتوقعون من وزارة الخزانة أن تقول بأن التكاليف ستكون هائلة، لذلك فإنه وبصرف النظر عن صحة أم عدم صحة تقديراتها، فإن الكثيرين سينظرون إليها بتشكك. أكثر فئة من الشعب البريطاني يصعب التواصل معها من قبل الحكومة هي تلك التي تعتقد أنها تحصل على قسمة ظالمة من النظام القائم حالياً. فالحكومة ليست في موقف ملائم يتيح لها إقناع هؤلاء بأي شيء، لأنها وبدلا من تعويض الفئات الأكثر تأثراً بسياسة حرية الحركة في الاتحاد الأوروبي التي نتج عنها تدفق أعداد كبيرة من المهاجرين لبريطانيا، قامت بمعاقبتهم من خلال تحميلهم العبء الأكبر من تكلفة برنامج التقشف الحكومي. وربما ينتاب الأمل كاميرون في أنه قد فعل الكثير لتأمين بقاء بريطانيا في الاتحاد الأوروبي، وربما يكون قد قام بذلك فعلا. لكن إذا ما تراخى زخم حملة أصحاب فكرة البقاء خلال الفترة المتبقية على الاستفتاء، فإن آراء الناخبين الذين يشعرون بالتشكك حيال الحكومة، ستصبح فجأة ذات أهمية قصوى. *كاتب ومحلل اقتصادي أميركي ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوزسيرفس»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©