الخميس 18 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

«الواحد».. شروط واستحقاقات

«الواحد».. شروط واستحقاقات
18 فبراير 2015 21:29
مرة أخرى تدخل الإمارات في تحدٍ جديد، تحدٍ يبدو للمراقب من بعيد أقرب إلى الحلم الجميل، الوصول إلى (الرقم واحد) عالمياً، الشعار الذي كان «بطل» القمة الحكومية الثالثة التي انعقدت مؤخراً في دبي، يبدو، في شكل من الأشكال، أقرب إلى حلم الدولة المثالية. لم لا؟ سؤال يطرح نفسه والمرء يستذكر تحديا سابقا نجحت الإمارات في تحقيقه: حلم الاتحاد الذي كان بالنسبة إلى الكثيرين أقرب إلى المستحيل. بيد أن التحدي الجديد يحمل في طياته تحديات مختلفة عن السابق، إنه بمعنى من المعاني دعوة لبناء مجتمع جديد، مختلف عن السابق، بقيم جديدة ووعي جديد، وطرح مغاير لكل ما سبق. إنها أكثر من دعوة لتجديد الذات، لتحريضها على الذهاب بعيداً في أرض الإبداع والابتكار، ربما تكون أقرب إلى حرث الأرض وقلبها لزراعتها بثمار مختلفة. باعتباره حارساً للروح والفكرة، كان لا بد للمثقف من أن يدلي بدلوه في هذه القضية المهمة، كيف ينظر لمفهوم ثقافة (الرقم واحد)، وما هي الاستراتيجيات التي يتمناها للخمسين سنة القادمة والتي يمكن من خلالها ترويج وتفعيل وتعميم الثقافة والفنون والآداب ضمن هذا المفهوم وضمن هذه الرؤية الطموحة لقيادتنا الرشيدة، وكيف يرى الدور المنتظر من المثقفين لإيصال الوهج الثقافي للأجيال القادمة؟ تأصيل لا بد منه يقول الدكتور يوسف الحسن (كاتب وسفير سابق): دعني أتجاوز أبعاداً أخرى متداولة في مفهوم «الرقم واحد»، تلك الأبعاد ذات الصلة بكفاءة الخدمات العامة، التي تجعل الحكومات أكثر مرونة وتكيفاً ومبادرة، حكومات ذكية ومدن ذكية، وذات قدرات تنافسية في الإقليم أو حتى العالم. دعنا نتحدث عن أبعاد سياسية وثقافية واجتماعية لهذا المفهوم، وأقصد الريادة في اكتساب ثقة ورضا المواطن، والريادة في تأسيس تنمية سياسية عصرية حداثية وطنية وإنسانية في آن. وأقصد أيضاً، إنجاز وتنمية «مواطنة فاعلة وعادلة»، ومشاركة، متربية على مسؤوليات المواطنة بشكل صحيح. ويضيف الحسن: تتطلب استدامة «الرقم واحد» الكثير من الشروط؛ من بينها: وضع التنمية الثقافية في رأس جدول أعمال هذا الرقم الذهبي، تخطيطاً وتنفيذاً وتمويلاً، بما يحقق إغناء لشخصية المواطن، ولهويته ووعيه وطاقاته الإبداعية وثقته بنفسه. عندها يصبح «الرقم واحد» الثقافي قوة للبقاء والتطور والتجديد، والمحصلة هي تكوين رأسمال بشري، يعطي للمكان المعنى، وينسج بنجاح وإبداع وحدة التكوين الداخلي للوطن. «الرقم واحد»... يحتاج إلى امتلاك روح الاستمرار في بناء ميزته المقارنة، وانضاج جميع أدوات السياسات، والانفتاح على الأفكار الجديدة والاستجابة الإيجابية للتحديات والمتغيرات. من ناحية أخرى، فإن الرقم المذكور عرضة للتبخر، إذا لم نعتبر أن التعليم هو أمن وطني في المقام الأول، وإذا تعثرنا في جعل الثقافة نمط عيش مشترك للناس وليس للنخبة فقط. وهنا تكون الثقافة شاملة ثقافة الإنجاز والإبداع وقيم المساءلة والمسؤولية الاجتماعية والانفتاح والتسامح. ولنتذكر دائماً، يتابع الحسن، أن «الأول أو الأوائل» مسألة مركبة ومتنوعة، وتتحدى قدرات الفرد والمجتمع، وتتم تنمية الدماغ المتعلم عادة بالتحدي والتجديد والتغذية الراجعة (feedback) الفعالة. أن البيئة المحيطة قد تسهل وقد تعيق تنمية الفرد باتجاه «الرقم واحد». أحمد زويل، لم يتفوق إلا بعد أن استغنى عن «القفل» في خزانة بحوثه العلمية في جامعة الإسكندرية، فوصل إلى «الرقم واحد»: جائزة نوبل، من خلال التعلم التعاوني والتغذية الراجعة الأكاديمية. أسباب النجاح متوفرة مدللاً على نجاحها سابقاً في تحقيق دولة الاتحاد ومسيرتها الحافلة في الإنجازات، يؤكد الدكتور زكي نسيبة (مستشار بوزارة شؤون الرئاسة) أن «الإمارات قادرة من دون شك على أن تكون مستقبلاً، الرقم واحد عالمياً. فقيام دولة الاتحاد كان مستحيلاً في ستينيات القرن الماضي، بينما أصبح واقعاً راهناً في سبعينيات وثمانينيات وتسعينيات القرن نفسه. وقد قامت وسائل الإعلام العربية والدولية وقتها، بتوثيق الحدث والنظر إليه باعتباره أحد أهم التحديات التي استطاع الإماراتيون تجاوزها بنجاح مذهل. واليوم، نؤكد أن دولة الإمارات العربية المتحدة وهي تنظر إلى الـ 30 أو الـ 40 سنة المقبلة، تستطيع التفوق والوصول إلى الرقم واحد، حيث إنها تمتلك مستوى حكومياً متقدماً جداً، كان قادراً في الفترة الماضية على توطيد الطمأنينة والرفاهية والسعادة لدى جميع أبناء المجتمع، وحتى لدى سكانها من غير الإماراتيين». في الإطار ذاته، والكلام لا يزال لنسيبة، نقرأ الإعداد الحالي لبناء مجتمع المعرفة ولتكنولوجيات المستقبل. ويحضرنا ما قاله الفريق أول سمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة في القمة الحكومية، من أنه سيأتي يوم تودع فيه الإمارات آخر برميل بترول بابتسامة. لأنها ستكون حينها قد حققت الريادة في كل الصعد، وسيكون مجتمعها قائماً على ما يسمى باقتصاد المعرفة. ويلفت نسيبة إلى أن الثقافة «ركيزة محورية ضمن عملية التنمية الشاملة والمستدامة. ولا يمكن فصلها عن التعليم والتربية بمفاهيمهما الواسعة. وقد عملت الإمارات منذ بداياتها على تعزيز الفكر الثقافي والتوعوي منطلقة نحو آفاق من العالمية. كذلك نحن نتكلم اليوم عن مشاريع عملاقة بكل معنى الكلمة، من بينها المتاحف الدولية في منارة السعديات المنطقة الثقافية بأبوظبي، الاهتمام بالشعر وبالموسيقى وبالكتاب وبالترجمة وغير ذلك العديد من المبادرات. وهنا، لا بد من إلقاء الضوء على ما قاله سمو الشيخ منصور بن زايد آل نهيان نائب رئيس مجلس الوزراء وزير شؤون الرئاسة، حول ثقافة الابتكار في التعليم التي يجب أن تستند على الإبداع والفهم النقدي وليس على التلقين. ما يعني بالضرورة تنمية قدرات ذهنية متفوقة لدى الطلاب تساعدهم على مواجهة تحديات القرن الواحد والعشرين». تحدٍ للذات بدوره، يقول الدكتور علي بن تميم (أمين عام جائزة الشيخ زايد للكتاب مدير البرامج الثقافية في هيئة أبوظبي للسياحة والثقافة): أن تطمح لكي تكون الأول، أو في الطليعة، يكاد يكون واحداً من شروط التنمية في عالمنا المعاصر، وهذا المفهوم بات في دولة الإمارات يشكل حافزاً للابتكار والإبداع المستمرين. والتفوق أو الرقم واحد هنا، هو تفوق على الذات قبل الآخرين، ودخول في تحد ومواجهة معها، واستنفار لطاقاتها لكي تخرج بمزيد من الأفكار وتحقق المزيد من التقدم. وعن دور الثقافة على هذا الصعيد يتابع ابن تميم قائلاً: أرى أن الثقافة هي جزء لا يتجزأ من هذه المعادلة، وهي ثقافة نابعة أيضاً من الذات دون التنكر للثقافات الأخرى، وتهدف دوماً إلى تفعيل المزيد من البادرات المبتكرة والمتجددة حتى في مفاهيمها، والتأكيد على دور المؤسسات الثقافية في إيجاد المشاريع الحيوية ذات الاهتمامات الإبداعية، فدور الثقافة في هذا السياق ليس تكميلياً أو تزيينياً، بل إنها رافد أصيل في تشكيل الوعي بأهمية المبادرة والتطوير والإفادة من الآخر للاستمرار في التقدم والتطوير. ويرى ابن تميم أن من المهم هنا الإشارة إلى أن الرؤية الجديدة عادة ما تواجه بردة فعل مضادة أو حتى بقليل من الحماس والتردد، فالمجتمعات لا تقبل الرؤى الجديدة والتغيير بسهولة؛ لأن الإنسان عدو ما يجهل، ويبدو لي أن الثقافة قادرة على أن تلعب دوراً كبيراً في نشر الوعي بضرورة قبول التطوير، بل السعي إليه وتحفيز المجتمعات بأن تتطلع دوماً إلى أن تبلغ الذروة بل القمة، وأن تنتقل باستمرار من رقم واحد إلى رقم واحد جديد. نراهن على الثقافة وتعتقد هدى كانو (مؤسسة مجموعة أبوظبي للثقافة والفنون) أن رؤية الإمارات لمفهوم «رقم واحد» هي رؤية عملية عمادها الابتكار الذي كان حضوره لامعاّ في أجندة القمة الحكومية 2015. ولعلّ استحداث منصب «الرئيس التنفيذي للابتكار» يعكس توجه القيادة الرشيدة في اتخاذ خطوات عملية من شأنها تحويل مفهوم الريادة إلى واقع ملموس وثقافة تُغرس في نفوس أبناء الإمارات. وتضيف: نتعلّم من التاريخ أن الابتكار نادراً ما يتحقق في الأماكن التي لا توجد فيها أدوات الثقافة بكل مدارسها وأنماطها الفنية من موسيقى، ومسرح، وأدب، وشعر ورواية. وتزداد أهمية هذه الأدوات لدى الأجيال الناشئة، إذ أظهرت دراسة حديثة أجرتها مجموعة من علماء الاجتماع في ولاية أركنساس الأميركية وشملت نحو 11 ألف طالباً أن الطالب الذي يكوّن معرفة فنية وثقافية يكتسب مهارات مثل التفكير النقدي، ومستويات أعلى من التسامح الاجتماعي، بالإضافة إلى اتساع مدارك التفكير لديه. وكانت دعوة الفريق أول سمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة إلى «استثمار كل إمكاناتنا في التعليم» هي شاهدٌ آخر على رؤية القيادة في الاستثمار في العقول الشابة وتحفيزها لابتكار حلول تدفع بعجلة التنمية في المستقبل واضعة أمام نصب أعينها هدف الريادة والوصول إلى القمة. وتختم كانو بالقول: رهاننا في المستقبل على الثقافة وعلى توظيف أدواتها في مختلف المجالات ليتأصّل مفهوم الابتكار لدينا مع الاستثمار في إمكانيات وفرص المستقبل. مسؤوليتنا جميعاً يقول ضرار بالهول الفلاسي (مدير عام مؤسسة وطني الإمارات): تنبع أهمية ثقافة المركز الأول التي طرحها ويدعو لها صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي «رعاه الله» من كونها تمثل منطلقاً مهماً في التأسيس لثقافة التميز، سواء على الصعيد الوطني أو الفردي. وهذا ما يجعلها مهمة في ما يعرف بالجودة المضمنة، أي تضمين ثقافة التميز ككل وثقافة المركز الأول بالخصوص في كل مراحل الإنجاز، وليس فقط في الشكل النهائي للمشروع. ويوضح قائلاً: أهمية هذا الطرح في المشروع الوطني الإماراتي أنه يضعنا جميعاً كمسؤولين وكأفراد أمام أهداف مرحلية واستراتيجية للتميز لا بد من تحقيقها باتجاه إجباري هو أن تكون دولة الإمارات ككل في المركز الأول في كل نواحي الحياة والسياسة والاقتصاد والمنعة الوطنية. إذن عندما نتعامل مع المركز الأول كهدف شخصي أو عائلي، أو كهدف لدائرتنا الحكومية أو وزارتنا فإنما نساهم عمليا في إعلاء لبنات التميز لوطننا ودولتنا الحبيبة ككل. لذلك، فإن الرقم واحد وثقافته ليست ترفا، وليست مسؤولية الحكومة وحدها، نحن أمام مشروع وطني متكامل يتحمل الجميع فيها مسؤوليتهم أمام الله ثم أمام القيادة والوطن. ويرى الفلاسي أننا «بحاجة إلى إعادة النظر في منتجنا الثقافي الوطني بما يتواءم مع ثقافة المركز الأول واستراتيجيات التميز الوطني التي تعتمدها القيادة الرشيدة. ولعل أهم استراتيجية نحتاج إليها هنا هي في تعزيز وإحياء وإدماج الهوية الوطنية الإماراتية في المنتوج الثقافي والفني بعيداً عن الانجرار وراء الثقافة الاستهلاكية البعيدة عن تقاليدنا وعاداتنا، فمن الثابت عالمياً أن الثقافة المحلية والمنتج الفني المحلي هو دائما عنوان الانطلاق للتفوق والعالمية». وينبه الفلاسي إلى «ضرورة الاستفادة من قرار صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة، حفظه الله، باعتبار سنة 2015 عاماً وطنياً للابتكار، فالابتكار والإبداع بوابة ضرورية وإلزامية للتميز ولا بد منها لبلوغ المركز الأول في أي سباق. كما أن الابتكار هو الذي يسمح لنا بالتفكير خارج النمطيات الثابتة وبالتالي تقديم منتجات ثقافية عصرية ليست منفصلة عن تراثنا ووعينا وثقافتنا المحلية لكي نتمكن من إدماج التراث بالمعاصرة وتقديم ثقافتنا للعالم بأسلوب يسهل التواصل من دون أن يخلع عنا خصوصيتنا وتميزنا». من يتصدى؟ ويذهب سعيد حمدان (مدير جائزة الشيخ زايد للكتاب) إلى أن «مفهوم الرقم واحد التي صبت فيها طروحات القمة الحكومية الأخيرة، الذي أطلقه صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، هي فلسفة قيادة وإدارة وهي التي أوصلت دبي، ودولة الإمارات لتحتل هذه المكانة الدولية المرموقة في الفروسية والنهضة والتطور الاقتصادي والسياحي والإداري والتقني، ورسخت سمعتها في الريادة والابتكار والطموح». ويستدرك: ليس سهلاً أن تناطح وتنافس دولاً عظمى ومدناً لها تاريخ وتجارب سبقتك بعشرات السنين، وأن تزيحها عن مكانها وتحتل الصدارة. بيد أن لدى الإمارات التي أصبحت منارة وواحة للأمن والتطور والنهضة والعيش بسلام في عالم عربي مضطرب ومظلم، رصيد كبير للدخول في هذا الرهان، كل ذلك بثوابت هذا الاتحاد التي وضعها المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان «طيب الله ثراه»، وبقيادة صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، حفظه الله، ورؤية صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم صاحب نظرية المركز الأول في القيادة. وينتقل حمدان إلى الثقافة متسائلاً: كيف يتحقق ذلك في ميدان الثقافة؟، ليجيب: «لا بد أن نعترف بداية أننا في المشهد الثقافي والإعلامي أيضاً، متأخرون مسافة كبيرة عن فكرة المركز الأول، صحيح أن لقطاع الثقافة خصوصية لكنها في مثل هذا المجال مثلها كالقطاعات الأخرى، هي معادلة ولابد من توافر جميع أركانها حتى ننجح ونصل للمركز الأول». ويوضح: عندنا بلد ناجح وعندنا حضور واحترام ومكانة دولية. عندنا مثقف وعندنا تاريخ عريق ومنوع من الإنجاز الثقافي. عندنا مؤسسات وإمكانات ثقافية. عندنا جيل جديد يملك الموهبة والطموح لإثبات ذاته وتحقيق التميز، فأين المشكلة في أن يبرز هذا القطاع على الساحة ويكون له حضور، وأن يكون جزءاً من مكونات استراتيجية أركان الدولة نحو ترسيخ مكانتها العالمية، لا سيما أن الثقافة اليوم وفي هذا العصر تحديداً، هي أهم وأسرع وسيلة للوصول إلى الثقافات والشعوب الأخرى. ويصوغ حمدان المشكلة في عدد من الأسئلة: من يقود المشهد الثقافي في الإمارات؟ من يجمع هذه المؤسسات الرسمية والأهلية المتناثرة؟ أين هي الرؤية الموّحدة، من يشجعها على الحلم والعطاء، يقيّمها ويدعمها؟ ماذا عن حال المبدع الإماراتي الحقيقي الشاعر أو الروائي أو الباحث والكاتب، كيف نستطيع أن ننتشله من واقع المعاناة – ودائماً ما نربط المعاناة باستطاعتها توفير مناخ ولادة أدب حقيقي وصادق، لكن المقصود هنا معاناة متطلبات نشر إبداعه ومعاناة واقع الحياة – بتوفير الحياة الكريمة له ولأسرته، ودعمنا لإنتاجه واستطاعتنا من خلال الآلة الإعلامية الضخمة التي نملكها والعلاقات الثقافية أن نقدمه للعالم، ونبرز الأديب الإماراتي المبدع والثقافة الحقيقية التي تمثلنا. الجيل الجديد من المواهب الصغيرة والتي دائماً ما يركز عليها صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، والتي ستكون في مرحلة النضج وقمة العطاء في اللحظة التاريخية التي أعلن الفريق أول سمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان أننا سنصدر فيها آخر برميل نفط ونكون كسبنا بالتعليم ثروة بشرية أكبر وأهم، هل نعلم عن هذا الجيل شيئاً؟ هل قدمنا له شيئاً؟ هل عند المؤسسات الثقافية استراتيجية لتبنيه ورعايته وتقديمه ليقود ويحرك المشهد الثقافي؟ أما المشكلة الأخرى، حسب سعيد حمدان، فتتمثل في أن «أغلب مؤسساتنا ومثقفينا مازالت ترقب وتتطلع لتكثيف حضورها ومشاركتها عربياً، فما زال طموحها أن يكون لها حضور قوي في المشهد الثقافي العربي وفي العواصم العربية العريقة، والامتداد والتأثر وكذلك التأثير والتواجد في المحيط العربي هو طموح ومطلب مهم لأننا تشربنا وتأثرنا وتعلمنا من هذا النسيج، لكن لنكن أكثر واقعية، أين هي هذه العواصم التاريخية اليوم؟ ماذا حل بهذه الأمة وهذا الطوفان الذي زلزل كل شيء، بما فيه حاضر المؤسسات الثقافية العربية العريقة؟ ويواصل مجيباً: دورنا أراه في أن ندعم ونقوي المشهد العربي، نساعده في أن ينهض ويقوى، أن نعمل معه من خلال إمكاناتنا ونجاحات دولتنا وعلاقتها لنتكامل وننافس ثقافات وحضارات العالم المختلفة على المركز الأول دوليا في مجال الثقافة. أن نقول لهم إن ثقافتنا ليست صورة «داعش» وغيرها، وإننا أمة عظيمة كانت ملهمة وقادت العالم في عصور الظلام. تابع/ تحقيق ثقافة الرقم واحد يذكّر الدكتور حبيب غلوم (مدير إدارة الأنشطة الثقافية في وزارة الثقافة والشباب وتنمية المجتمع) بأن مفهوم الثقافة رقم واحد ليس بجديد، فهي دعوة طرحها صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، منذ أكثر من 3 سنوات، ويتابع: بالتأكيد لنصل إلى المركز الأول علينا أن نسابق الزمن حتى نتأهل ونحافظ على الصدارة. ورغم ما يبذل من جهود فنحن ما زلنا متأخرين عن تحقيق هذا المنجز الحضاري. علينا أن نعمل جاهدين كإماراتيين كل في موقعه حتى نستطيع تحقيق هذا الطموح، وهو طموح كبير، بلا شك، يستحق أن نجتهد أكثر لأن تحركنا ليس على قدر طموح القيادة. رعاية الإبداع ولتحقيق ثقافة التميز لابد من رعاية الابداع والمبدعين، وتوفير المناخ الملائم والمناسب لاحتواء وترجمة ابداعاتهم والاستفادة منها في شتى مناحي الحياة. ومما لاشك فيه أن من صور الإبداع التخطيط الجيد والإعداد للمستقبل وهما عنصران اساسيان تحرص القيادة على توفيرهما من خلال تبني البرامج وانشاء المؤسسات التي تغذي وتعود الابناء على اتباع هذا النهج. وللوصول لمفهوم ثقافة الرقم واحد لابد من تبني استراتيجيات تهتم ببناء المؤسسات الثقافية التي تحمل على عاتقها مسؤولية تنمية المواهب والقدرات ورعاية التفكير الإبداعي البناء والتشجيع على إعمال العقل والتفكير، لخلق جيل يحقق التقدم ويصل إلى رقم واحد في كل إنجاز يحقق الخير لمجتمعه وللإنسانية جمعاء. أيضاً من الامور الهامة والتي يجب وضعها ضمن استراتيجياتنا الاستفادة من تجارب الأمم بإضافة أفكار جديدة نطور من خلالها حياتنا، ونبتكر حلولا أفضل لمشكلاتنا، لنصل بهذا الإبداع الإنساني الراقي إلى الريادة الحضارية، فبالإبداع والابتكار تزدهر الحياة، وتعمر الأرض، وتبنى الحضارة. الثقافة هي النّواة يشير عبدالعزيز المسلَّم (رئيس معهد الشارقة للتراث) إلى أهمية البعد الثقافي عند وضع الاستراتيجيات طويلة الأمد، مؤكداً أن الثقافة كمفهوم عام، هي نواة وأصل كل تفكير تنموي يقرأ تحديات ومتطلبات المستقبل، لأن الثقافة تساهم في إضاءة الوعي المتعلق بالمكونات الأساسية للدولة الحديثة، ومنها المكون الاقتصادي والسياسي والمجتمعي والتربوي والأمني والتي تعمل بتناغم واتساق لضمان السوية الحضارية والإنسانية للأجيال القادمة. وحول الآليات التي يمكن اقتراحها هنا من أجل تفعيل دور الآداب والفنون والآثار والتراث لتحقيق هذه التنمية المستقبلية المطلوبة، ألمح المسلَّم إلى ضرورة الالتفات إلى العنصر المحلي على صعيد الإنتاج والتلقّي، ضمن دائرة معرفية متكاملة تفيد وتستفيد من التراث والتاريخ النابعين من هذه الأرض، وضمن أبعاد أفقية وعمودية لا تتعامل مع هذا التراث أو هذا التاريخ بشكل ظاهري واحتفالي فقط، ولكن من خلال قراءة معمقة وتفصيلية للقيمة النوعية لهذا الإرث المتنوع والتفاعلي والمتحرك في فضاءات الماضي والحاضر والمستقبل أيضا. ويرى المسلَّم أن المنتج الفكري والفني والأدبي الإماراتي يجب أن يحظى باهتمام خاص ومكثف في المناهج الدراسية والبرامج الثقافية والمنابر الإعلامية، وأن يكون لهذا المنتج الثقافي المحلي حضور وتأثير لا يقل عن حضور الثقافة العربية والأجنبية في هذه المناهج والبرامج المستقبلية. ويقترح المسلَّم ترويج وتعميم مكونات الثقافة المحلية ضمن آليات تسويقية تضمن للكاتب أو الفنان أو الباحث حقوقه المادية والمعنوية، وتعمل في ذات الوقت على خلق جو تفاعلي وجماهيري لما يقدمه هذا الكاتب من نصوص شعرية أو قصصية أو روائية، مع عدم التفريط في نوعية وقيمة ورصانة هذا المنتج الثقافي أو الفني وحتى لا تتحول هذه الأعمال إلى مجرد فقاعات تجارية زائلة ومتبخرة. ويدعو المسلَّم إلى إعادة النظر في مفهوم الثقافة والمثقف، والذي وصفه بالمفهوم الجامد الذي ما زال يراوح مكانه منذ حقبة الثمانينات وإلى الآن، كما يدعو إلى ضرورة الاهتمام بالطلبة الموهوبين في مجالات الأدب والفنون، واحتضانهم وتشجيعهم وتطوير ملكاتهم الإبداعية انطلاقا من المنزل ووصولا إلى المعاهد المتخصصة مستقبلا والتي يمكن أن تجعل من هذا المبدع الشاب ثروة وطنية، واستثمارا بشريا يعزز الوعي الفكري في المجتمع، فهذا الوعي وكما يصفه المسلَّم هو أساس أو محور مهم في خلق بيئة تنويرية متواصلة في النسيج المجتمعي لأي دولة تطمح إلى المراكز المتقدمة إقليميا وعالميا. وينوه المسلَّم إلى أن الكاتب في معظم الدول الغربية يحصل على مقابل مادي مغر عندما يقوم بالتوقيع لدور النشر المهتمة بطباعة أعماله، وهذه العملية التبادلية بين الكاتب والناشر ترافقها خطة تسويقية واضحة قبل وبعد صدور المنتج الأدبي، وهو الأمر الذي نفتقد إليه محليا وعربيا كما أضاف والتي تقلل من فرص وضع آليات واضحة المعالم لمسألة «تفريغ المبدعين»، والتي يمكن أن تبدأ بشكل تدريجي وبفترات زمنية محددة لا تؤثر على العمل الوظيفي للكاتب، وتسمح له في ذات الوقت التفرغ لعمله الإبداعي دون منغصات وهواجس مادية واجتماعية ومعنوية. ويضيء المسلَّم في حديثه على ما لاحظه من خلال احتكاكه وتواصله بالمثقفين وبالهيئات الثقافية في أوروبا من أن الكتاب والأدباء والفنانين والمسئولين عن الشؤون الثقافية هناك يحظون بامتيازات خاصة وتخفيضات عند شرائهم لتذاكر دخول المتاحف والمسارح، وهذه الاعتبارات الخاصة، كما وصفها، تعمل بشكل مباشر وغير مباشر على تهيئة بيئة اجتماعية تشجع فئة الشباب على اقتحام عالم الفنون والآداب وتضيف رصيدا مهما وتراكميا للعمل الثقافي عموما. ويطالب المسلَّم بدعم فكرة (الكاتب أو الفنان المقيم) من خلال تنظيم ورش ورحلات داخلية وخارجية للمبدعين الإماراتيين بالتعاون مع الهيئات الثقافية المحلية والأجنبية، حتى يعود هذا الكاتب أو الفنان بخبرة معرفية وجمالية مضاعفة تساعده على تقديم أعمال ناضجة ولافتة تروج للثقافة الإماراتية وتحقق للكاتب في الوقت نفسه استقلاليته وثقته بمنتجه الإبداعي في حقول متعددة مثل النقد والشعر والرواية والقصة والعمل التشكيلي، وغيرها من الحقول الإنسانية الرحبة والمتحاورة مع الذات والآخر. تحفيز ومراكمة من جهته ثمّن الفنان المسرحي والتشكيلي الدكتور محمد يوسف توجه القيادة الرشيدة في الإمارات بتعميم ثقافة الرقم واحد، ضمن خطة مستقبلية تصبو إلى تحقيق مراكز حضارية متقدمة على جميع المستويات، وقال يوسف إن هذا التوجه هو طموح مشترك لدى القيادة والشعب في الإمارات لخلق مناخ ديناميكي يسعى إلى التميز والابتكار، مضيفا أن صنع الإنسان المبدع هو أصعب بكثير من صنع الآلات والأجهزة الذكية، لأن هذه الآلات بحاجة لمن يحركها ويستطيع أن يوظفها لتنمية المجتمعات والتنافس مع المجتمعات الأخرى التي تسابق الزمن لاحتلال مكانة مميزة بين شعوب الأرض، مكانة تحقق لأفراد المجتمع الأمن والرفاهية والاستقرار، وتضمنه أيضا للأجيال القادمة، ضمن خطة واضحة تقرأ تفاصيل وتحديات ومؤشرات المستقبل البعيد وليس القريب فقط. وحول الآليات المطلوبة لتطوير العمل الثقافي والفكري والأدبي في أفق هذا الطموح العام، أوضح يوسف أن تحفيز المبدعين ومراكمة الفعل الثقافي وعدم ترك فجوات كبيرة بين الأجيال الفاعلة في هذا الاتجاه، هي عناصر مهمة ومطلوبة حتى يتحرك خط البناء الثقافي تصاعديا، حتى في وجود الأزمات التي يمكن أن تعيق هذا الخط التصاعدي، لأن الثقافة والفنون والأعمال الفكرية والنقدية والفلسفية هي أدوات مؤثرة جدا عند ظهور هذه الأزمات، بحيث يمكن ترويضها والتحكم فيها قبل أن نفقد السيطرة عليها وسط عواصف الجهل والتشدد والتطرف. ويؤكد يوسف على أهمية وجود خطوط متوازية لمكونات التنمية المستقبلية بحيث لا تكون هناك غلبة لجانب على حساب جانب آخر، فالثقافة يجب أن تسلك مسارا موازيا للاقتصاد والسياحة والتعليم والصحة والأمن والعمران وغيرها، مضيفاً أن الثقافة تحتاج لاستكمال بنيتها التحتية من مؤسسات وهيئات ومسارح ومتاحف وبرامج تخصصية وأكاديمية تعمل جميعها في خلق المناخ المناسب لإنتاج الإبداع والمبدعين. ويشدد يوسف على ضرورة أن تخرج الأفكار الطموحة من الورق إلى الواقع، ومن الذهن إلى الميدان، وأن تترجم إلى فعل ملموس ومتدرج ينطلق من الثقافة المحلية ويستوفي شروطها ويتمسك بها ضمن سياق جدلي ونقدي، قبل أن ينطلق نحو الثقافات الأخرى ليفيدها ويستفيد منها، ويقول إن العودة إلى الجذور يجب أن يرافقها منظور أو تأويل جديد للواقع وقراءة خاصة للراهن، ضمن علاقة تبادلية توازن بين المعاصرة والتراث، وتقدم قراءة واضحة واستشرافية للغد، ولمتطلبات الأجيال القادمة بعد خمسين سنة مثلا من الآن. ويلمح يوسف إلى أن البنية التربوية في الأسرة وفي قاعات الدراسة مهمة جدا لتحقيق هذا الطموح الكبير لقيادتنا الرشيدة، حتى تصب كافة الروافد والرؤى في النهر الكبير وهو ثقافة (الرقم واحد)، مضيفا أن الثقافة يجب أن تتخلص من الرواسب العالقة بها، وأن لا تكون هجينة، بل نقية ومتفردة ومستقلة، وتحاور الآخر بثقة وتمكن وبانحياز كامل للأولويات والثوابت الأصيلة لتراثنا وحاضرنا، قبل وبعد قيام دولة الاتحاد. * عبدالعزيز المسلَّم: إعادة النظر في مفهوم الثقافة والمثقف والاهتمام بالمبدعين * محمد يوسف: تخليص الثقافة من الرواسب وبناء ثقافة مستقلة تحاور الآخر بثقة * حبيب غلوم: تبني استراتيجيات تدعم الإبداع والابتكار وبناء المؤسسات الثقافية ----- يذكّر الدكتور حبيب غلوم (مدير إدارة الأنشطة الثقافية في وزارة الثقافة والشباب وتنمية المجتمع) بأن مفهوم الثقافة رقم واحد ليس بجديد، فهي دعوة طرحها صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، منذ أكثر من 3 سنوات، ويتابع: بالتأكيد لنصل إلى المركز الأول علينا أن نسابق الزمن حتى نتأهل ونحافظ على الصدارة. ورغم ما يبذل من جهود فنحن ما زلنا متأخرين عن تحقيق هذا المنجز الحضاري. علينا أن نعمل جاهدين كإماراتيين كل في موقعه حتى نستطيع تحقيق هذا الطموح، وهو طموح كبير، بلا شك، يستحق أن نجتهد أكثر لأن تحركنا ليس على قدر طموح القيادة. رعاية الإبداع ولتحقيق ثقافة التميز لابد من رعاية الابداع والمبدعين، وتوفير المناخ الملائم والمناسب لاحتواء وترجمة ابداعاتهم والاستفادة منها في شتى مناحي الحياة. ومما لاشك فيه أن من صور الإبداع التخطيط الجيد والإعداد للمستقبل وهما عنصران اساسيان تحرص القيادة على توفيرهما من خلال تبني البرامج وانشاء المؤسسات التي تغذي وتعود الابناء على اتباع هذا النهج. وللوصول لمفهوم ثقافة الرقم واحد لابد من تبني استراتيجيات تهتم ببناء المؤسسات الثقافية التي تحمل على عاتقها مسؤولية تنمية المواهب والقدرات ورعاية التفكير الإبداعي البناء والتشجيع على إعمال العقل والتفكير، لخلق جيل يحقق التقدم ويصل إلى رقم واحد في كل إنجاز يحقق الخير لمجتمعه وللإنسانية جمعاء. أيضاً من الامور الهامة والتي يجب وضعها ضمن استراتيجياتنا الاستفادة من تجارب الأمم بإضافة أفكار جديدة نطور من خلالها حياتنا، ونبتكر حلولا أفضل لمشكلاتنا، لنصل بهذا الإبداع الإنساني الراقي إلى الريادة الحضارية، فبالإبداع والابتكار تزدهر الحياة، وتعمر الأرض، وتبنى الحضارة. الثقافة هي النّواة يشير عبدالعزيز المسلَّم (رئيس معهد الشارقة للتراث) إلى أهمية البعد الثقافي عند وضع الاستراتيجيات طويلة الأمد، مؤكداً أن الثقافة كمفهوم عام، هي نواة وأصل كل تفكير تنموي يقرأ تحديات ومتطلبات المستقبل، لأن الثقافة تساهم في إضاءة الوعي المتعلق بالمكونات الأساسية للدولة الحديثة، ومنها المكون الاقتصادي والسياسي والمجتمعي والتربوي والأمني والتي تعمل بتناغم واتساق لضمان السوية الحضارية والإنسانية للأجيال القادمة. وحول الآليات التي يمكن اقتراحها هنا من أجل تفعيل دور الآداب والفنون والآثار والتراث لتحقيق هذه التنمية المستقبلية المطلوبة، ألمح المسلَّم إلى ضرورة الالتفات إلى العنصر المحلي على صعيد الإنتاج والتلقّي، ضمن دائرة معرفية متكاملة تفيد وتستفيد من التراث والتاريخ النابعين من هذه الأرض، وضمن أبعاد أفقية وعمودية لا تتعامل مع هذا التراث أو هذا التاريخ بشكل ظاهري واحتفالي فقط، ولكن من خلال قراءة معمقة وتفصيلية للقيمة النوعية لهذا الإرث المتنوع والتفاعلي والمتحرك في فضاءات الماضي والحاضر والمستقبل أيضا. ويرى المسلَّم أن المنتج الفكري والفني والأدبي الإماراتي يجب أن يحظى باهتمام خاص ومكثف في المناهج الدراسية والبرامج الثقافية والمنابر الإعلامية، وأن يكون لهذا المنتج الثقافي المحلي حضور وتأثير لا يقل عن حضور الثقافة العربية والأجنبية في هذه المناهج والبرامج المستقبلية. ويقترح المسلَّم ترويج وتعميم مكونات الثقافة المحلية ضمن آليات تسويقية تضمن للكاتب أو الفنان أو الباحث حقوقه المادية والمعنوية، وتعمل في ذات الوقت على خلق جو تفاعلي وجماهيري لما يقدمه هذا الكاتب من نصوص شعرية أو قصصية أو روائية، مع عدم التفريط في نوعية وقيمة ورصانة هذا المنتج الثقافي أو الفني وحتى لا تتحول هذه الأعمال إلى مجرد فقاعات تجارية زائلة ومتبخرة. ويدعو المسلَّم إلى إعادة النظر في مفهوم الثقافة والمثقف، والذي وصفه بالمفهوم الجامد الذي ما زال يراوح مكانه منذ حقبة الثمانينات وإلى الآن، كما يدعو إلى ضرورة الاهتمام بالطلبة الموهوبين في مجالات الأدب والفنون، واحتضانهم وتشجيعهم وتطوير ملكاتهم الإبداعية انطلاقا من المنزل ووصولا إلى المعاهد المتخصصة مستقبلا والتي يمكن أن تجعل من هذا المبدع الشاب ثروة وطنية، واستثمارا بشريا يعزز الوعي الفكري في المجتمع، فهذا الوعي وكما يصفه المسلَّم هو أساس أو محور مهم في خلق بيئة تنويرية متواصلة في النسيج المجتمعي لأي دولة تطمح إلى المراكز المتقدمة إقليميا وعالميا. وينوه المسلَّم إلى أن الكاتب في معظم الدول الغربية يحصل على مقابل مادي مغر عندما يقوم بالتوقيع لدور النشر المهتمة بطباعة أعماله، وهذه العملية التبادلية بين الكاتب والناشر ترافقها خطة تسويقية واضحة قبل وبعد صدور المنتج الأدبي، وهو الأمر الذي نفتقد إليه محليا وعربيا كما أضاف والتي تقلل من فرص وضع آليات واضحة المعالم لمسألة «تفريغ المبدعين»، والتي يمكن أن تبدأ بشكل تدريجي وبفترات زمنية محددة لا تؤثر على العمل الوظيفي للكاتب، وتسمح له في ذات الوقت التفرغ لعمله الإبداعي دون منغصات وهواجس مادية واجتماعية ومعنوية. ويضيء المسلَّم في حديثه على ما لاحظه من خلال احتكاكه وتواصله بالمثقفين وبالهيئات الثقافية في أوروبا من أن الكتاب والأدباء والفنانين والمسئولين عن الشؤون الثقافية هناك يحظون بامتيازات خاصة وتخفيضات عند شرائهم لتذاكر دخول المتاحف والمسارح، وهذه الاعتبارات الخاصة، كما وصفها، تعمل بشكل مباشر وغير مباشر على تهيئة بيئة اجتماعية تشجع فئة الشباب على اقتحام عالم الفنون والآداب وتضيف رصيدا مهما وتراكميا للعمل الثقافي عموما. ويطالب المسلَّم بدعم فكرة (الكاتب أو الفنان المقيم) من خلال تنظيم ورش ورحلات داخلية وخارجية للمبدعين الإماراتيين بالتعاون مع الهيئات الثقافية المحلية والأجنبية، حتى يعود هذا الكاتب أو الفنان بخبرة معرفية وجمالية مضاعفة تساعده على تقديم أعمال ناضجة ولافتة تروج للثقافة الإماراتية وتحقق للكاتب في الوقت نفسه استقلاليته وثقته بمنتجه الإبداعي في حقول متعددة مثل النقد والشعر والرواية والقصة والعمل التشكيلي، وغيرها من الحقول الإنسانية الرحبة والمتحاورة مع الذات والآخر. تحفيز ومراكمة من جهته ثمّن الفنان المسرحي والتشكيلي الدكتور محمد يوسف توجه القيادة الرشيدة في الإمارات بتعميم ثقافة الرقم واحد، ضمن خطة مستقبلية تصبو إلى تحقيق مراكز حضارية متقدمة على جميع المستويات، وقال يوسف إن هذا التوجه هو طموح مشترك لدى القيادة والشعب في الإمارات لخلق مناخ ديناميكي يسعى إلى التميز والابتكار، مضيفا أن صنع الإنسان المبدع هو أصعب بكثير من صنع الآلات والأجهزة الذكية، لأن هذه الآلات بحاجة لمن يحركها ويستطيع أن يوظفها لتنمية المجتمعات والتنافس مع المجتمعات الأخرى التي تسابق الزمن لاحتلال مكانة مميزة بين شعوب الأرض، مكانة تحقق لأفراد المجتمع الأمن والرفاهية والاستقرار، وتضمنه أيضا للأجيال القادمة، ضمن خطة واضحة تقرأ تفاصيل وتحديات ومؤشرات المستقبل البعيد وليس القريب فقط. وحول الآليات المطلوبة لتطوير العمل الثقافي والفكري والأدبي في أفق هذا الطموح العام، أوضح يوسف أن تحفيز المبدعين ومراكمة الفعل الثقافي وعدم ترك فجوات كبيرة بين الأجيال الفاعلة في هذا الاتجاه، هي عناصر مهمة ومطلوبة حتى يتحرك خط البناء الثقافي تصاعديا، حتى في وجود الأزمات التي يمكن أن تعيق هذا الخط التصاعدي، لأن الثقافة والفنون والأعمال الفكرية والنقدية والفلسفية هي أدوات مؤثرة جدا عند ظهور هذه الأزمات، بحيث يمكن ترويضها والتحكم فيها قبل أن نفقد السيطرة عليها وسط عواصف الجهل والتشدد والتطرف. ويؤكد يوسف على أهمية وجود خطوط متوازية لمكونات التنمية المستقبلية بحيث لا تكون هناك غلبة لجانب على حساب جانب آخر، فالثقافة يجب أن تسلك مسارا موازيا للاقتصاد والسياحة والتعليم والصحة والأمن والعمران وغيرها، مضيفاً أن الثقافة تحتاج لاستكمال بنيتها التحتية من مؤسسات وهيئات ومسارح ومتاحف وبرامج تخصصية وأكاديمية تعمل جميعها في خلق المناخ المناسب لإنتاج الإبداع والمبدعين. ويشدد يوسف على ضرورة أن تخرج الأفكار الطموحة من الورق إلى الواقع، ومن الذهن إلى الميدان، وأن تترجم إلى فعل ملموس ومتدرج ينطلق من الثقافة المحلية ويستوفي شروطها ويتمسك بها ضمن سياق جدلي ونقدي، قبل أن ينطلق نحو الثقافات الأخرى ليفيدها ويستفيد منها، ويقول إن العودة إلى الجذور يجب أن يرافقها منظور أو تأويل جديد للواقع وقراءة خاصة للراهن، ضمن علاقة تبادلية توازن بين المعاصرة والتراث، وتقدم قراءة واضحة واستشرافية للغد، ولمتطلبات الأجيال القادمة بعد خمسين سنة مثلا من الآن. ويلمح يوسف إلى أن البنية التربوية في الأسرة وفي قاعات الدراسة مهمة جدا لتحقيق هذا الطموح الكبير لقيادتنا الرشيدة، حتى تصب كافة الروافد والرؤى في النهر الكبير وهو ثقافة (الرقم واحد)، مضيفا أن الثقافة يجب أن تتخلص من الرواسب العالقة بها، وأن لا تكون هجينة، بل نقية ومتفردة ومستقلة، وتحاور الآخر بثقة وتمكن وبانحياز كامل للأولويات والثوابت الأصيلة لتراثنا وحاضرنا، قبل وبعد قيام دولة الاتحاد.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©