الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

كيف جاءت الخنازير إلى القاهرة؟

كيف جاءت الخنازير إلى القاهرة؟
21 مايو 2009 02:49
تأتي انفلونزا الخنازير لتثير مخاوف الجميع، والطريف أن جامعي القمامة في القاهرة وأصحاب حظائر الخنازير، هم موضوع رواية «أحلام وقمامة القاهرة» التي كتبتها بالفرنسية د. فوزية أسعد، وهي روائية وأستاذ فلسفة مصرية تقيم في جنيف منذ مطلع الستينيات من القرن الماضي. وترجمت الرواية مؤخرا في القاهرة وقامت بالترجمة د. ديما الحسيني وهي مترجمة سورية ـ مصرية. وأصدرها المركز القومي المصري للترجمة. المؤلفة فوزية أسعد تذكر انها حين كتبت هذا العمل، لم تعتبره رواية، لكن الناشر الفرنسي أصر على ذلك وهي تراها دراسة انثروبولجية. تربية الخنازير تتوقف المؤلفة عند تربية الخنازير وأكل لحومها في مصر وطوال التاريخ لم يكن المصريون يحبون الخنزير ولم يأكلوه ليس فقط لأن الاسلام حرم لحمه، ومعظم سكان مصر مسلمون، بل لأن الحضارة المصرية القديمة كان لديها موقف من الخنزير. فقد صوروا الإله ست قاتل أوزوريس على هيئة خنزير، فصار رمز الشر، لدى الجميع، مسلمين ومسيحيين، وتجنبوه جميعا الى ان جاء الاحتلال البريطاني لمصر، فكان الجنود والموظفون الانجليز وأسرهم يأكلون الخنزير في نواديهم وأعيادهم، وكانت الخنازير تأتي من بريطانيا مباشرة عبر البحر، وكان ذلك مكلفا لهم، فبدأوا يربون الخنازير في مصر، وأخذوا يقنعون بعض المسيحيين الذين يتعاملون معهم، بأن أكله ليس حراما، وجاءوا اليهم من الإنجيل بما يحرض على تناوله وأن القرآن فقط يحرم أكله، ثم راحوا يقنعونهم بأنه مفيد وصحي، إذا تم طهوه جيدا، وهكذا كانت البداية، ووجد بعض المهاجرين الى القاهرة من الصعيد أن تربية الخنازير ليست مكلفة، خاصة أنه يعيش على «الزبالة» أو كما يقولون تجارة بلا رأس مال. يأتي الزبالون إلى القاهرة من الصعيد، تحديدا من البداري وقرية كفر تاسا بمحافظة أسيوط، كان ذلك مطلع الخمسينيات، ومع ثورة يوليو 1952، كان حلم الاستقرار والثراء لدى الكثيرين ومن بينهم «ابو نان» بطل هذا العمل، كان والده قد حصل على خمسة افدنة من جمال عبدالناصر بفعل الاصلاح الزراعي، وحين وصل «أبو نان» للقاهرة لم تكن لديه أي حرفة يقوم بها، ولا نال أي قسط من التعليم كان أميا، ولذا كان أسهل شيء عليه ان يجمع القمامة من المنازل، ويضعها في عربة كارو يجرها حمار. سمع حكايات عن الثراء الذي يحققه «الزبالون». كان «أبونان» مسيحيا، وأقام في منطقة إمبابة، وبعد سنوات كان عليهم أن يرحلوا من امبابة الى شبرا ومنها الى عزبة النخل ثم المقطم. وهناك أقام الزبالون الزرائب وبدأوا تربية الخنازير، أما الزبالون من المسلمين فكانوا يربون الماعز والخراف، وتقوم الزوجات والبنات في المنازل بفرز الزبالة، المواد الصلبة والبلاستيكية تجمع وحدها ليعاد تدويرها. واعتبروا «الزبالة» منبع الخير وذات مرة عثرت زوجة «ابونان» على سلسلة وصليب من الذهب الخالص، فاعتبرت ذلك معجزة. ويذهب الى المقطم «أبونا سمعان» ويحاول انشاء كنيسة لهؤلاء المسيحيين ويعلمهم الصلاة وطقوس الدين ويحلمون بالمعجزة التي تحقق لهم أحلام الثروة، وتتوقف الكاتبة عند البعد الديني سواء للمسيحيين أو المسلمين في هذه البيئة، ويمكن ان يكون ذلك مفهوما، فوسط هذه الحياة، حيث لا أمل في امكانية تطوير انفسهم، ولا حلم سوى أن يظلوا على هذا الوضع يعيشون وسط الزرائب وبين الخنازير، يصبح انتظار المعجزة والثواب في الآخرة عنصر سند حقيقي لهم في الحياة. ويختلط في العمل الفولكلور وحديث المعجزات بالحقائق، فتتوقف الكاتبة عند أسطورة يرددها المسيحيون وبعض المسلمين على أنها معجزة وهي انفصال جزء من صخرة المقطم بفضل دعاء أحد آباء الكنيسة القدامى أراد أحد سلاطين مصر المسلمين اختبار إيمانه ومصداقية دينه ووقعت المعجزة حيث تحرك الجبل، وبالفعل تحرك الجبل، فقد وقع زلزال شديد، والمعروف ان منطقة المقطم قابلة للزلازل، لكن هناك من يصر على أنها معجزة الى اليوم. أجيال الزبالين يحدث التحول في حياة الجيل الجديد من الزبالين، حين تذهب راهبة بلجيكية هي الأخت ايمانويل الى المقطم، وتجمع التبرعات لتحسين أحوال الزبالين، فتقيم مدرسة لابنائهم وبناتهم، وفصول محو الأمية لمن لم يتعلموا، ويظهر منهم جيل جديد من المتعلمين، لكن بقي الجيل القديم. «جيل أبونان» كما هو.. فقد بدأت الجهات الحكومية تتدخل لتدوير الزبالة واستعمال السيارات الحديثة بدلا من العربات الكارو، وذلك يعد تهديدا كبيرا لهؤلاء الناس، ثم بدأ التفكير في ان ينتقلوا الى القطامية، بعد ان ازدحمت المقطم في أعقاب زلزال 1992 حيث نقلت الحكومة ضحايا الزلزال للاقامة هناك، ثم سقطت صخرة على الزبالين في المقطم سنة 1993، أي بعد عام بالضبط، فقتلت أربعين منهم، ومع ذلك يرفضون مغادرة المكان. تتعاطف فوزية أسعد مع الزبالين وتعتبر نقلهم من مكان الى آخر نوعا من الاضطهاد لهم، لأنهم مهمشون وواقع الأمر أن جامعي القمامة كانوا تاريخيا يعيشون على حواف القاهرة، وفي القاهرة الاسلامية لم تكن هناك مشكلة، فقد كانت القمامة تذهب الى مستوقدات الفول المدمس بالمدينة فلا تتراكم، أما في العصر الحديث فقد صارت مشكلة فعلية. خاصة وأن القاهرة في توسع دائم، وحددوها تمتد بين جيل وآخر، ومن ثم يجب أن يتحرك هؤلاء. وتنتهي الرواية بمشهد وصول شركات النظافة الاجنبية لتعوق عمل الزبالين التقليديين وتهدد وجودهم المهني. مشكلة هذا العمل تكمن في شكل الكتابة، فلا يمكن القول اننا بازاء رواية خالصة، ففي صفحات مطولة، تشعر وكأننا بإزاء تقرير صحفي، ولا يمكننا القول اننا أمام دراسة علمية، لأن الخيال يختلط ببعض الحقائق، فضلا عن ان هناك الكثير من المعلومات بحاجة الى التدقيق. ونحن بإزاء كاتبة أحبت موضوعها وقضيتها فتحمست لها، واختلط لديها الخيال بالواقع. واجتمع فيها الفن بما هو مباشر تماما. لكنها قدمت عملا يتناول جانبا من المهمشين في المجتمع المصري وعنوان الكتاب ينطوي كذلك على مشكلة، فالكاتبة تتحدث طوال الصفحات عن الزبالة والزبالين، بينما حمل العنوان العربي كلمة «القمامة». أما الترجمة فينقصها كذلك الكثير من التدقيق والمترجمة ليس لديها المام كاف بكثير من كلمات العامية المصرية. أحد شخوص العمل اسمه «بعزق» وهي تسمية معروفة في المناطق الشعبية، فترجمتها ديما الى «بأزق» وتعترف المترجمة بالمشكلة، لكن هذه الهنات كلها سواء من المؤلفة أو المترجمة يمكن تجاوزها في طبعة جديدة. الكتاب: أحلام وقمامة القاهرة المؤلف: د. فوزية أسعد ترجمة: ديما شعيب الحسيني الناشر: المركز القومي المصري للترجمة ـ 2009
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©