الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

فن التسخيف

فن التسخيف
25 مايو 2009 02:54
خيط واهٍ جداً يفصل بين المعنى العميق والسخف.. من مصلحتنا جميعاً ترك هذا الخيط حيث هو، فلو انقطع لفسد الكثير. كنت أتابع باهتمام برامج قناة الجزيرة الساخنة مثل (الاتجاه المعاكس) وأنفعل مع من ينفعل وأصرخ مع من يصرخ، حتى قالت زوجتي ذات مرة في ملل: ـ «هؤلاء القوم يعانون من فراغ قاتل.. لا مشاكل عندهم!.. يجلسون معاً ليبدأوا في الصراخ لمدة ساعة، ثم يعود كل منهم لوطنه..» قلت لها في حماسة إن هذا صراع أفكار ساخن من أعلى طراز، لكنها كانت مصرة على أن الواحد من هؤلاء لو كان مكلفاً بالطهي وتنظيف بيت والعناية بأطفال لما وجد وقتاً لهذا الهراء. من الغريب أن كلامها بدأ يقطع هذا الخيط الواهي، وبدأت أشعر بالفعل أن هؤلاء قوم يأتون ليفتعلوا الصراخ، وليتسلى المشاهد بهذه المصارعة الحرة الفكرية لا أكثر. كنت أشاهد فيلم رعب مثيراً عندما سألني ابني عن موضوعه، فقلت في حماسة: «هناك دير لا يمارس رهبانه المسيحية، ولكنهم يمارسون عبادة الشيطان.. والبطلة راهبة جديدة لا تعرف ما يحدث». قال في ملل: ـ «وما المثير في ذلك ؟.. سوف تكتشف السر وتصاب بالرعب.. تحاول الهرب فيلاحقونها وفي النهاية تنجو»! بدا لي كلامه معقولاً وبدأت أرى أن الفيلم ليس بهذه الروعة على الإطلاق. لقد نجح الوغد ببراعة في قطع الخيط الواهي فبدا الأمر على حقيقته: هراء.. لو امتلكت موهبة التسخيف هذه لبدا لك أي شاعر شخصاً مدعياً يقول كلاماً مفتعلاً لا معنى له، والزهرة التي تقدمها لحبيبتك تفاهة، ولبدا لك السياسيون نصابين يبيعون كلاماً.. إن رواية الحرب والسلام هي ببساطة قصة محاولة نابليون لاحتلال روسيا وفشله، بينما (شفرة دافنشي) هي شخص مات وترك بعض الألغاز التي يتم حلها. قديماً وصف أحدهم فيلم (الفك المفترس) بأنه فيلم تسجيلي عن صيد سمك القرش! موهبة التسخيف هي الطريق الأمثل للانتحار، وهي قادرة على جعل الحياة بلا معنى فعلاً. هل تذكر قصة الرجل الذي أهدى أمه ببغاء متكلماً باهظ الثمن، ثم اتصل بها بعد أسبوع ليطمئن على الببغاء فقالت بلهجة عملية: لقد كان لذيذاً! علينا أن نبقي هذا الخيط الرفيع ولا نقطعه كي نجد مبرراً لحياتنا. ولهذا أتوقع منك أن تجد هذا المقال ساخراً ممتعاً وعلى شيء من العمق، بدلاً من أن تعتبره مجرد هلوسة من شخص لا يجد شيئاً أهم يفعله. هذا يحفظ السلام النفسي لنا معاً. د. أحمد خالد توفيق
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©