الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

ثقافة ثلاثية الأبعاد

26 فبراير 2014 21:21
أسهمت سلسلة الكتب الثقافية التي يصدرها المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب في الكويت في رفد المكتبة العربية بالكثير من الأعمال الفكرية والعلمية والاقتصادية والأدبية الحديثة، مترجمة وموضوعة، والتي تتناول قضايا الواقع الإنساني المعاصر ومستقبله برؤية تحليلية وعلمية عميقة. الكتاب الأخير الذي صدر في هذه السلسلة بالتعاون مع المركز القومي للترجمة بالقاهرة هو كتاب “الثقافات الثلاث ـ العلوم الطبيعية والاجتماعية والإنسانية في القرن الحادي والعشرين” من تأليف عالم النفس الأمريكي جيروم كيغان وترجمة الدكتور صديق محمد جوهر. يسعى كيجان عبر محاور الكتاب الستة، كما يشير إلى ذلك في مقدمة كتابه إلى تحليل معاني مفردات المعاجم الاصطلاحية التي تستخدمها الأنساق الثقافية الثلاثة (الطبيعية والاجتماعية والإنسانية)، وإلى توصيف ونقد الافتراضات الجوهرية التي تتطرق إليها في عملها، إلى جانب تسجيل المآثر التي انفرد بها كل نسق بإسدائها إلى العلم والبشرية، ولذلك يركز المحور الأول على دراسة الفروق بين الثقافات الثلاث في معاجمها الاصطلاحية وأدواتها الفكرية، إضافة إلى دراسة توازن النظرة إلى الأنماط والمظاهر الفريدة، وتأثير التاريخ على المشكلات المطروحة للبحث. تأصيل الثقافات الثلاث يوضح كيجان في هذا الفصل أن أغلب الجهود الفكرية تتشكل من ثلاثة مكونات، هي مجموعة المقدمات المسلم بها، والتي تحدد أولوية طرح أسئلة معينة تسعى للحصول على أجوبة لها، ثم مجموعة أخرى منتقاة من أدوات التحليل تجمع عن طريقها الأدلة والبراهين، وأخيراً مجموعة مصطفاة من المفاهيم تمثل لب التفسيرات التي يتم التوصل إليها. وإذا كان أصحاب العلوم الطبيعية يركزون على المعالجات المادية، ويقللون من أهمية السياقات التاريخية والثقافية وما يتصل بها من القيم الثقافية، نظرا لكونهم معنيون أولاً بالعلاقات بين مفهوم ما ومجموعة الملاحظات العينية ذات الصلة، فإن أصحاب العلوم الإنسانية والاجتماعية يرفضون إقحام العلوم البيولوجية في دراساتهم، ويعتمدون بقوة على شبكات دلالية، ثم غالباً ما يعنون بالبحث في العلاقات، التي تنشأ بين مجموعة من المصطلحات ذات الدلالات اللغوية، بينما في أحيان أخرى يجتهدون في الحصول على إجابات تثبت أو تنفي قضية أخلاقية ضمنية. يتحدث جيروم عن ثلاثة معاجم اصطلاحية تخص كل نسق من الأنساق الثلاثة نظراً للمدلولات الخاصة لكل مفهوم من مفاهيمها، شارحاً ذلك من خلال العديد من الأمثلة، ومبيناً في الآن ذاته أن دلالات كل مفهوم تختلف أيضاً داخل النسق الواحد من تلك الأنساق، كما هو الحال بالنسبة إلى مصطلحات الكتلة والمكان والزمان في معادلات نيوتن، والتي تختلف عنها في النتائج التي توصل إليها أنشتاين. ويكشف عن جانب آخر من الالتباس يكتنف معاني الألفاظ، كما هو الحال في التعبيرات المجازية، إضافة إلى أن لكل مفهوم جوانبه العديدة القابلة للتغير مع مرور الزمن. يشير جيروم إلى مسألة مهمة تتعلق بتفاوت العلماء على صعيد مستوى اعتمادهم على ثلاثة أنماط من الهياكل العقلية أثناء وصفهم أو تفسيرهم للظواهر أياً كانت، بما فيها المفاهيم والمعادلات الرياضية وشبكات التعبير اللغوي والوصف القائم على تنظيم المدركات الحسية. ولذلك يطالب بضرورة إحلال توصيف يوازن بين التمثلات اللغوية الدلالية والحسية لظاهرة من الظواهر، بدلاً من مصطلحي محسوس ومجرد، ذلك أن التمثلات اللغوية الدلالية والتصورات الحسية تقوم على أسس تنظيمية مختلفة. ويطالب جيروم لتفادي الالتباس والاختلاف في الطرائق العقلية للعلوم الثلاثة بأن يتم التركيز على تفسير ما تشير إليه الكلمات من مدلولات في هذه العلوم الثلاثة، بدلاً من البدء في بالتعريفات التي يبدأ بها عادة المختصون بتلك العلوم. كذلك يشير إلى مسألة أخرى تتمثل في صعوبة الفصل بين محتوى أي فرع علمي وبين أنماط من اختاروا مهنة وعملاً محدداً. لذلك يميز بين أربعة نماذج لنوازع العلماء في اختيارهم للفرع التخصصي المستقبلي بعيداً عن الفضول الفكري والشغف التقليدي. بعد هذه المقدمة يبدأ بدراسة العلوم الطبيعية متناولاً في البداية المكانة الرفيعة التي باتت تحتلها تلك العلوم ما دفع بعلماء النفس إلى إلحاق لفظة علم بكل حقل من حقول التخصص النفسي تعبيراً عن رغبتهم بالانتساب إلى عضوية هذه الجماعة العلمية. لكنه من جانب آخر يتحدث عن موقف الجمهور العادي من تلك العلوم، وما بات يتسم به من في وقتنا الحاضر من التوازن على خلاف ما كان عليه قبل قرون، مبيناً الأسباب التي قادت إلى هذا التغير. ويرى أن التفاوت في فهم الحقائق العلمية بين العلماء أنفسهم ساهم في الحيلولة بين السواد الأعظم من الناس والاقتراب من الاستكشافات العلمية وتذوق ما فيها من جمال وبراعة، إلى جانب خلق حالة من الشك والريبة يحاول أن يشرح أسبابها، وفي المقدمة منها غياب وجود حقائق دائمة في هذه العلوم. أربع فلسفات لكل إنسان وكرد على أطروحات بعض العلماء القائلة بأن هناك أيديولوجيا شخصية لكل إنسان يثق بمصداقيتها، ويطمئن لها تقوم على المحك العلمي لتأكيد أية ظاهرة أو فكرة، يتحدث جيروم عن أربع فلسفات يختار منها كل شخص ما يسترشد به، في إدارة شؤون حياته اليومية. على مستوى آخر يكشف عن التحديات التي تواجه العلوم الطبيعية تتعلق بلغة العلم المبهمة والملغزة. وفي دراسته للعلوم الاجتماعية يبدأ بتقسيم المشتغلين في هذا الحقل إلى ستة أنواع من العلماء، ثم ينتقل إلى الحديث عن العلاقة بين الرمز والثقافة باعتبارهما مفهومين مركزيين لدارسي السلوك والفكر والعقائد والعواطف البشرية. لذلك يعرِّف مفهوم الرمز ويتحدث عن الكثير من أنواع الرموز، في حين يشير إلى أنسب التعريفات الخاصة بالثقافة على أنها جماعة من الأفراد، الذين يتشاركون في ذات الدلالات الرمزية للأساطير والمعتقد الديني والفنون والتاريخ والسلوكيات والاتجاهات الأخلاقية. ويسهب في الحديث عن مصادر الأدلة والبراهين الثلاثة في العلوم الاجتماعية وفق تواتر استخدامها، وهي التفوهات اللفظية والسلوكيات القابلة للملاحظة والقياسات البيولوجية بحيث تحقق فيما بينها الغرض المعياري المطلوب علمياً، والقائم على التطابق بين الأفكار والفرضيات من جهة، وبين الواقع القابل للملاحظة العلمية من جهة أخرى. إلا أن ما يواجه البحث في هذه العلوم يتمثل في أن صدق أي استدلال نفسي أو اجتماعي يقوم على واحدة من هذه المصادر الثلاثة، في حين قد لا تؤيده استدلالات أخرى مبنية على المصدرين الآخرين. ورغم ذلك واصل العلماء دراساتهم بالاعتماد على الاستبيانات الشخصية.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©