الخميس 18 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
الأخبار العالمية

أوباما وبوتين.. حرب باردة جديدة

أوباما وبوتين.. حرب باردة جديدة
1 مايو 2016 08:53
في فبراير الماضي، بينما تصاعدت وتيرة الحرب الأهلية في سوريا، وتمدد تنظيم «داعش» الإرهابي في ليبيا، أعلن البيت الأبيض عن خطط تهدف إلى زيادة المخصصات الموجهة إلى أوروبا في موازنته الدفاعية عام 2017 إلى أربعة أضعاف، من 789 مليون دولار إلى 3.4 مليار دولار، وفي الثلاثين من مارس، أكدت وزارة الدفاع الأميركية «البنتاجون» هذه الخطط، التي تشمل إرسال عدة وعتاد وقوات، تشمل السيارات القتالية والأسلحة الثقيلة، إلى رومانيا والمجر ودول البلطيق، بحيث يبقى اللواء القتالي لـ«الناتو» في جهوزية كاملة. ومن المقرر أن تتناوب القوات على المنطقة، لتتفادى شكلياً أي انتهاك لنص القانون التأسيسي لمجلس «الناتو-روسيا» الذي يرجع إلى عام 1997 (وإن كانت تخالف روحه)، والذي سعى إلى تخفيف المخاوف الروسية النابعة من توسع التحالف ليمتد إلى دول وقعت في السابق على معاهدة «وارسو». وقد كان ذلك وقتاً حرجاً لمثل ذلك الإعلان، لا سيما أن اتفاق «مينسك» عام 2015، الذي كان يمكن أن يؤدي إلى تسوية الصراع الانفصالي في منطقة «دونباس» الأوكرانية، تحول إلى اتفاق لا يستطيع الرئيس الأوكراني «بيترو بوروشينكو» الالتزام به، وكانت حكومة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، التي تضررت بشدة من جراء العقوبات الاقتصادية، أشارت إلى رغبتها في «استعادة» علاقتها مع الغرب (إذا كان ذلك وفقاً لشروطها الخاصة الأكثر عدالة)، واستغلت تدخلها في سوريا من أجل استعادة وضعها المتباطئ كقوة كبرى على الساحة العالمية. حرب باردة جديدة وبالعودة إلى واشنطن، أوضح مسؤول رفيع المستوى في البيت الأبيض أن الإنفاق الدفاعي وعمليات نشر القوات في الخارج ليست «أمراً وليد اللحظة»، وإنما هي جزء من رد «طويل الأمد» على البيئة الأمنية المتغيرة في أوروبا، على نحو يعكس الوضع الجديد، بينما أضحت روسيا لاعباً أكثر جموحاً، وأوضح أيضاً أن الخطط الجديدة تتسق مع تصنيف «البنتاجون» لروسيا باعتبارها تهديداً كبيراً لأمن الولايات المتحدة. ورداً على عمليات انتشار «الناتو»، أعلنت روسيا أنها ستتخذ «كل الإجراءات الضرورية للدفاع عن أمنها»، ومن ثم اتهم الأمين العام للحلف «جينز ستولتنبيرج» موسكو بالتلويح إلى ترسانتها النووية للتنمر على جيرانها وزعزعة استقرار النظام الأمني الأوروبي، لكن رئيس الوزراء الروسي ديميتري ميدفيدف، دعا أمام مؤتمر أمني في ميونخ، إلى مطالبة «الناتو» بالتعاون مع روسيا، بدلاً من الدخول في «حرب باردة جديدة»، مضيفاً: «إنهم تقريباً في كل يوم يصفون روسيا بأنها التهديد الرئيس لحلف «الناتو» وأوروبا، والولايات المتحدة ودول أخرى». واستطرد: «إن ذلك يجعلني أتساءل ما إذا كنا في عام 2016 أو في 1962». ورغم أن هذه ليست قضية غريبة، ولكن آن أوان لتبني وجهة نظر مختلفة بشأن الوضع الخطير الجديد الذي يجد فيه كل من «حلف الناتو» وروسيا نفسيهما. استنفار عسكري ولـ«الناتو» بالفعل قوات متمركزة بدوله الأعضاء في البلطيق، وزار الرئيس الأميركي باراك أوباما المنطقة، للتأكيد على دعم التحالف، ووجود قوات الحلف بقوة على الحدود الروسية هو أمر غير مسبوق، وحتى في خضم الحرب الباردة، كان أقرب وجود لقوات «الناتو» من الاتحاد السوفييتي في القطاع الخاضع لإدارة قوات التحالف في برلين. وفي الوقت الراهن، وضعت الترسانتان الروسية والأميركية على السواء عند أعلى درجات الاستعداد، وهو ما يشكل وضعاً شديد الخطورة، في ضوء تفسخ العلاقات بين موسكو وواشنطن. وتجدر الإشارة إلى أن العقيدة العسكرية الروسية تتوقع استخدام أسلحة نووية إذا مثّل هجوماً بأسلحة تقليدية تهديداً خطيراً على وجودها. وتبعاً لذلك، أشارت «نشرة علماء الذرة»، إلى أن عقرب الدقائق في «ساعة القيامة» الرمزية لا يبعد سوى ثلاث دقائق عن منتصف الليل الذي يشير في تلك الساعة إلى يوم النهاية على هذا الكوكب، كما كانت الحال أثناء أسوأ أيام الحرب الباردة. عودة الدب الروسي وخطر الصراع المسلح بين روسيا و«الناتو» لم يكن فقط مجرد مسألة تخمين، فمنذ بداية الأزمة الأوكرانية عام 2014، انتهكت روسيا مراراً وتكراراً المجال الجوي للحلف، وأرسلت مهام استطلاع فوق أوروبا، باستخدام طائرات تغلق أجهزة البث، وهو ما يمثل خطر حدوث تصادمات في الجو، وتحرشت بفرقاطات أميركية قبالة ساحل البحر الأسود، وأجرت تدريبات تحاكي ضربات نووية ضد أهداف في أوروبا الشرقية وحتى في السويد، كما أجرت مناورات عسكرية واسعة النطاق للتدريب على غزو سكاندينافيا، إضافة إلى تدريبات ضخمة أخرى، وهذه التحركات ليست سوى جزء من قائمة تطول من العمليات الاستفزازية الروسية، التي يبدو من الواضح بشكل كبير أن الهدف منها توجيه رسالة واحدة ليعيها حلف «الناتو» مفادها أن: «الدب الروسي يعود!». ردود أفعال ولكن عند تقييم التحركات الروسية، فإن قدراً كبيراً يعتمد على ما إذا كان الاعتقاد هو أن تصرفات الكرملين ومناوراته التي أعقبت ثورة «ميدان» الموالية لأوروبا في أوكرانيا ـ والتي تضمنت ضم شبه جزيرة القرم ودعم المتمردين في «دونباس» على وجه الخصوص والحشد الدفاعي المكثف (الذي تقلص لاحقاً لأسباب اقتصادية)، كانت استفزازاً أم رد فعل. وأوجز وزير الخارجية الأميركي ومستشار الأمن الأمن القومي الأسبق «هينري كسينجر» الأمر في «وجهة النظر الأخيرة» قائلاً: «ليس من المقنع أن بوتين أنفق 60 مليار يورو لتحويل منتجع صيفي إلى قرية مناسبة لإقامة أولمبياد الشتاء (دورة الألعاب التي أقيمت في 2014 في منتجع سوتشي) كي يبدأ أزمة عسكرية بعد أسبوع على نهاية الاحتفال الذي وصفته روسيا بأنه جزء من الحضارة الغربية». والنتيجة المنطقية هي أن تصرفات «بوتين» كانت ردود أفعال، مثلما اتضح في بادئ الأمر باحتلال شبه جزيرة القرم، الذي بدأ في السابع والعشرين من فبراير عام 2014، رداً على سقوط ورحيل حليفه آنذاك رئيس أوكرانيا «فيكتور يانوكوفيتش»، الذي سقط حكمه قبل خمسة أيام من غزو شبه الجزيرة. وعلى رغم أن بوتين كان يأمل في إقامة علاقات بناءة مع الغرب، فلم يتخيل أبداً أنه سيتم تجاهله، ويجلس يراقب انزلاق أوكرانيا بعيداً عن المدار الروسي، مع إمكانية أن ينتهي المطاف بميناء البحر الأسود ذي الأهمية الاستراتيجية المحورية لروسيا، الذي استأجرته من أوكرانيا منذ عام 1997، في أيدي الناتو. جذور الأزمة وترجع التوترات الموجودة في الوقت الراهن إلى أكثر من مجرد النزاع على أحداث أثناء ثورات (ميدان) الأوكرانية، بالطبع. ويكمن أصل المواجهة بشكل كبير في الغرب كما هو في موسكو. وبالنسبة للروس، كانت السياسة الخارجية للولايات المتحدة منذ حقبة التسعينيات تتلخص فقط في سعيها على مدار عقود إلى الهيمنة العالمية، وتوضحها بصورة جلية توسع «الناتو» شرقاً بلا هوادة، وقبل أكثر من عشرين عاماً، حذر «جورج كينان»، مهندس سياسة الاحتواء الأميركية تجاه الاتحاد السوفييتي السابق، من أن دخول الناتو إلى إحدى الدول السابقة في «معاهدة وارسو» (ناهيك عن الجمهوريات السوفييتية السابقة مثل دول البلطيق) من شأنها تأجيج «حرب باردة جديدة»، ومن المحتمل أن تنتهي إلى «حرب ساخنة»، ومن ثم القضاء على جهود تحقيق ديمقراطية فعّالة في روسيا. وتؤكد وجهة النظر هذه ردود أفعال بوتين على التوجه السياسي لكييف صوب الغرب، والذي توّج بثورة «ميدان»، وفي حين من المستبعد أن تنضم أوكرانيا قريباً، إلا أن «الناتو» تعهد بأنها يوماً ما ستصبح عضواً، بينما يتوسع التحالف في أماكن أخرى في أوروبا الشرقية. حلول مقترحة وثمة سبب منطقي للاعتقاد بأن الأزمة الأوكرانية لا يزال من الممكن حلها، وفق الحدود التي اقترحها في السابق كل من «هنري كسينجر» ومستشار الأمن القومي الأسبق «زبيجنيو بريجينسكي»، بإبرام صفقة مع روسيا تنص على عدم منح عضوية الناتو إلى أوكرانيا في مقابل سماح روسيا لكييف بأن تقرر بنفسها توجهاتها غير العسكرية، التي يمكن أن تشمل عضوية الاتحاد الأوروبي، ومثل هذا الترتيب يمكن التصديق عليه في قمة بين الولايات المتحدة وروسيا، وسيكون من الضروري إقامة احتفال عام معلن بشكل كبير لإبرام الصفقة، من أجل حمل الجانبين على الالتزام بالشروط. بيد أن حل الجانب المتعلق بالقرم في الصراع سيكون أكثر صعوبة، وقد يجدي استفتاء تشرف عليه الأمم المتحدة في تقرير وضع شبه الجزيرة، ولكن عودة الأرض إلى أوكرانيا أمر مستبعد، في ضوء نتائج استطلاعات الرأي التي تشي بأن نحو 80 في المئة من سكان القرم يفضلون البقاء ضمن روسيا، ومن ثم سيكون على الولايات المتحدة وحلفائها التنازل عن رغباتهم، وأن يتأهبوا إلى رفع العقوبات وتطبيع العلاقات مع موسكو رغم ذلك. وفي عالم مثالي، ما كان لروسيا أو أية دولة أخرى أن يكون لها تأثير على قرار أوكرانيا بشأن التحالفات التي ترغب الانضمام إليها، ولكننا لا نعيش في ذلك العالم. وحل الوسط الموضح أعلاه من شأنه أن يسمح للولايات المتحدة بالتعاون بدرجة أكبر مع موسكو في مواجهة التهديد الخطير والمستمر، بل والمتزايد من الحرب الأهلية الروسية، وإلى جانب ذلك، زيادة موجة الإرهاب العالمي، والتدفقات الضخمة المزعزعة للاستقرار للاجئين المتجهين إلى دول الاتحاد الأوروبي، الحليف الرئيس للولايات المتحدة، وجحافل المتمردين الذين قست قلوبهم من جراء المعارك، ومن بينهم آلاف الأوروبيين، الذين يعودون إلى أوروبا، ومن الممكن أن يجدوا سبيلاً إلى الولايات المتحدة، في ضوء ما تتيحه لهم جوازات سفرهم الأوروبية، إضافة إلى خطر تنظيم «داعش» ذاته، الذي يهدد الشرق الأوسط وشمال وغرب أفريقيا وأفغانستان وحتى إندونيسيا. تلاقي المصالح ومثلما أوضحت زيارة وزير الخارجية الأميركية جون كيري مؤخراً إلى موسكو، تلتقي المصالح الغربية والروسية في إنهاء الحرب السورية ووقف تنظيم «داعش»، وترغب روسيا في منع مسلحي «داعش»، ومنهم أعداد كبيرة بالفعل تقدر بالآلاف من مواطنيها، من تنفيذ أعمال إرهابية على أراضيها، ووقف تطرف مزيد من سكان منطقة القوقاز المسلمة، حيث توجد حركة تمرد محدودة، يدعمها «داعش» ضد موسكو، لكنها تكتسب زخماً، وفي الوقت ذاته نجح تدخل روسيا في سوريا حتى الآن، رغم الخسائر المدنية الفادحة التي سببها، إذ يهدف إلى الإبقاء على حكومة بشار الأسد، وفي هذه الأثناء لا ترغب أوروبا أو واشنطن في إرسال قوات برية إلى سوريا، ولا يود أحد اندلاع حرب عالمية. **محرر في دورية «ذي أتلانتيك» وأحدث كتبه «الجهاديون عاريو الصدر: داخل الحركة النسوية، أكثر الجماعات النشطة استفزازاً في العالم». يُنشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفيس» قوات «الناتو» موجودة بقوة على الحدود الروسية، وهو أمر غير مسبوق، وحتى في خضم الحرب الباردة، كان أقرب وجود لقوات «الناتو» من الاتحاد السوفييتي في برلين في عالم مثالي ما كان لروسيا أو غيرها أن يكون لها تأثير على قرار أوكرانيا بشأن التحالفات التي ترغب في الانضمام إليها، ولكننا لا نعيش في ذلك العالم
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©