السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الثقافة السياسية... المرنة

21 فبراير 2011 21:24
سلام الربضي كاتب أردني تكتسب القدرة على التكيف الخلاق مع الموجات التاريخية أهمية قصوى، باعتبارها إحدى المهارات الأساسية للثقافة السياسية، وخصوصاً في لحظات الانتقال السريعة في منطقتنا العربية الحالية، التي يغلب فيها على الحركة الدولية قدر هائل من التغير والديناميكية. إذ تبدو أدق الحسابات السياسية عاجزة عن التواؤم الكامل مع هذه المتغيرات وحركتها الدافقة، بما يجعلها في حاجة دائمة لإعادة النظر من أجل التكيف المرن والخلاق معها. وهو ما يقاس بدقة الاستشعار وعمق القراءة ومن ثم حسن التوجه وسرعته أيضاً، وإزاء ما يعتبر موجات تاريخية أو تحولات سياسية، على النحو الذي يعظم من الفرص التي تتيحها هذه التحولات، ويقلص من مخاطرها لتأتي محصلة عوائدها وتكلفتها إيجابية. فمن علامات أزمة النخب الحاكمة في البلدان العربية أن بعض التصورات والأفكار تتحول إلى ثوابت في الأذهان والأفعال وكأنها تحولت إلى قوالب مقدسة. ويظل الكثير من النخب والقادة ينتهجون ويلتزمون ذات الثوابت التي لم تعد تواكب التطورات الحاصلة بأي شكل من الأشكال. وفي ظل هذا الوضع، يزدهر في سماء المنطقة كثير من الخطابات السياسية التي لا تضمن التوصيفات المتعددة في العلوم السياسية القدرة على الإحاطة بها، من شعوبية جديدة ودوغمائية ما بعد عصر الحداثة. وسواها من تلك التوصيفات التي تم تخصيصها لوصف سلوكيات سياسية بدائية، سادت وانتشرت في أزمنة أولى من ممارسة السياسة. والتعاطي معها بوصفها ترويضاً للمجتمعات الإنسانية، وليس باعتبارها فن الممكن وفن إدارة الأزمات والمجتمعات، للوصول إلى أفضل النتائج التي تؤمن حياة البشر. فممارسة ذلك النمط من السياسة هي ما يمكن أن يطلق عليه مفهوم السياسة السهلة، بمعنى السياسة التي تفتقد للخيال القادر على إيجاد الحلول الممكنة للمشكلات التي تعاني منها مجتمعاتنا، فضلاً عن الإرادة التي تحول هذا الخيال إلى مشاريع ورؤى وتصورات، وفق تعاطٍ منهجي مستمر، وصولاً إلى التكييف العملي والعلمي لتلك المناهج، مع واقع الإمكانات المتاحة وواقع البيئة المحلية والدولية. والإشكالية، هي في التوظيف السياسي البشع للأحداث من قبل بعض الأنظمة التي تعرف تماماً أنها لا تخسر شيئاً من الامتيازات التي حصلت عليها في بلدانها، ولن تترتب عليها أية التزامات، تمهيداً للابتزاز السياسي في لعبة السلطة، ودائماً بتحريض وتشجيع من الخارج. وأيضاً من البديهي، أن يتم استخدام المال السياسي الخارجي الآتي باسم التنمية والإعمار في هذا المضمار، خصوصاً أن مقدميه هدفهم نصرة طرف على طرف آخر، بحيث قد يصبح المال السياسي الآتي تحت شعار التنمية والإعمار، سبباً لمزيد من الانقسامات التي تأخذ إلى الفتنة، حيث قد يستخدم المال السياسي لزيادة مساحة الشقاق بين مكونات المجتمع وتحديداً السياسية منها. وعلينا معرفة هذا النسق الجديد في تحديد ووصف طبيعة العلاقات العربيّة الاستراتيجيّة الدّاخليّة والخارجيّة، وهو عبارة عن المظهر السّياسي، المراد منه تحويل الأنظار نحو تقسيم الدّول العربيّة من جهة فيما بينها، ومن جهة أخرى وضعها في حالة صراع مع قوى إقليمية. ولكن الأهمّ من ذلك هو إدراكنا بالعمق لهذا الواقع، واستيعاب عمق التحدّي، والتحلي بالرّؤية الاستراتيجيّة الكفيلة بدرء المخاطر والتحدّيات عن أوطاننا والمجتمعات من نخب ثقافيّة، وفكريّة، وسياسيّة، واقتصاديّة واجتماعيّة. فمثلاً مشروع الشرق الأوسط الكبير سيكون لزمن غير قصير، وسيبقى الخيار الثقافـي الدّولـي الذي ترغب الدّول الكبرى في جعله برنامج عمل وتنفيذ لدول المنطقة على رغم كل تلك التغيرات والثورات في المنطقة العربية. ينشر بترتيب مع مشروع «منبر الحرية»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©