الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الصحة في أبين.. عليلة

الصحة في أبين.. عليلة
30 ابريل 2016 21:52
فهد البرشاء (أبين) يتكئ في آخر الرواق على أحد الكراسي المتناثرة الحاج محمد ذو العقد السادس من عمره بمستشفى لودر، أحد مستشفيات مديريات محافظة أبين الجنوبية، تبدو عليه علامات الإعياء والتعب، دنوت منه وسألته عن سبب جلوسه هنا، أجابني بصوت متقطع ومتهدج أنه تعرض «لعضة» كلب مسعور، وأتى لأخذ «مصل» لهذا الداء، إلا أنه صُدم بعدم وجود «أمصال» لداء «الكلب» وسم «الثعابين»، وقد نصحه الأطباء بسرعة التوجه إلى محافظة عدن تفادياً لسوء حالته. يلملم الحاج محمد ذاته المنهكة وجسده المتناثر على الكرسي، ويسير بخطى متثاقلة نحو بوابة الخروج بعد أن تيقن أنه لا فائدة من بقائه في المستشفى.. رغم الأهمية التي يحتلها مستشفى مدينة لودر في المحافظة ورغم الخدمات الجبارة التي يقدمها للسواد الأعظم من أبناء مديريات المنطقة الوسطى بمحافظة أبين، إلا أنه يعاني الكثير، ويفتقر لأبسط المقومات. لعل أهم تلك المقومات التي يفتقر إليها المستشفى، غياب الكادر المتخصص في التخصصات كافة، وعدم توافر الأدوية بالشكل المطلوب، وكذلك عدم وجود أمصال للأمراض. يقول الدكتور فهمي عبدالله نائب مدير مستشفى لودر، إن الصحة في محافظة أبين تعاني الكثير من المشاكل، وتفتقر للكثير من المقومات بسبب الصراعات الدائرة في البلد والتي ألقت بظلالها على الجانب الصحي وأثرت سلباً عليه. ويضيف عبد الله: نحن في مستشفى لودر نعتبر مركز العمل الصحي في مديريات المنطقة الوسطى الأربع بمحافظة أبين، ونشكل نقطة التقاء لكل المرضى في هذه المديريات، ويعتبر مستشفى لودر هو الوحيد الذي يعمل بوتيرة عالية رغم عدم توافر الكثير من المقومات له التي تساعده في تقديم أداء أفضل. ويردف: أضف إلى ذلك، أن المستشفى يقع في جبهة قتال مفتوحة وساخنة مع الحوثيين منذ مارس من العام الماضي، وهي جبهة ثرة، والتي لا تزال رحى المواجهات تدور فيها، ولهذا فالمطلوب منا هو أن نعمل بوتيرة عالية وجهد كبير كي نقدم خدماتنا للمتضررين من المقاتلين ومن يقعون في خط التماس والصراع الحالي. وحديث الدكتور فهمي عن معاناة مستشفى لودر غيض من فيض لمعاناة المواطنين من الوضع الصحي المتردي في محافظة أبين التي باتت تغرد خارج سرب العمل الصحي منذ أن تحررت كل مديريات المحافظة في أغسطس من العام الماضي عدا جبهة مكيراس التي التي لا تزال ترزح تحت وطأة مليشيا الحوثي والمخلوع صالح.. يقول المواطنون في أحاديث متفرقة لـ «الاتحاد»، إن الصحة في أبين لا تسر عدواً ولا صديقاً، ولا تقدم خدمات كافية للمرضى نظراً للقصور الذي تعانيه، كالجانب الدوائي والكادر المتخصص، مما يضطرهم للسفر إلى محافظة عدن المجاورة.. ويضيف المواطنون أن الكثير من الأوبئة والأمراض انتشرت وتفشت بشكل مخيف وكبير، وباتت تهدد وتفتك بالكثير من الأبرياء، وعلى وجه التحديد الأطفال، حيث انتشر «السعال الديكي - والحصبة - وحمى الضنك» وغيرها، وساعد في ذلك تدني مستوى الخدمات الصحية في المحافظة. يرى الدكتور علي منصور حنشل مدير عام مكتب الصحة والسكان بمحافظة أبين أن الأحداث المتوالية والصراعات التي شهدها الجنوب وأبين على وجه التحديد ألقت بظلالها على الجانب الصحي في المحافظة، وأدت إلى تدهوره كلياً، ما انعكس سلباً على المواطنين، حيث عانت الصحة في محافظة أبين نقصاً حاداً في الأدوية، خاصة في جانب الأمراض المزمنة، مثل «السكر - والقلب - الفشل الكلوي».. ويضيف الدكتور حنشل: كما أننا نعاني نقصاً في الأدوية الأساسية والطارئة والمستلزمات الطبية والمحاليل وأفلام الأشعة.. ويتحدث الدكتور حنشل عن معاناة الأطفال دون سن الخامسة والأمهات الحوامل الذين بات التدهور في الجانب الصحي يهدد حياتهم، فقال: تدني الخدمات الصحية في المحافظة ونقص الأدوية أثرا بشكل كبير على الأطفال دون سن الخامسة، حيث إن معظمهم يعاني سوء التغذية الحاد والمتوسط، وهم بحاجة لغذاء صحي، كما لا ننسى كذلك الأمهات الحوامل اللاتي يعانين سوء التغذية وفقر الدم، وهذا بدوره على عملية الولادة وتكثر مخاطرها.. وأكد الدكتور حنشل أن تعرض الكثير من المرافق الصحية للتخريب وعمليات السلب والنهب أدى إلى خروج الكثير من المرافق الصحية عن الخدمة وتدني العمل الصحي وترديه، كما أن الدعم الذي يقدمه بعض المانحين والمنظمات أفتقر على الطوارئ فقط.. واختتم حديثه بالقول: سبق أن جلسنا مع الكثير من الجهات المانحة لمناقشة سبل تطوير العمل الصحي في المحافظة، وكذلك مع «الهلال الأحمر» الإماراتية، التي وعدنا بإعادة تأهيل وترميم المرافق الصحية بالمحافظة، ولكن حتى اللحظة لم يتحقق شيء مما وعدنا به على أمل أن يتم ذلك في أقرب وقت ممكن.. من جانبه، قال الناشط الحقوقي نهرو النقي، إن الصحة في أبين تعاني الكثير من المشاكل، أهمها أن مكتب الصحة يزاول عمله من محافظة عدن وليس أبين، إضافة إلى ذلك عدم وجود أطباء متخصصين في قسم الباطني والمخ والأعصاب والمسالك البولية والجراحة العامة، ناهيك عن نقص الكادر الطبي المؤهل.. ويضيف نهرو أن الأمر لم يقف عند ذلك، بل إن المستشفيات في أبين تفتقر لغرف عمليات حديثه، وأجهزة تعقيم ومختبرات حديثة، وأسرّة خاصة بقسم العناية المركزة، حيث الموجود قد عفى عليها الزمن.. كما تحدث عن هروب الأطباء واتجاههم للعمل في العيادات الخاصة والمنظمات الدولية، تاركين مستشفيات المحافظة فارغة وخالية على عروشها، وتاركين المواطنين يعانون أشد العناء.. تقول الأستاذة خلود القديري مدربة في مجال التثقيف الصحي ورئيسة اللجنة الوطنية للمرأة بالمحافظة، إن الوضع الصحي في المحافظة سيئ جداً ويكاد يكون شبه معدوم، حيث إن المنشآت الصحية في المحافظة المتمثلة في المستشفيات والمراكز الصحية شبه مشلولة، ولا تقدم الخدمات المرجوة منها، وتفتقر لأبسط أنواع الرعاية نتيجة لنقص حاد في المستلزمات الطبية، مثل الكادر المتخصص، وكذا عدم توافر الأدوية اللازمة للكثير من الأمراض، وكذلك المواد المخبرية والمحاليل للكثير من الأمراض المنتشرة، والأدوية التي تتعلق بأمراض الكلى والسكر، وغيرها من الأمراض. مستشفيات غير مؤهلة أكدت خلود القديري، أن معظم مستشفيات ابين، إن لم تكن كلها غير مؤهلة بشكل يخدم المواطنين ويساعدهم على تجاوز الأمراض التي تصيبهم، فعلى سبيل الذكر لا الحصر لا توجد غُرف عمليات مكتملة ومؤهلة بشكل مطلوب يلبي حاجة المرضى، وكذلك غرف الإنعاش وغرف التوليد التي تعتبر مجرد تحصيل حاصل لا ترتقي للمستوى المطلوب على الإطلاق. وتقول القديري: إن هذا الوضع المتردي الذي تعيشه الصحة في المحافظة يضطر الكثير من المرضى إلى التوجه للمحافظات الأخرى من أجل الحصول على عناية أفضل، مطالبة الجهات المعنية في المحافظة والدولة سرعة انتشال الوضع الصحي الذي بات مقلقاً حد قولها، وبات يهدد حياة المرضى الذين يعيشون تحت خط الفقر.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©