الثلاثاء 23 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

ماذا بعد مفاوضات الكويت؟

ماذا بعد مفاوضات الكويت؟
30 ابريل 2016 21:53
محمد الغيثي * لا شك أن تأخر الانقلابيين، وتخلفهم عن المفاوضات في البداية، قد أحدث يأساً في النفوس وخوفاً في القلوب، من المستقبل القريب عند الكثير من اليمنيين والعرب المتطلعين إلى إيقاف الحرب في اليمن. غير أن تأجيل المفاوضات أو التخلف عنها لم يكن خياراً للشرعية، وإنما كان قراراً للانقلابيين، مثله مثل القرارات التي تعوّد عليها اليمنيون منهم، والتي بواسطتها ينقضون العهود والمواثيق ويخالفون التزامهم بالاتفاقات حتى وإنْ كانت برعاية دولية، فالحوثيون والمخلوع سبق وضربوا بعرض الحائط قرارات مجلس الأمن، وأهمها القرار 2216 الذي يرغم الحوثيين على تسليم أسلحتهم الثقيلة، إلا أنهم وبدلاً من تسليم الأسلحة التي شملها القرار 2216 طبقوه بطريقتهم، حين استخدموا أسلحتهم الثقيلة ليدمروا اليمن دولة وشعباً وأملاً من نور كان ينتظره الكثير. فكرة المفاوضات في الحقيقة أن هناك أسباباً منطقية دفعت بالحوثيين إلى اللجوء للمفاوضات كحل يحفظ ماء الوجه، وهذه الأسباب ذكرتها في مقال نشرته جريدة الاتحاد يوم الأحد الماضي. وهنا سوف أكتفي بالسبب الذي خلق فكرة المفاوضات وأماتها بالوقت نفسه، وهو من دون شك استمرارية تحقيق تقدم على الأرض أو السيطرة عليها، وتضييق الخناق على الحوثيين والمخلوع. فالحوثيون وقوات المخلوع في بداية الأمر لم يفكروا بالجلوس على طاولة الحوار أبداً، لأنهم اعتقدوا وقتها أن الزمن لمصلحتهم، والأحداث أيضاً لمصلحتهم، خاصة أن التحالف يقصفهم وهم موجودون على الأراضي اليمنية كافة آنذاك، وهذا ما جعلهم يستبعدون فكرة هزيمتهم على الأرض. وعند هذه النقطة تحديداً، حاول إعلامهم الموجه أن يصور الحرب للعالم أنها حرب بين الجمهورية اليمنية وبين دول «معادية» كما يسميها الحوثي والمخلوع. بعد ذلك، تفاجأ الحوثي والمخلوع برياح عاصفه تهب من الجنوب، وتحديداً من عدن. حدث هذا الأمر عندما عرف التحالف أن البيئة في الجنوب بيئة عربية رافضة (كلياً) الوجود الإيراني عليها، فدعم أهلها برياً بالرجال والسلاح والعتاد. وقعت معركة عدن الكبرى وسرعان ما تغيرت الموازين وتبدلت الحال من حصار يفرضه الحوثي والمخلوع إلى هزيمة مؤلمة يتجرعانها. سقطت المحافظات وتحررت وأصبحت بيد القوات الجنوبية الموالية للشرعية في عدن، وبجانبهم قوات التحالف العربي، تلى ذلك النصر في العاصمة عدن، نصر آخر لا يقل أهمية عن الأول عندما واصلت القوات زحفها شمالاً نحو محافظة لحج الجنوبية، فسيطرت على القاعدة العسكرية الجوية الأضخم في الجنوب (قاعدة العند الجوية)، فالتحمت القوات المسنودة بقوات التحالف أرضاً وجواً بالمقاومة الجنوبية في الضالع، وبقية مناطق لحج. واكب هذه الانتصارات تقدم للمقاومة الشعبية في مأرب «إحدى محافظات المناطق الوسطى» التي أسندتها قوات التحالف أيضاً بالرجال والمال والسلاح، وحتى الإعلام. كل هذه الأحداث التي لم تكن بحسبان الانقلابيين، خلطت أوراقهم السياسية وحتى العسكرية، فانسحبوا على إثرها من محافظة شبوة الجنوبية حين شعروا أنهم خسروا الجنوب لمصلحة الجنوبيين والتحالف العربي واكتفوا بالقتال في بيحان ومكيراس وكرش، المنافذ الثلاثة التي تربط الشمال اليمني سابقاً بالجنوب العربي. وبعد فقدانهم التوازن، وشعورهم كانقلابيين بخلل في القيادة والسيطرة لديهم، ذهبوا باحثين عن هدنة ثم مفاوضات توقف الزحف الذي لم يكن ليتوقف لولا تلاعب الأطراف السياسية التي شاركت المخلوع حكمه قديماً، وعلى رأسها حزب الإصلاح (الإخوان المسلمين) بجناحيهم العسكري والسياسي. وقد يتساءل البعض عن المصلحة التي تدفع بالإخوان كحزب سياسي له جناح عسكري في الشرعية إلى إيقاف أو خذلان الزحف باتجاه صنعاء والشمال لتحريره من الحوثيين والمخلوع؟ غير أن الحقيقة التي يجهلها الكثيرون هي أن (الوحدة اليمنية) مصلحة يشترك فيها المخلوع والحوثيون والإخوان المسلمون. لأن الجنوب المحرر بالنسبة لهم حقل فيه كل مقوماتهم الاقتصادية والسياسية. بالإضافة إلى ذلك كله، فقد تعودنا كيمنيين «ورأى ذلك أشقاؤنا العرب والمراقبون عن كثب للوضع اليمني في العقود الأخيرة»، أن مواقف وقرارات حزب المخلوع «المؤتمر»، وكذلك شريكه حزب الإصلاح «الإخوان المسلمين»، مواقف وقرارات انتهازية تقوم على أساس المصلحة الشخصية والحزبية، وليس للوطن أو المواطن فيها أي اعتبار أو وزن. لذلك نحن لا نستغرب عندما يختار الإصلاح وقف الزحف ومساعدة الحوثيين من أجل مصالحة. وهنا تحديداً شعر الحوثيون بأن الأطراف السياسية - ما عدا الجنوبيين - أصبحت تربطهم معهم مصالح مشتركة. أهمها ضمان عدم سقوط الجنوب وإفلاته من قبضة الشماليين بشكل عام (لأن الأحزاب السياسية المذكورة أعلاه كلها أحزاب جاءت من الشمال وكل قادتها من الشمال)، فبدأ الحوثي والمخلوع يشعرون بالأمان نوعاً ما على الأرض، لأن المقاومة في المحافظات الشمالية، والتي يتحكم بمعظمها الإخوان لن تتحرك شمالاً من دون ضمانات سياسية بأن يبقى الجنوب وأهله مرعى وحقلاً مشتركاً لقوى الشر المتمثلة في المخلوع وحزبه والحوثيين والإخوان. وهنا بدأ التفكير في المماطلة من قبل الحوثيين، وبدأوا التفكير بمسألة الدعوة للمفاوضات والسلام، ومن ثم إفشال أي مفاوضات أو جهود للسلام، لأنهم يعلمون أنه لن يحدث تقدم على الأرض في الشمال ما دام الإخوان المسلمون وجناحهم العسكري على رأس المقاومة الشعبية والجيش الوطني، ولأنهم على يقين أن مصالح هؤلاء ليست بالاتجاه شمالاً، وإنما بالاتجاه جنوباً، حيث الثروات، خاصة في ظل تسارع الأحداث لمصلحة الجنوبيين (العدو المشترك للمخلوع والإخوان والحوثيين)، وبالتالي من غير المستبعد أن يتعمد الانقلابيون إفشال المفاوضات أو يعرقلونها، خاصة في ظل عدم تحقيق تقدم على الأرض في المحافظات الشمالية. لأن الجبهات في مأرب والجوف وبقية المحافظات الشمالية لم تتغير ولم تحقق أي تقدم جديد يذكر. وكأن القتال هناك لا يخدم الطرفين، أي الإخوان والموالين لهم من قوات الشرعية وكذلك الانقلابيين. ماذا لو نجحت المفاوضات؟ لا شك أن اليمنيين والأشقاء العرب يتمنون نجاح المفاوضات، رغم أن البعض يستبعد ذلك، خاصة مع انقلابيين أتوا بلغة القوة، ويرون أن مشروعهم لن ينتهي إلا بالقوة أيضاً، القوة العسكرية والاقتصادية والإعلامية، وكل قوة أخرى ممكن استخدامها ضدهم، بما لا يخالف القانون والعرف الدولي. ثم أن مسالة التفاوض مع هؤلاء يجب أن تكون تفاوضاً بعيداً عن حل الأزمة اليمنية السياسية الحقيقية. إذ من الضروري أن يتم مفاوضتهم في إطار تسليم سلاحهم وإيقاف عملياتهم المسلحة، كجماعة خرجت على القانون والسلم والطرق المشروعة في المطالبة بحقوقها إلى استخدام القوة والعنف والإرهاب، لذلك فإنني أرى أن أبلغ نجاح قد تتوصل إليه الشرعية معهم من خلال المفاوضات، هو الإطار المذكور أعلاه الذي سيؤدي بدوره إلى مصالحة حقيقية وتفاهم بين الأطراف في الشمال اليمني، أي الإصلاح والمؤتمر والحوثيين، لأن خلافهم قبل الحرب خلاف سياسي على النفوذ، ثم تحول إلى خلاف مسلح، وقد يعود مرة أخرى إلى ما كان عليه، أي تحالف ثلاثي مشترك، خاصة في ظل نمو قوة الجنوبيين الذين يطالبون باستعادة دولتهم التي توحدت مع الشمال عام 1990م. لذلك يجب التفريق بين مسألة التفاوض مع جماعة مسلحة بهدف وقف العنف، وبين مسألة أخرى وهي التفاوض على القضايا الوطنية، لأن التفاوض على القضايا الوطنية يجب أن تحضره جميع الأطراف المسيطرة على الأرض. بينما المفاوضات الحالية يمثلها تقريباً حزبا المؤتمر «حزب المخلوع» والإصلاح «الإخوان المسلمين»، وهما حزبان كانا شريكين مع الحوثيين والمخلوع، وكذلك هما وحدهما من لم يستطع تحرير المناطق التي طالما صرحوا بأنهم يمتلكون قاعدة شعبية ضخمة فيها. بينما في الجنوب، تفاوض الجنوبيون مع الانقلابيين بفوهات البنادق حتى أخرجوهم من المحافظات الجنوبية أذلة صاغرين. سيناريوهات ما بعد المفاوضات؟ حسب اعتقادي أن غياب الانقلابيين أو تأخرهم عن جلسات اليوم الأول من المفاوضات، لن يكون السبب الرئيس في فشل المفاوضات، فغيابهم وتأخرهم يأتي ضمن برنامج المماطلة المتعمد الذي اعتادوا عليه. ولنا في جولة مفاوضات جنيف عبرة، فقد فشلت جولة المفاوضات في جنيف على الرغم من حضورهم.إن الخطأ الكبير الذي قد يمنع تطبيق أي هدنة أو نتائج للمفاوضات على الأرض، هو مسألة اعتبار الحوثيين نداً أو طرفاً يقابل الشرعية، إذ إن المفروض هو اعتراف الانقلابيين بشرعية الرئيس والحكومة أولاً، ومن ثم يتم التفاوض معهم، لأن التفاوض هكذا معهم يرفع من فرضية تصديق الناس لإعلامهم الذي يقول إنهم أصحاب شرعية حقيقية على الأرض، وهذه مسألة فيها وجهة نظر. فمن غير المعقول الاعتراف بهم كطرف يقابل الحكومة بكل الشرعية الدولية التي تمتلكها. الأهم من فشل المفاوضات نفسه، هو ماذا يجب على الشرعية القيام به بمساندة قوات التحالف؟ إذ لا فائدة من تجريب المجرب، وإعادة سيناريو فترة ما بعد فشل المفاوضات السابقة. وأعني بذلك أن لا ينتظر الإخوة في الشمال اليمني تحرير أرضهم ومناطقهم من دون نية صادقة وفعالة لقتال هؤلاء الانقلابيين. فإذا كان الجناح العسكري للإخوان المسلمين رأس حربة للقتال في الشمال اليمني، فإنه من غير المعقول أن يبقى جالساً في الرياض منتظراً حسماً عسكرياً وتحريراً للمحافظات الشمالية قبل العودة إليها. يجب إرغام الجميع على التوجه إلى الجبهات في المحافظات الشمالية لأن الدور السياسي انتهى ولم يبقَ لهم غير خيار استخدام القوة. يجب إرسالهم إلى الأرض ما عدا رئيس الجمهورية، فيجب بقاؤه للمحافظة عليه لكونه رمزاً لا نريد أن تنكسر نفوسنا بفقده أو خسارته. أما البقية، فإنني أود القول إن من أصبحوا قيادات في المحافظات الجنوبية مثل محافظ العاصمة عدن ومدير أمنها وقائد المنطقة العسكرية الرابعة، وكذلك محافظ مأرب وبعض قياداتها قد أتوا من الميدان، بعد أن خاضوا معارك شرسة خاطروا فيها بأرواحهم، مشجعين شبابهم ودافعين بهم إلى ساحات الشرف دون انتظار لأحد، حتى أن بعض القيادات استشهدت مثل محافظ عدن السابق وقائد المنطقة العسكرية الرابعة السابق، وغيرهم الكثير. يجب تغيير أسلوب المعركة وشكلها، ويجب أن نعرف واقعنا الحقيقي ولا نبني على واقع مجهول وغير ملموس. فقيادات الجيش والمقاومة ومن هم محسوبون على الشرعية في المحافظات الشمالية، وأولهم جماعة الإخوان المسلمين، ومن ما زالوا يرفعون شعار المؤتمر «حزب المخلوع»، مطالبون بالمشاركة بأنفسهم وحسم الأمور على الأرض من أجل أن نصل إلى نتيجة تثبت ألا حاضنة للانقلابيين في المحافظات الشمالية. على الرغم من أن هذا الأمر لم يتم إثباته بعد، ولكننا نأمل في أن يتحركوا لتحرير مناطقهم والمشاركة والاستبسال في شرف الدفاع عن الوطن، ليثبتوا على الأقل حسن نواياهم واستعدادهم للموت من أجل وطنهم، لأن الشعب حقيقة لم يعد يثق بأي مسؤول ينتمي لحزب المخلوع أو لجناح الإخوان المسلمين، خاصة أن هؤلاء المسؤولين الذين تجاوزت أعمارهم ستين عاماً، قد قضوا معظمها في خدمة الوطن المكلوم والمغدور بخناجرهم وخناجر أحزابهم الخبيثة، حيث إنني لم أر تطبيقاً حقيقياً للمثل الإيطالي القائل «يدفع الجندي من دمه ثمناً لشهرة قائده» إلا في القيادات المحسوبة على الإخوان والمؤتمر وحتى الحوثيين في المحافظات الشمالية بشكل عام. إذ لا بد من معركة حقيقية في المحافظات الشمالية لتنظيف هذه المحافظات وتحريرها وعدم السماح للوضع الحالي بالاستمرار. والسؤال الأخير الذي يراودني هو، هل سيتم تصنيف جماعة الحوثيين وقوات المخلوع كجماعة إرهابية يعترف بإرهابها المجتمع الدولي؟ إذ لا بد من هذا الأمر كبداية حقيقية لشرعية القضاء عليهم تماماً بقوة السلاح في حال عدم استجابتهم لصوت السلام المنشود وخضوعهم لقانون الدولة المعترف بها دولياً وإقليمياً. وفي الأخير، فإنني أعود لما بدأت به، ولكن هذه المرة بمقولة لنابليون بونابرت حين قال «في الحرب كما في الحب، لكي ينتهي الأمر، لا بد من مقابلة مباشرة». * طالب العلوم السياسية بجامعة الإمارات
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©