الثلاثاء 23 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

اللَّيْنُوفَر أو ورد النيل

اللَّيْنُوفَر أو ورد النيل
21 مايو 2009 03:01
لأن اللغة الفارسية كانت في العصر العباسي قرينة العربية في المجتمع، فإن الشعراء كانوا يتداولون بها أسماء الورود والرياحين والأطعمة وأدوات الحياة الحضارية الجديدة. من ذلك اللينوفر أو النيلوفر، ومعناه بالفارسية النيليّ الأجنحة، وهو نبت مائي يورق ويزهر على سطح الماء بمختلف الألوان من أزرق وأصفر وأبيض وأحمر، وهو المعروف في مصر بالبشنين أو العرائس وورد النيل، وله في الثقافة المصرية خواص لم ينتبه لها الشعراء العرب من سرعة التوالد وتغطية السطوح المائية وصعوبة مقاومة انتشاره وتعويقه للملاحة على الرغم من جمال مظهره الخادع البراق. وقد قال فيه الشاعر، ربما كان السري نفسه أو ابن المعتز: وبركة حُفَّت بليْنوفِر ألوانه بالحسن منعوتَهْ نهاره ينظر من مقلةٍ ساجية الألحاظ مبهوتَهْ وإن بدا الليلُ فأجفانه في لُجّة البركة مسبوتهْ كأنما كل قضيب له يحمل فى أعلاه ياقوتهْ ويغلب جانب التشخيص البصري على هذه الصورة التي تبهر الشاعر بتعدد ألوانها وتراوح عيدانها بين التفتح في النهار، والانضمام الساجي في الليل، وهي تحمل في ذروتها زهرتها العقيقية البديعة كأنها ياقوتة، لكنه لا يتجاوز ذلك إلى شيء يقول شاعر آخر مما هو معروف عن خواص هذا النبات الخادع بمظهره والخطير في مخبره. وفيه يقول شاعر آخر هو «التنوخي» قطعة مطولة جاء فيها: خذها إليك من الغزال الأحورِ يحكي تنسمُها نسيم العنبرِ أهدى السرور غداة أهدى شادنٌ طربًا إليك تحية اللينوفَرِ متوسطًا في لونه متعصفرًا أحسن بمنظره وطيب المخبرِ أضحى يغار على ملاحة حسنه فيظل يسترها وإن لم تُســــْترِ ينضم ضمّ العاشقين تلاقيا من بعد طول تفرق وتحسرِ فيذهب إلى مدى أبعد في تشخيصه لورد النيل، فينسب إليه عطورا عنبرية لم تعرف عنه، وطقوسا غزلية طريفة لم تعهد فيه؛ جيث يتم إهداؤه من الغزال الشادن الطروب فيتبختر في ألوانه الصفراء والحمراء جميلة المنظر، بل يجعلها الشاعر أيضا بحكم القافية طيبة المخبر من قبيل التخييل المفارق للواقع. لكن ما ينجح فيه هو تمثيل حالتي الانضمام والانفراج؛ إذ تصبح الأولى مثل المعشوق الذي يغار على ملاحته أن تبدو سافرة للأنظار فيجتهد في إخفائها دون جدوى، فتبدو أطراف النبات في هيئة عاشقين التصقا ببعضهما عند التلاقي بعد طول فرقة. وإذا تفتحَّ مُكرَهًا أبدى لنا لونًا يُمثَّلُ فى فصوص الجوهر وكأنما أوراقه مصقولة شق الحرير التَّستُرىِّ الأخضرِ فيخاله الراءون نجمًا ساطعًا لبس الحدادَ على فراق المشترى ألف المياه تشاكلا بلقائه فمتى يفارق شكلها لم يبصرِ فيعوم طورًا ثم يرفع رأسه بتجنب وتأوُّدٍ وتكسُّرِ ومن الواضح أن خيال الشاعر مفعم بالمشاهد الحسية التي تلح عليه من عالم الأنوثة وما يرفل من حرير أخضر وقوام مستدير متكسر متأوِّد، لا يكاد يقاربه حتى يبدو له نجما معلقا في الأفلاك.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©