الثلاثاء 19 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

«بين الجد والهزل».. عرض يفضح الإغواء الظلامي

«بين الجد والهزل».. عرض يفضح الإغواء الظلامي
24 مارس 2017 00:06
إبراهيم الملا (الشارقة) قدمت فرقة مسرح الفجيرة، مساء أمس الأول، بقصر الثقافة بالشارقة عرضها المسرحي «بين الجد والهزل»، ضمن عروض المسابقة الرسمية لمهرجان أيام الشارقة المسرحية (الدورة 27)، وهي من إخراج حسن رجب وتأليف جمال الصقر، ونفّذها مجموعة من الممثلين المخضرمين، بجانب الوجوه الشابة التي تقف لأول مرة على خشبة المسرح. المحور الأهم الذي ناقشه العرض، وبعيداً عن الزخم الكوميدي في النصف الأول من زمن المسرحية، هو الإغواء الظلامي الذي يمارسه تجار الدين على الفئة الهشّة معرفياً من الشباب، حيث يتم التلاعب بأفكارهم الغضّة، وزجّهم في مناطق الفتنة وساحات القتال والذبح والتفجير والتكفير، تحقيقاً لمصالح دولية مريبة، هي أكبر من فهم ووعي هؤلاء الشباب المشحونين بالتعصب الأعمى، وبالحماس المفرط حدّ العنف والتدمير والانتحار. وكما في أعماله التي شاهدناها في الدورات السابقة من أيام الشارقة المسرحية مثل«السلوقي» و«نهارات علّول» و«مذكرات كلثوم»، وغيرها من الأعمال المفعمة بالفرجة والكوميديا والتجريب، لم يشأ حسن رجب في عرضه الجديد (بين الجدّ والهزل) أن يتخلى عن أسلوبه الخاص في البحث والصياغة والتنفيذ، فاقتحم مناطق جديدة داخل الحيّز المسرحي، ووسّع هذا الحيّز باتجاه مديات مدهشة تتجاوز في كثير من الأحيان النص المكتوب، موغلاً في الارتجال وابتكار مساحات غير مطروقة على مستوى الحوار والأداء والتنويع المشهدي، لاغياً في الوقت ذاته الحدود القابعة ما بين الصرامة والخفّة، وما بين القصد والمجانية، وما بين الكتلة والفراغ. تفتح ستارة العرض على فضاء مسرحي داكن تملأه العلب الخشبية، التي تتحوّل لاحقا إلى جزء أساسي وحيوي في السينوغرافيا المرنة والمتحركة، وفقاً للإيقاع الهزلي أو الآخر الجدّي ضمن النسيج الدرامي العام للعرض. وفي المشهد الافتتاحي نرى مجموعة من الأشخاص المشاركين في مجلس عزاء، بعد ورود أخبار تفيد بموت الشاب «سالم» الممثل جمال السميطي المنضمّ إلى إحدى الجماعات الإرهابية في الخارج، ويتناوب المتحدثون في المجلس بتوزيع التهم والمسؤوليات، فمرّة يردّونها إلى إهمال الأب، ومرّة إلى تحريض الأم، ومرّة إلى الحالة النفسية المزرية للشاب سالم، ولكن اتصال الابن بوالده من وراء الحدود سوف ينقلنا إلى مستوى آخر من العرض، نتعرف من خلاله على سالم في ثوبه الجديد بعد حصوله على لقب «مجاهد»، ونراه مع صديقه صالح الممثل حسن يوسف وهما يستعدّان لمحاربة «الكفار» (!) في أرض الجهاد. ولكن الأحداث المتتالية التي تعصف بالصديقين سوف تكشف لهما عن حيل وألاعيب كثيرة مورست ضدهما، وأنهما أصبحا كبشي فداء يتم التضحية بهما في لعبة ماكرة ومخطط لها سلفا، يمارسها المحرّضون الكبار من المرتزقة والوسطاء وسماسرة السلاح. وفي خاتمة العرض، وبعد أن يفقد سالم صديقه، يقودونا المخرج إلى منطقة الصدمة الموجعة والاعترافات الكاشفة، حيث يعترف صالح قبل موته على يد ميليشيات أجنبية برغبته في العودة إلى بيته وأهله وإلى رائحة الطفولة والأرض التي تركها للأبد، بينما يقرّ سالم بندمه بعد أن وجد نفسه تائهاً ومغيباً ومتورطاً في أرض موحشة ومحطمة ومليئة بأصوات الأبرياء الذين فقدوا أهلهم وأحلامهم وبراءتهم في ساحات القتل والذبح وهدر الكرامة الإنسانية. يصرخ سالم في المشهد الأخير قبل أن تنفجر به العبوة الناسفة المزروعة في زيه الجهادي المزيّف، قائلاً: «الأرض فرض.. وهي مثل العرض غالية». يمكننا وصف مسرحية (بين الجدل والهزل) بأنها من الأعمال الجريئة في طرحها وتناولها لقضية إشكالية تتعلق بالتفسير الأحادي الخاطئ والعنيف للنص الديني.، وقد حقّق العرض مبتغاه في قالب من الكوميديا السوداء، والطرفة الداكنة، وقدم لجمهور المهرجان لوحات مشهدية متنوعة في شكلها ومضمونها، وتوفّر على مؤثرات سمعية وبصرية خدمت المسار العام للقصة، وما اشتملت عليه من إدانة واضحة لأيديولوجيات ظلامية حان الوقت لكشفها وفضحها، ولو كان ذلك من خلال السخرية المرّة، ومن خلال النقد المسرحي اللاذع والصادم لحواسّنا وأفكارنا الراكدة.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©