تسللت آلة القربة التي تمثل أحد نماذج الموسيقى الشعبية في اسكتلندا إلى السودان مع الجيوش البريطانية إبان كانت بريطانيا المملكة التي لا تغرب عنها الشمس. وظلت القرب واحدة من الهوايات التي كانت تطرب الجنود وتجعلهم يحنون إلى ذكريات الأهل والأصدقاء. ولم تكن الآلة سوى نموذج تحمله الجيوش ولكنها سرعان ما أصبحت رمزا عسكريا في الدول المستعمرة وخرج من إطاره الخاص عندما احتشد بالدلالات اللاحقة وبالمارشات العسكرية التي امتزجت بالأناشيد الوطنية، السودان الذي كان احد المستعمرات البريطانية منذ عام 1896 عندما دخلت قوات كتشنر بعد دحر قوات الدولة المهدية واستمر الحكم البريطاني حتى عام 1956 عندما أعلن السودان استقلاله عن التاج البريطاني.
وسكن أحمد قنديل بأنغام القرب الاسكتلندية التي عشقها منذ صباه الباكر وهو يشاهد طوابير الجيش البريطاني وظل يلاحقها بشكل متواصل حيث كان يتمايل مع الأنغام التي تصدرها الآلات الخشبية فتنساب ألحانا جاذبة للأذن. يقول قنديل إن أول مرة شاهد فيها الآلة عندما كانت الفرقة الاسكتنلدية تجوب شوارع السودان في أربعينيات القرن الماضي بأزيائهم المميزة والتي تتكون من «كاروهات» متعددة الألوان يغلب عليها الأحمر والأصفر والأزرق بقيادة الجنرال «منهمري» الذي كان يقود جنوده في المناسبات الرسمية وهم يعزفون على الشوارع الرئيسية. ويضيف أن عشق هذه الآلة كانت السبب الرئيسي وراء انضمامه للجيش في وحدة المدفعية بمدينة عطبرة. وسرعان ما تحول إلى سلاح الموسيقى حتى يحضن هذه الآلة التي كانت تمثل له نبعا من الإبداع. وظل قنديل وفيا لآلته حتى بعد أن تقاعد عن الخدمة وظل يقضي الليالي يسامر أسرته الصغيرة عن أنغام الحنين إلى الماضي. ويقول قنديل إنه لحن الكثير من المقاطع الموسيقية عبر آلة القربة وأشهرها «ليالي القرية»، «وطني الخالد» بالإضافة إلى مقطوعة «كسلا درة شرق السودان».
عدد اليوم
