السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

تفاصيل وملامح تخترق الألوان

تفاصيل وملامح تخترق الألوان
21 مايو 2009 02:57
تجولنا معه بين أعماله، وتحدث إلينا بلغة الفنان الشاعرية التي تستلهم الماضي وتعبر عن التجربة الممتدة على مدى يقارب الخمسين عاما. فالفنان السوري إلياس الزيات المولود في دمشق عام 1935، والذي تخرج عام 1960 في أكاديمية الفنون الجميلة في صوفيا ـ بلغاريا/ قسم التصوير الزيتي، وقام عام 1961 بدراسات إضافية بكلية الفنون الجميلة في القاهرة، ودراسات إضافية في أكاديمية الفنون الجميلة وفي متحف الفنون التطبيقية في بودابست 1974، هو واحد من رواد الحداثة التشكيلية السورية والعربية، وهو صاحب بصمة تشكيلية لا يمكن التغاضي عن تميزها. نبدأ من معرض الفنان في غاليري (بوز آرت) في دبي، هذا المعرض الذي ضم أعماله التي أنجزها بين العامين 2006 و 2009، حيث تتجمع العلامات والرموز والعناصر الأساسية في لوحات تحملها الألوان والخطوط والتكوينات الواقعية والأسطورية ـ الميثولوجية، لتحضر الحياة وتحضر الذاكرة وما تنفتح عليه من موروث ومن وقائع قادت الفنان إلى طفولته ليشكل منها هذه الأعمال، من خلال رؤية فنية تشكيلية في اختيار رموزه وشخوصه وأماكنه وتقنياته، والتي تُدخل المتلقي إلى واحة التأمل المقصود، والاتجاهات التعبيرية الرمزية والمشغولة بتقنيات متعددة. ثلاثة عناصر أساسية تجذب المشاهد في التكوين الذي يعمل عليه الزيات، الوجه بكليته، والعين بما تحمل من دلالات، والكف ـ اليد وما تختزن من طاقات وقدرات ذات مرجعية تراثية وشعبية. هذه هي مكونات اللوحة لدى إلياس الزيات. عناصر ليست طبيعية من حيث البعد التشريحي، فالفنان يتعامل مع عناصر من التاريخ والميثولوجيا المرتبطين بالبيئة والمكان السوريين، وتوظيف ذلك للخروج بعمل يمتلك هويته الخاصة. وعن هذه العناصر يتحدث الفنان مشيراً إلى الانزياحات التي عرفها الفن منذ الألف الرابع قبل الميلاد، حيث التصوير لا يلتزم بالنسب المألوفة للجسد، خصوصا جسد المرأة وكيفية التعبير عن محمولات هذا الجسد الجمالية والموضوعية، من حيث كينونة المرأة بوصفها الأم التي تحمل وتلد وتحتضن. ولذلك فهو يستلهم تلك الأشكال بما يفيد تعبيره عن الواقع الراهن. عن الفن التدمري ويتحدث الزيات عن الفن التدمري في الفترة الرومانية السورية واختلافه عن الفن في روما، فهو في تدمر يتخذ روحا جديدة هي روح المكان والبيئة والمناخ من شمس وضوء وطبيعة متميزة. وهو يفرق بين الملامح كما هي في الواقع وبين ما يختزنه الفنان ثم يقوم بالتعبير عنه، وهذا هو دور الفن في تصوير الواقع حسب رؤية الفنان، بحيث لا يكون مصورا فوتوغرافيا، بل هو يعبر عن زمن ومكان محددين، ويكون امتدادا لمن سبقه من الفنانين، فيرى في بعض أعماله الزمن المملوكي امتدادا للفن في الزمن الأيوبي، وهذا يشكل امتدادا لما سبقه، وهكذا فهو يشتغل على عمل مرتبط بأعمال أخرى تعبر عن عالم واحد يعبر بدوره عن ترابط العالم وتواصله، حتى أنه لا يتورع عن تركيب رأس صقر على جسد ماعز، بما يعنيه له ذلك من تداخل بين الأجناس. ويقول «لا أرى مبرراً للالتزام بقوالب من القرن الثامن عشر والقرن التاسع عشر وعصر النهضة الأوربية، فهذه الأساليب رغم عظمتها أصبحت مرتبطة بزمن سابق ومعبر عن فكر ذاك الزمن». ويتحدث الفنان كذلك عن العلاقة بين اللون والتفاصيل في اللوحة، ففي عمله يبدو اللون وكأنه صاحب الحضور الأقوى والوحيد أحيانا، في حين أن المتأمل في اللوحة يجد الكثير من التفاصيل التي يكاد اللون يخفيها، وهي تفاصيل مكانية أو إنسانية ذات ملامح محددة، منها اليد المغروسة في التراب تعبيرا عن التواصل مع الأرض والتجذر فيها، كما تبرز بعض ملامح المكان السوري المتمثلة في البيت الدمشقي وبوابته المعروفة بجمالياتها، وغير ذلك من معالم البيئة التي يحملها الفنان في ذاكرته من علاقته بالعمارة وما يحيط بها من كائنات بشرية وحيوانية تنطبع في أعماله، مستغرقا في عالم توحيدي/ صوفي يرسم علاقته بالكون والخالق على نحو خاص به. عالم بلا حكاية وننتقل إلى عالمين من النور والظلام، حيث يخلط الفنان الأكريليك بالزيت ضمن معالجات تظهر العمل كما لو كان زيتيا، ويحضر نص جبران خليل جبران «العطاء» من كتابه «النبي» كملصق ضمن اللوحة، وعبر مزيج من الألوان الصارخة، تبرز من خلالها إمكانيات التعبير في العمل التجريدي، لتعلو صرخة الفنان كصوت إنساني في مواجهة العالم، وتتوالى العناصر لترسم عالما من الرموز دون أن تكون ثمة حكاية محددة تحكيها اللوحة. نحن هنا أمام لوحة تعبر عن دواخل الفنان ورؤاه وليس عما يحدث في الواقع، هي لوحة تحمل منطقها الخاص، وخصوصا من خلال إقامة التوازن بين اللون والتكوين ضمن لغة التشكيل الخاصة، لغة سليمة من خلال العلاقات التي تقيمها بين عناصر اللوحة المختلفة. وهنا نلتفت إلى شاعرية اللون، حيث يقول الفنان إنه بدأ شاعرا قبل أن يتحول إلى الرسم. وهذه ميزة يمتلكها الفن العراقي بتنوع اتجاهاته ومساراته، وربما كان أسبق من الفن السوري في هذا الجانب. وهو أمر تجده في الفن المصري الذي يستند إلى التراث الفرعوني العريق. فهذه الفنون في بلاد الرافدين وسورية ومصر كانت متداخلة منذ القدم. ولعل خلاصة تجربته تكمن في قوله «أنا لا أجد ضيراً في استخدام أساليب الفن الجديدة من أي جهة أتت لكنني أبقى وفياً مع نفسي وأصالتي. لا أصور الأشكال القديمة كما كانت في سورية، وإنما استوحيها وأعيشها في اللاوعي ثم أصورها بأشكال معاصرة من دون أن أكون مقيداً بهذه المدرسة الفنية أو تلك». ثم يؤكد رؤيته وممارسته بالقول «أعتمد على الفكر المعاصر وتشبعت في دراسته في مراحله المختلفة، ثم رجعت إلى دراسة الفن الذي نشأ في المنطقة العربية وفي سورية بشكل خاص، ففي إنتاجي حاولت أن أستوحي من هذا التراث أن أصوغه بلغة تشكيلية معاصرة، مدركاً أهمية الهوية الثقافية والحضارية للشعوب، ولكن التي يجب طرحها بقالب معاصر».
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©