الثلاثاء 23 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

«إلى الأمام» و«حركة النجوم الخمس».. مخاطر الديمقراطية الافتراضية

9 مارس 2018 21:36
لو أنك تمعّنت بالعناوين الصحفية البارزة التي نشرت مؤخراً، فلا بد أن تكون قد شعرت بالخوف من الفوضى غير المتوقعة التي أصبح عليها الواقع السياسي في إيطاليا بعد انتخابات الأحد الماضي. ولا شك أنك قرأت شيئاً عن «متاعب أوروبا» و«انتصار الشعبويين». ولكن، وقبل أن تذهب بعيداً في تصوراتك، دعني أشرح لك ما حدث حتى لو تضمنت روايتي للأحداث بعض التعقيدات. فلقد كان المستفيد الأكبر من الانتخابات الإيطالية هي «حركة النجوم الخمس» التي لم تكن ضد الهجرة فيما سبق، ولم تعلن عن معارضتها للاتحاد الأوروبي بشكل صريح، ولم تكن حزباً ينتمي إلى «أقصى اليسار» ولا إلى «أقصى اليمين» أبداً. بل هي في الواقع نسخة مختلفة، من حيث اللغة والخطاب والمواقف، عن حزب إيمانويل ماكرون «إلى الأمام» الذي تمكن من تحقيق انتصار ساحق في الانتخابات الرئاسية والبرلمانية الأخيرة. وكل من الحزبين يسعى إلى العمل على الخطوط التقليدية التي تفصل بين اليسار واليمين، ويمكن اعتبارهما من «المخلوقات» التي أتت بها الإنترنت، والتي جعلت من الممكن للعالم الافتراضي أن يربط بين الناس بمختلف مشاربهم وأماكن وجودهم للمرة الأولى. وكلا الحزبين وصل إلى السلطة على حساب أحزاب وسط اليسار وأحزاب وسط اليمين التقليدية. وعندما أصاب الضعف الاتحادات التجارية والمجموعات الكنسية وبقية أنواع المنظمات المدنية في كل من إيطاليا وفرنسا، وهو ما حدث أيضاً في دول عديدة أخرى، فلم يعد من المفاجئ أن يكون السياسيون الذين برزوا من الحزبين في حالة انحسار أيضاً، أو أن يكونوا قد استُبدلوا بأناس يمتلكون مهارات الوصول إلى الناس عن طريق الإنترنت. وإذا كان الحزبان متشابهين في القدرة على امتلاك قاعدة شعبية افتراضية، فإنهما يختلفان عن بعضهما في القصد والنيّة من استغلالها. ومن الواضح أن حزب «إلى الأمام» هو حركة مؤيدة للوحدة الأوروبية تسعى لعصرنة فرنسا والرفع من شأن السياسة الفرنسية وتحضير فرنسا للحياة مع عالم معولم. وأما «حركة النجوم الخمس»، فقد كان خطابها السياسي منذ البداية قاتماً ومتشائماً. ورئيسها ومؤسسها «بيب جريللو» هو ممثل هزلي «كوميديان» يفضل أن يعرّي حركته عن مفهوم الحزب، وهو الذي وصف السياسيين الإيطاليين بأنهم لا يمثلون أكثر من مجرّد حفنة من «الطفيليين» وكان يحرص منذ زمن بعيد على نشر أفكاره وأطروحاته عبر مدوّنته الخاصة على الإنترنت. وبدا وكأن هذا السلوك يمثل شكلاً جديداً من الممارسة الديمقراطية الرقمية التي بدأت بالبروز في الواقع السياسي العالمي. إلا أن ذلك قد يعني من الناحية العملية أن توجهات الناشطين التي تعبر عنها الاستفتاءات التي يتم إجراؤها عن طريق الإنترنت بشكل متكرر، غالباً ما تتغير مع تغير توجهات الحزب الذي ينتمون إليه، ويكون هذا التغير في بعض الأحيان كبيراً. ولا زالت نظرة حركة «النجوم الخمس» لمشروع التكامل الأوروبي مشوّشة وتشهد نوبات من المدّ والجزر. ومثلما فعل حزب ماكرون «إلى الأمام»، فلقد تمكنت حركة «النجوم الخمس» الإيطالية من الجمع بين الناس (افتراضياً) والذين لم يعرفوا بعضهم البعض في عالمهم الواقعي من قبل. وتتضمن شريحة الناس المتعارفين بهذه الطريقة الآلاف ممن يعتقدون بنظريات المؤامرة. وفي إيطاليا تروج شكوك قوية على موقع «فيسبوك» وبقية مواقع التواصل الاجتماعي حول صلاحية أمصال التطعيم للوقاية من الأمراض. وتمكن بعض مرشحي «حركة النجوم الخمس» من استغلال الفرصة ليدعو من خلال تلك المواقع إلى إلغاء قوانين التطعيم الإلزامي. وسبق أن أقامت الحركة خطوطاً للتواصل مع شبكات المواقع التآمرية التي تروّج للأكاذيب التي ينشرها مؤيدو الكرملين. وإذا كان «جريللو» قد بدأ حياته السياسية باعتباره الرجل المناهض لروسيا، فإن سياسيي «حركة النجوم الخمس» انقلبوا عن تلك السياسة تماماً عامي 2014 و2015 وبدؤوا حملة الترويج للروايات السياسية الروسية ونظموا لقاءات مع نظرائهم من السياسيين الروس. ولم يتمكن أحد على الإطلاق من معرفة السبب الكامن وراء هذا الانقلاب. والسؤال المهم الآن: كيف ستبدو إيطاليا تحت حكم «حركة النجوم الخمس»؟ لا يمكن لأحد أن يعرف الجواب. وكان عهد عضو الحركة الذي شغل منصب عمدة روما قد تميز بنقص الخبرة وقلة الكفاءة ومحاباة الأقارب. وإذا تمكنت الفئات غير الحزبية من التعبير بصوت مسموع عن رغبتها بالإصلاح عن طريق خطاب فلسفي واضح المعاني والأهداف، فلا شك أنها ستتمكن من الفوز بصفقة سياسية دسمة. ولكن، وحتى تتمكن من تحقيق هذا الهدف فإن على قادتها أن يتخلوا عن حماستهم للعالم الافتراضي ويركزوا عملهم على السياسات التي تتطابق مع العالم الواقعي. وليس من الواضح حتى الآن ما إذا كان في وسعهم أن يفعلوا ذلك. *محللة سياسية حائزة جائزة «بوليتزر» ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفيس»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©