الثلاثاء 23 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
اقتصاد

إجراءات جديدة لإعادة تشكيل سوق العقار في مصر

إجراءات جديدة لإعادة تشكيل سوق العقار في مصر
20 فبراير 2012
(القاهرة) - لعبت مجموعة من القرارات والإجراءات الحكومية التي اتخذتها وزارة الإسكان والمجتمعات العمرانية في مصر خلال الفترة الأخيرة دورا في إعادة تشكيل السوق العقارية، على نحو يعزز من فرص عودة النشاط المتوقف لهذا القطاع الحيوي وتهدئة الأسعار عبر زيادة المعروض. ورغم تلقي العاملين في السوق العقارية هذه القرارات بقدر كبير من التحفظ باعتبارها تمنح دورا متزايدا للمؤسسات الحكومية في قطاع الإسكان، فإنهم يؤكدون أن آثار هذه الإجراءات لن تظهر بالسرعة التي تتوقعها الحكومة وأن ثمة عقبات تمويلية كبرى تحول دون إنجاز هذه الأهداف، لا سيما في ظل التوقعات الخاصة باستمرار ارتفاع أسعار مواد البناء والتكلفة النهائية للوحدات السكنية وحاجة الدولة لتوفير دعم كبير لهذه الوحدات. وشملت الإجراءات الحكومية سلسلة من القرارات الهادفة لإعادة تصحيح أوضاع خاطئة في السوق مثل استحواذ شركات تطوير عقاري كبرى على مساحات هائلة من الأراضي من دون أن تمتد إليها يد التطوير، عبر سنوات طويلة تجاوزت في بعض الأحيان عشر سنوات وتهدف الحكومة إلى إتاحة المزيد من هذه الأراضي لأغراض الإسكان العائلي واستغلال حماس المصريين لتملك منازل في المدن الجديدة وتوفير قدر كبير من السيولة المالية لدى القطاع العائلي المصري، الأمر الذي يعني أن جذب هذه السيولة إلى قطاع البناء والتشييد سوف يؤدي بمرور الوقت إلى دفع عجلة النمو الاقتصادي، نظرا لارتباط أكثر من 58 مهنة وصناعة بهذا القطاع الحيوي. الإسكان العائلي وشملت الإجراءات التوسع في طرح أراضي الإسكان العائلي في عدد من المدن الجديدة حيث من المقرر أن تتم عمليات الطرح على ست مراحل، يجري بموجبها طرح 100 ألف قطعة أرض تتراوح مساحتها بين 209 و275 متراً لإنشاء 400 ألف وحدة سكنية خلال السنوات الثلاث المقبلة، تسهم في تخفيف الفجوة بين العرض والطلب والتي تدور حول 250 ألف وحدة سنوياً أدت إلى تراكم نحو مليون وحدة سكنية. كما تشمل الإجراءات تعهد وزارة الإسكان ببناء مليون وحدة سكنية أخرى للفئات محدودة الدخل عبر جدول زمني يمتد 5 سنوات وبدعم يتراوح بين 20 و30% من التكلفة النهائية ويتم توزيع هذه الوحدات وفقاً لضوابط صارمة، وعبر آلية الإيجار الذي ينتهي بالتمليك لمنع المضاربة وتربح بعض الفئات من السماسرة من فروق أسعار الوحدات. ورغم التكلفة الكبيرة لهذا المشروع والتي تبلغ نحو 100 مليار جنيه وبمتوسط سنوي حوالي عشرين مليار جنيه، فإن الوزارة بدأت طرح مناقصات لتنفيذ المرحلة الأولى من المشروع البالغ حجمها 100 ألف وحدة، تعهدت القوات المسلحة ببناء 40 ألف وحدة منها على أن تتحمل تكلفتها بالكامل والمنتظر الانتهاء من هذه المرحلة وتسليمها لمستحقيها خلال منتصف العام الجاري. أما الإجراء الثالث الذي بدأت الوزارة تنفيذه فيشمل طرح نحو ثمانية آلاف قطعة أرض بمساحات كبيرة على المصريين العاملين بالخارج وبسعر يتراوح بين 200 و675 دولاراً للمتر في عدد من المناطق المميزة بالمدن الجديدة، بهدف جمع أربعة مليارات دولار حصيلة بيع هذه الأراضي على أن يتم استخدام جزء من حصيلة البيع في عمليات تطوير وإمداد المدن الجديدة بالبنية التحتية وشق طرق وتطوير محاور مرورية وتحديث بعض محطات الصرف الصحي بهذه المناطق، فيما يجري تخصيص الجزء الباقي من الحصيلة لدعم الاحتياطي النقدي الأجنبي لدى البنك المركزي الذي تهاوى إلى 16 مليار دولار. ومن المقرر حسب الخطة الحكومية أن يسهم هذا المحور في اجتذاب نحو 7 مليارات دولار ثمن الأراضي وتكلفة الإنشاءات وإتاحة 50 ألف فرصة عمل. أما المحور الأخير من الخطة فيتمثل في بدء سحب مساحات هائلة من الأراضي التي سبق تخصيصها لعدد من شركات التطوير العقاري، خاصة العربية، وفي مقدمتها الأراضي المخصصة لمجموعة “الشعلة” السعودية والأراضي التي كانت مخصصة لإنشاء مدينة الفاتح في القاهرة الجديدة والتي كان سوف ينفذها الجانب الليبي حسب اتفاق سابق مع الحكومة الليبية في عهد القذافي. والمقرر تخصيص جزء من هذه الأراضي، نظراً لتميز موقعها، للمصريين العاملين بالخارج بينما سيتم تخصيص الجزء المتبقي لمشروعات تجارية وإدارية ومناطق خدمات تعليمية وصحية مما يعني اجتذاب مزيد من الاستثمارات الجديدة لهذه المناطق. دور متزايد للدولة ويرى خبراء في مجال الاستثمار العقاري أن الإجراءات الحكومية الأخيرة سوف تؤدي بمرور الوقت إلى صياغة جديدة لواقع القطاع العقاري في مصر خلال السنوات المقبلة وهي صياغة تقوم على دور متزايد للدولة ومساحة أكبر للإسكان الاجتماعي مقابل تراجع نسبي لدور القطاع الخاص والإسكان الفاخر. ويشير الخبراء إلى أنه رغم ضرورة التوجه الحكومي الأخير للتعاطي مع مشكلة الإسكان والدور الذي تنتظره الجماهير من الحكومة للمساعدة في حل هذه المشكلة فإن هناك صعوبات عديدة في طريق تنفيذ هذه الخطة على صعيد إتاحة المزيد من الأراضي التي تخصص للإسكان العائلي، بسبب القصور في توصيل المرافق لهذه المساحات الشاسعة من الأراضي أو على صعيد تنفيذ برنامج الإسكان الاجتماعي بما يستلزمه من تمويل ضخم لن تستطيع الحكومة الوفاء به في ظل العجز المتزايد في الموازنة العامة للدولة خلال السنوات المقبلة. وقال هؤلاء الخبراء إن تزايد الفجوة في سوق العقارات لن يحله تحجيم دور القطاع الخاص لحساب دور أكبر للدولة بل إن الحل الأمثل في إعطاء الفرصة لجميع اللاعبين في السوق خاصة أن آليات السوق كفيلة بتوجيه القطاع الخاص للعمل في مجال الإسكان المتوسط والمنخفض التكاليف، للوفاء باحتياجات الراغبين في الشراء وهو الأمر الذي ظهر جلياً في الشهور الأخيرة بعد تشبع سوق الإسكان الفاخر وزيادة المعروض على الطلب مما دفع العديد من المطورين العقاريين إلى إعادة النظر في الخطط المستقبلية والعودة إلى التركيز على متطلبات السوق. ويجمع الكثير من المتعاملين في السوق العقارية على أن التحركات الأخيرة لوزارة الإسكان كشفت عن استمرار ارتفاع أسعار الأراضي، حيث تبيع الدولة المتر بنحو ثلاثة آلاف جنيه للمصريين العاملين بالخارج الأمر الذي يعطي مؤشرا لارتفاع التكلفة مستقبلا. كما يجمع هؤلاء على أن المشكلة الكبرى التي تواجه تطور السوق، رغم التحركات الحكومية الجادة للتصدي للأزمة، تتمثل في الارتفاع الكبير لأسعار مواد البناء والمتوقع له أن يستمر ويتواصل بعد رفع أسعار الطاقة لمصانع الأسمنت والسيراميك والبويات، وكذلك الاتجاه لرفع أسعار المواد الخام والمواد المحجرية بفضل ضغوط شعبية متزايدة على الحكومة. إشكالية الأسعار ويؤكد عبد الغني الجمال، رئيس شركة “رؤية الجمال” للاستثمار العقاري، أن السوق العقارية في مصر حالياً تتشكل على نحو مغاير لما كانت عليه الأوضاع قبل الثورة سواء على صعيد المنتج أو آليات السوق ونوعية المشترين مما يفرض على الشركات تغيير استراتيجيات العمل لتتواكب مع هذه المتغيرات. وقال إن دخول الدولة والدور المتزايد للحكومة في هذا المجال لا يجب أن يكون على حساب القطاع الخاص حتى لا تتكرر أخطاء الستينيات من القرن الماضي، عندما اضطر القطاع الخاص للخروج من السوق فكانت النتيجة ارتفاعا كبيرا في الأسعار ومزيدا من تعقد المشكلة، لأن الدولة لن تستطيع التصدي لهذه المشكلة بمفردها بل يجب عليها تعزيز دور القطاع الخاص الى جانب مساحة جيدة تمارس من خلالها الحكومة دورها الاجتماعي بتوفير وحدات منخفضة التكاليف للفئات الفقيرة. ويضيف الجمال أن عنصر الزمن يلعب دوراً مؤثراً في أسعار العقارات حيث ترتفع التكلفة بمرور الوقت وبالتالي ترتفع الأسعار اضطرارياً مما يسهم في خروج كثير من الراغبين من دائرة القدرة على الشراء وتبدو هذه المشكلة أكثر وضوحا لدى بعض فئات الطبقة الوسطى، التي تجد أسعار العقارات المناسبة لظروفها الاجتماعية ترتفع كل يوم وفي نفس الوقت لا تستطيع هذه الفئات الهبوط إلى مستوى العقارات المنخفضة التكلفة ومن ثم يظهر خلل في السوق يكبر بمرور الوقت ويصيب الخريطة العقارية بالتشوه. وقال منصور عامر رئيس مجموعة عامر انه لابد من تكامل دور الدولة مع دور القطاع الخاص في سوق الإسكان، حيث لا يوجد تناقض في الأدوار فالدولة هي القادرة والمسؤولة عن توفير مسكن ملائم للمواطن محدود الدخل، بينما يستطيع القطاع الخاص تلبية احتياجات الشرائح العليا والمتوسطة التي تبحث عن مسكن بمواصفات خاصة. ويؤكد أن دور الدولة في الإسكان الاجتماعي مرحب به لا سيما في هذه الفترة التي تعاني فيها الفئات الفقيرة من عدم القدرة على الحصول على مسكن لارتفاع الأسعار وبالتالي تصبح قضية الإسكان هي المدخل الطبيعي لإرساء أسس العدالة الاجتماعية. ويشير منصور عامر إلى أن المفتاح الحقيقي للتصدي لأزمة الإسكان في مصر يتمثل في ضرورة إتاحة المزيد من الأراضي المرفقة في المدن الجديدة لأغراض الإسكان العائلي ولشركات التطوير المهتمة بالبناء للطبقة الوسطى وبأسعار مقبولة، لأن بيع المتر مثلا بنحو 675 دولارا في مدينة الشيخ زايد سوف يؤدي إلى اشتعال الأسعار هناك بلا مبرر موضوعي وبالتالي تسهم الحكومة في صنع فقاعات عقارية في بعض المناطق يستفيد منها بعض المضاربين بينما يتضرر منها المجتمع بأكمله. ودعا إلى التركيز على توسيع نطاق المدن الجديدة بهدف خلخلة التركز السكاني في المناطق القديمة وتوسيع مساحة المأهولة على الخريطة المصرية، لأن ذلك يدعم خطط النمو الاقتصادي ويؤدي لتحسين نوعية الحياة.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©